طالعنا التشكيل الوزارى الجديد فى أول حكومة يقوم بتشكيلها رئيس وزرائنا المكلف من رئيسنا، الذى نال باكتساح ثقة شعبنا الأبى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وهو اكتساح كان فريدًا من نوعه، حيث عبر عن قبول ورضا وتفويض ودعم له فى اتخاذ كافة القرارات التى ترضى جموع المصريين، وربما كان مفاجئًا للبعض خروج الوزير نبيل فهمى وزير خارجية مصر من هذه الحكومة التى تتحمل مسئوليات ومهام جسام، وبعد أن خرج فهمى فحقه على من عمل معه – وقد كنت من البعيدين عنه- أن يتوجه إليه بأسمى آيات الشكر والعرفان والتقدير لأنه قبل أن يتحمل المسئولية بعد نجاح ثورة 30 يونيو وما كان لهذه الثورة أن ترى النور إلا بتطوع رجال مخلصين يحبون الوطن لديهم الهمة لخدمته فى أصعب لحظاته، وقد كان بجدارة أحد هذه الكتيبة التى نزلت إلى الميدان مقاتلة إيمانا بالله وانتصارا لإرادة شعبهم.
إن نظرة موضوعية لشخص نبيل فهمى ذلك الدبلوماسى الفذ البارع والمخلص بين نظرائه من الدبلوماسيين يثبت بلا مجال للشك أنه كان الأكثر تواضعا والأشد ذكاء والأفضل تميزا وكل هذا أهله لأن يستعين به الوطن فى أصعب لحظاته لما له من نبل يتجسر فى اسمه الذى له منه حظ وافر وكفاءة اكتسبها خلال مسيرة طويلة من العمل الدبلوماسى، فلم يتقاعس لخدمته فى أصعب لحظاته، ونظرة فى سجل أعماله على مدار أقل من عام ترى العين إنجازات لا ينكرها أحد، فقد بدأ عمله بطرح رؤية جديدة للسياسة الخارجية المصرية ارتكزت محاورها على تصحيح صورة الثورة المصرية فى الخارج، وتوضيح الرؤية التى التبست لدى الرأى العام العالمى وصانعى القرار.
لقد أحيا فهمى مفهوم التوازن فى علاقات مصر الدولية، مؤكدًا على انفتاح مصر على كافة دول العالم التى تمد يد التعاون وفق مبادئء احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وهو ما تجسد فى زياراته الخارجية إلى روسيا والصين والهند واليابان والاتحاد الأوروبى، وسبق كل هذا المملكة العربية السعودية والكويت والامارات وإثيوبيا ودول أفريقية أخرى، ففى عهده انطلقت الدبلوماسية المصرية إلى آفاق رحبة تتألق لنفتخر بماضينا وحاضرنا معلقين الآمال على مستقبل يصنعه شعبنا بدعم ومساندة مخلصة من دول وشعوب تدرك مكانة مصر وأهميتها.
وسعى بكل ما يملك من قوة لأن يجد لتحركات مصر الخارجية ظهيرًا شعبيًا مساندًا بالاعتماد على الآلة الإعلامية، وفى عهد فهمى استعادت الخارجية المصرية بريقها فى استقلالية القرار السياسى الخارجى، رغم ما تعرضت له أمتنا من حصار دولى وإقليمى كان هو التحدى الأكبر أمام نجاح ثورة شعبنا، وعندما نتحدث عن استقلالية القرار السياسى لا نعنى انعزال القرار عن معطيات البيئة الداخلية والإقليمية التى تعج بالصراعات والأزمات فى بلاد الجوار الجغرافى والامتداد الإقليمى، فضلا عن تحديات البيئة الدولية التى سارت فى معادة الإرادة الشعبية متبنية مبدأ المعايير المزدوجة.
لقد كسرنا الحصار الدولى وعبرنا عن إرادة شعبنا بكل شجاعة ورأيته فى عدة مقابلات واجتماعات حاضرًا جاهزًا خلاقًا فى ردوده، ومنه اكتسبنا الشجاعة فى الرد والتصرف وكثيرًا ما أنهكنا نظرائنا بما قدمناه من حجج أفحمت كل من فكر أن يتجاهل إرادة وديمقرطية شعب، كنا نقول بقوة إننا دولة على الطريق الديمقرطى نرسم طريقنا وفق إرادة شعبنا نعبر عن هذا الشعب بفخر منقطع النظير أهال من يسمعنا، ولكننا كنا ولازلنا على قناعة لم تتغير بأن شعبنا اختار طريقه ولن يترجع ولن ينسى من وقف إلى جانبه ومن عارض أو تجاهل عن قصد أو عن غير قصد إرادته فى التغيير والولوج إلى مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة المتطورة التى تعلى من القيم الإنسانية النبيلة وحريات أفراده مع الحفاظ على أمنه القومى.
هكذا عادت مصر إلى أحضان أشقائها الأفارقة وانتهى مع ذلك تجميد عضويتها فى الاتحاد الأفريقى بعد أن اتضحت لهم الحقائق وترجم الواقع ما تضمنته خريطة المستقبل ونجحت مؤسساتنا فى تنفيذ استحاقها الأول فى التوافق على دستور عصرى ديمقراطى، واستحقاقها الثانى فى فوز كاسح لرئيس منتخب بإرادة حرة ونزيهة شارك فيها المصريون فى داخل الوطن، والمصريون بالخارج وشهد لها المجتمع الدولى وتم تنصيبه فى احتفال لا تشهد مثيله أعتى الديمقراطيات.
نعم تحققت إنجازات فى عهده، فكان أول من أثرى العمل الجماعى فى مؤسسة الخارجية العريقة، منتهجًا فكرة خلايا النحل فى قضايا ملحة احتاجت إلى أفكار مختلفة تتناقش لتجد فى اختلافها اندماجًا وتقاربًا لصياغة فكر يخدم مصالح مصر ويعظم منافعها، ووضع آليات للتنفيذ وسيناريوهات للمستقبل واستراتيجيات تنطلق من ثوابت المصلحة الوطنية، وتعتمد على مفاهيم ونظريات العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، مما أسهم بثراء فى عملية اتخاذ القرار المصرى.
وكان فهمى أول من اتخذ قرارًا بإعادة هيكلة وزارة الخارجية لتمكين شبابها وخلق صفوف جديدة من شباب الدبلوماسيين، ليتولوا مهام القيادة، بل وشكل وحدة لتحقيق النظام الأكثر فعالية وسرعة فى صنع واتخاذ القرار، وأنشأ وحدة لتكافؤ الفرص وخلق مجموعات العمل للرصد والتحليل وجمع الأفكار والمعلومات وكلها شكلت واقعًا جديدًا فى مؤسسة الخارجية بل عمل على إعادة تعريف الأمن القومى المصرى، وكان يخطط لصياغة استراتجية للسياسة الخارجية المصرية فى 2030 لتكون رؤية ثاقبة لمتخذ القرار الخارجى وفق معطيات الداخل والخارج تستند إلى ثوابت المصالح المصرية ومقتضيات الأمن القومى، وتتبنى تكتيكات قصيرة المدى تسمح بالتغيير والمناورة لحماية المصالح المصرية وتعظيمًا لمكاسب مصر الإقليمية والدولية، لقد كان فهمى قائدًا لمؤسسة الخارجية العريقة فى لحظة قاسية وتراكمت قضايا عديدة احتاجت إلى قرارات حاسمة وسريعة اتخذها معتمدًا على ذخيرتة من خيرة أبنائه من الدبلوماسيين من مختلف الدرجات تفاوتت مستوياتهم وأسلوب أدائهم، ولكنهم ظلوا مخلصين يعملون بنبراس هذا الوطن وأجندته.
فى النهاية، فهمى بشر كسائر البشر يصيب ويخطئ، فاللهم اجزى نبيل فهمى خيرًا عن واجب أداه لوطنه ومساهمة قدمها فى عبور هذا الوطن لمحنته ولعله كان ولازال نموذجًا يحتذى به تأثر به الكثير وانتقده البعض وأثنى عليه فريق آخر ولكنه يظل محبوبا سجل له التاريخ وسيشهد له بأنه كان أحد رجال هذا الوطن المخلصين.. لا نقول لك وداعا نبيل فهمى ولكن إلى اللقاء، ولعل القدر يحالفك مرة أخرى لتتقلد مكانًا أو منصبًا رفيعًا، ولا يوجد أرفع من أنك تقلدت منصب وزير خارجية مصر المحروسة، وارتبط اسمك باسمها دبلوماسيًا رفيعًا ووزيرًا مرموقًا فى لحظة فارقة من عمر هذا الوطن.
أما وقد تقلد منصب وزير الخارجية السفير سامح شكرى أحد أبرز سفراء مصر ودبلوماسييها وأرفعهم شأنا ومكانة، وهو ما يبرهن على صدق مقولتنا بأن ذخيرة الخارجية لا تنضب وأنها كالنهر الذى لا يجف ولا يخذل شريانه، وكالبحار والمحيطات التى تتجاوز حدودها القارات، فإننا نقول له إن ذخيرتك التى تركها نبيل فهمى ومن سبقوه لازالت متاحة متأهبة وعلى أتم الاستعداد لاستغلالها أضعافا مضاعفة وتنتظر بكل شوق تكليفاتكم وقراراتكم وحيث تمنينا التوفيق لوزير سبق فإن تمنياتنا أعمق وأوفر لوزير جديد بمهام جسام معلقين عليه آمالا أكبر وأن يكون خير خلف لخير سلف، ولندع الأيام المقبلة تحكم على ما نقول.
أمين شعبان يكتب: شكرا نبيل فهمى.. الفارس النبيل
الجمعة، 27 يونيو 2014 10:08 ص