كنت أجلس يومًا مع أحد الأصدقاء المصريين الذين درسوا الطب فى إنجلترا.
كان يقوم بمناظرة حالة .. وكان المريض يعانى من مشكلة جراحية ما وكأحد القواعد المتبعة فى التشخيص بدأ الطبيب فى أخذ التاريخ المرضى.
بدأ بسؤاله عن أول أعراض تلك المشكلة ظهورًا.. منذ متى؟
فأجاب المريض "من خمس ست سبع تمن سنين"
وهى إجابة مشهورة جدًا لمرضانا فى مصر
ابتسم الطبيب من جانب فمه وعاد يسأله عن تاريخ بقية الأعراض المرضية.
وعلى نفس النمط كانت إجاباته, بأن يعطيك مدى زمنى واسع عبارة عن شهور أو سنوات.
ومن النادر أن تحصل لأى سؤال زمنى على إجابة محددة
بعد الانتهاء من مناظرة المريض، بدأ الطبيب يحدثنى عن نموذج آخر لمريض بريطانى.
عرض عليه فى امتحانات زمالة كلية الجراحين الملكية ببريطانيا.
وكيف أنه أثناء الفحص الروتينى وجد به ندبة فسأله عن سببها، فأخبره المريض أنه فى اليوم الفلانى من الشهر الفلانى لعام ١٩٤٤، أصيب بشظية انفجرت بقربه أثناء الحرب العالمية الثانية.
تركت له تلك الشظية هذه الندبة التى بقيت آثارها حتى تلك اللحظة.
ورغم زوال المشكلة التى لم يبق منها سوى أثر بسيط، الا أن دقة الوصف للوقت أذهلت الطبيب المصرى.
كان الفارق كبيرًا بين تقدير المريض المصرى والمريض البريطانى للوقتز
ليس المريض المصرى بشكل خاص بل الإنسان المصرى والعربى بشكل عام، فالوقت لا يعنى لنا الكثير فخمس سنوات كست سنوات كتسع سنوات.
لا حساب لديه للسنين ولا قيمة للوقت، يرى أمسه كيومه كغده بلا جديد.
توقف عن حساب الزمن وصار مذهبه الحياتى .. يومين وبيعدوا.
المشكلة لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمستوى مادى أو اجتماعى معين، بل هى جزء من ثقافة شعوبنا.
فأنت قد تطلب من أحدهم موعدًا فيقول لك " الليلة "
وحين تلح عليه ليكون أكثر دقة، يقول لك "يعنى عشرة عشرة ونص حداشر".
أنه لا يعرض عليك ثلاثة مواعيد لتختار من بينهم
إنه يقول لك إنه تقريبا سيلتقيك عشرة عشرة ونص حداشر
ثم يأتى اليك فعليًا بعد الثانية عشرة .. ودائمًا هناك عذر
أو أن تجلس فى انتظار أحدهم حتى تمل فتطلبه هاتفيًا فيجيبك أنه فى الطريق إليك وسيصل خلال خمس دقائق.
وتظل فى انتظاره، وكأن الطريق الذى هو فيه إليك يبدأ من أقصى الأرض.
هناك حكاية أوردها الدكتور أحمد زويل فى كتابه "عصر العلم"
دعا إلى ندوة علمية بجامعة الإسكندرية
وكان قد جرى الاتفاق بينه وبين أحد الأساتذة بالجامعة، أن يأتى لاصطحابه فى التاسعة صباحًا، على أن يرافقه الى مكان اخر لالقاء محاضرة علمية، حيث إن فعالية الندوة ستبدأ فى الحادية عشرة.
وفى تمام الساعة الثامنة والنصف، كان الدكتور زويل يجلس فى استقبال الفندق منتظرًا مرافقه.
وظل ينتظره حتى الحادية عشرة حين هل عليه الزميل المصرى وكالعادة هناك أعذار.
أما عن الندوة فقد تأجلت لليوم التالى .. لا يهم ان كان هناك من كان فى الانتظار سواء المحاضر او المستمعين
وتساءل الدكتور زويل" ماذا لو حدث مثل ذلك فى الجامعة التى يعمل بها فى أمريكا".
ولم يجب الدكتور زويل على السؤال لأنه ببساطة احتمال مستحيل الحدوث.
وبتدقيق النظر قليلا نكتشف أن عدم احترام الوقت يمثل جزءًا من ثقافتنا الآن.
ثقافة العقلية المشوشة حيث الخطوط متداخلة "إن كان هناك ثمة خطوط لا تزال".
فى أثناء احتكاكى بالمجتمع الأمريكى
لم أكد ألتقى طوال بأمريكى يمضى فى الحياة بلا نظام وخطة مرسومة.
خطة واضحة فى ذهنه حتى وان لم تكن مكتوبة، وفى ظل تلك الخطط هناك مشاريع حياتية طويلة المدى وأخرى قصيرة المدى.
ونظرًا لأن الوقت هو رأسمالهم اللازم لإتمام تلك المشروعات فالوقت هو أثمن سلعة لديهم
أو كما كنت اسمع دوما time is money
فما الذى يعنيه الوقت لشعوب أدمنت الكسل والتراخى والسير فى الحياة بعشوائية.
فلا هدف فى الحياة وبالتالى لا خطة ولا استراتيجية
مشكلة كبيرة تحتاج الى جهد كبير لإصلاحها
فإصلاحها يحتاج إلى إعادة النظر فى أسلوب حياتنا بشكل كامل، ولا شك أن ذلك سيحمل مشقة كبيرة فى البداية ولكن لا مفر كى يكون لحياتنا قيمة.
ترى كم واحد منا سيقرر أن يفعل شيئًا بعد انتهائه من قرائة هذا المقال؟
وكم واحد من هؤلاء سيحدد ما ينبغى عليه أن يفعل بشكل واضح؟
وكم من هؤلاء الذين حددوا ما ينبغى عليهم فعله سيفعل ذلك بالفعل؟
لا أدرى حقيقة وإن كان هناك بعض الأمل
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
لونا
الوقت كالسيف
الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك
عدد الردود 0
بواسطة:
anisyass
الوقت