إن المتابع لتطور العلاقات المصرية – الأمريكية عبر مراحل التاريخ، يستطيع أن يدرك عدم ثبات هذه العلاقة، كما يلاحظ اتسامها بالتعاون فى بعض الفترات والتوتر، بل والضعف فى فترات أخرى.
ففى فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شهدت العلاقات المصرية – الأمريكية، توترًا ملموسًا، وذلك بسبب طموح عبد الناصر المتمثل فى بناء السد العالى وتسليح الجيش المصرى، الأمر الذى لم يتفق مع التوجهات العامة للسياسة الأمريكية فى ذلك الحين، حيث هدفت إلى تحجيم أحلام عبد الناصر فيما يتعلق بتحقيق فكرة القومية العربية.
أما خلال فترة حكم الرئيس الراحل السادات تطورت العلاقات المصرية – الأمريكية بعد حرب 1973، لاسيما بعد زيارة الرئيس السادات لإسرائيل فى 1977 وتوقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية فى 1979.
وخلال فترة حكم الرئيس السابق مبارك شهدت العلاقات المصرية – الأمريكية حالة من الاستقرار النسبى، وإن تخللتها بعض حالات التوتر فى فترات معينة.
وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011، اتسم الموقف الأمريكى بالتردد وعدم الثبات حيال مصر، وقد وصل هذا التردد ذروته إبان ثورة 30 يونيو 2013، وأمام دعم ومساندة أغلبية الشعب المصرى للرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى خلال الثورة، أجبر ذلك الإدارة الأمريكية على تغيير مسارها فى اتجاه دعم الرئيس الجديد، لتشهد العلاقات بين البلدين من جديد استقرارًا ملموسًا بعد فترة من التوتر والصراع السياسى.
وتأتى زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى إلى مصر مؤخرًا، لتمثل خطوة هامة ونوعية فيما يتعلق بتغيير المسار الدولى تجاه مصر، فبعد أن اتسم الموقف الأمريكى بالميوعة تجاه مصر بعد عزل الرئيس محمد مرسى فى يونيو 2013، نراه اليوم يتحول بشكل إيجابى، حيث عكست الزيارة عدة مؤشرات هامة:
أولاً: أهمية مصر كدولة قائدة فى منطقة الشرق الأوسط، وكذلك محورية الدور المصرى فى المعادلة السياسية خاصة فى ظل وجود الإشكاليات الأمنية التى تهدد استقرار المنطقة العربية وعلى رأسها الأزمتين السورية والعراقية (متمثلة فى حركة داعش)، بالإضافة إلى الأزمة الليبية.
ثانياً: إدراك الولايات المتحدة لأهمية أن تظل العلاقات المصرية – الأمريكية فى أحسن حالها حتى لا تخسر أحد أهم حلفائها فى المنطقة العربية، وتترك له مساحة لخلق محاور جديدة بديلة عنها.
ثالثاَ: سعى الولايات المتحدة إلى تشكيل محور استراتيجى بين مصر وواشنطن، وقد برز ذلك بشكل جلى فى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى بالإفراج عن صفقة طائرات الأباتشى وتسليمها إلى مصر، وأيضًا الإفراج عن المساعدات المالية لمصر والتى كانت قد تم تجميدها بعد عزل الرئيس محمد مرسى.
رابعاً: إن وحدة الموقف العربى تجاه مصر وإن شابه بعض المواقف الغير مسئولة من قبل بعض الدول، ولكنه عبر فى نهاية الأمر عن مدى قوة هذا الموقف تجاه السياسة الدولية، حيث أجبرت العديد من الدول أبرزها الولايات المتحدة على تغيير موقفها السلبى من الأزمة المصرية.
خامساً: إن زيارة وزير الخارجية الأمريكى لمصر، أظهرت مدى فشل السياسة الأمريكية فى قراءة وتحليل الواقع السياسى فى مصر، وأيضًا خطئها التاريخى المتمثل فى المراهنة على نجاح تيار الإسلام السياسى فى إدارة مصر، ومن جهة أخرى أتت الزيارة لتعبر عن مدى إدراك الإدارة الأمريكية لقوة وتماسك الشعب المصرى فيما يتعلق بتحديد مصيره والذى أربك بطبيعة الحال الحسابات الأمريكية فى المنطقة.
سادساً: إن السياسة الخارجية الأمريكية تتسم دومًا بعدم الثبات ودائمًا تترك ورقة للضغط على الدولة المُتعامل معها وهى تيار الإسلام السياسى فى مصر، حيث لا تزال الإدارة الأمريكية مصممة على إشراك جماعة الإخوان المسلمين فى العملية السياسية، رغم أن منهم من تورط فى قضايا جنائية، كذلك فإن الولايات المتحدة تسعى إلى إقناع الرئيس عبد الفتاح السيسى بتبنى سياسات أكثر اعتدالاً وتشكيل حكومة أكثر شمولية، لتحقيق الاستقرار فى مقابل تقديم المزيد من المساعدات الأمريكية.
إن الولايات المتحدة وإن كانت تسعى إلى إذابة الجليد المتراكم بينها وبين مصر بفعل سياساتها المضادة، وإن كانت أيضًا تسعى إلى تجاوز المرحلة التى أفقدتها الكثير من مصداقيتها، فإنها تفعل ذلك من منطلق حفظ ماء الوجه وبدافع من المصلحة التى تحكمها، حتى وإن أظهرت التصريحات والزيارات مدى حرصها على إقامة علاقات قوية مع مصر، ولكن فى نهاية الأمر علينا أن ندرك أن قوتنا فى وحدتنا وليس فى دعم الأمريكان لنا، وأن علينا أن نوجد دائماً التحالف البديل، والمصدر الذاتى البديل للدعم العسكرى والاقتصادى، حتى لا نتحول إلى دمية فى أيدى من يسعون للتحكم فى مصالحنا السياسية والأمنية والاقتصادية.
محمد تركى يكتب.. العلاقات المصرية – الأمريكية... ومحاولات إذابة الجليد
الخميس، 26 يونيو 2014 12:08 ص
الرئيس الأمريكى أوباما
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سمير على
ممتاز
عدد الردود 0
بواسطة:
فؤاد السيد
تحليل رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
سالى مجدى
امريكا والنفاق السياسى
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء الرميلي
تحليل رائع
تحليل رائع فيه مجهود الباحث وعمق المحلل
عدد الردود 0
بواسطة:
سمر
مصر الصامدة