يدهشنى ما أراه من بعض المتشدقين بالديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، ومدافعتهم عن هذه القيم الجميلة، وهو بداخله ديكتاتور، فانظر إلى نفسك وأنت مدير فى عملك، فأنت من تملك الرؤية الصائبة، فتبتعد بصناعة القرار عن مرؤوسيك، وتتخذ أنت القرار منفردًا بل وتراه أنه الأصح، ولا تقبل مناقشته من أحد بل تعتبر من يحاول مناقشتك بأنه فوضوى ولا يريد المصلحة.
انظر إلى بعض معلميك فى الجامعة الذين يقفون فى زهو وخيلاء وسط طلابهم، يعرضون عليهم معارفهم، وكأنهم آلة تسجيل لا تفصل إلا إذا انتهى الشريط المسجل عليها، فهولا يقبل أن يناقشه أحد وإذا تجرأ أحد من طلابه على ذلك، بدأ فى مهاجمته فمن هو ليقف يناظر حامل للدكتوراه مثله، وقد يناله العقاب لأنه تجرأ على ذلك إما بالرسوب فى المادة أو الفصل من الجامعة كلها.
انظر إلى بعض من هم خارج المناصب، وهم يتكلمون عن قصور فى فكر الحكومة، وعن المركزية التى تدار بها الدولة، وأن بالمناقشة والمحاورة بين جميع أطراف المصالح نستطيع أن نصل إلى حل لكل المشكلات، فما أن يصل إلى المنصب تجده لا يختلف عن سابقيه، فهو أخرج الديكتاتور الذى بداخله، وبدأ يسوق نفس المبررات التى ساقها سابقوه، وبنفس المفردات يبدأ فى مخاطبة كل من ينتقد قراراته.
لم يخطء الإمام الشافعى حينما قال "رأى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب"، كان يرسخ مبدأ المناقشة والمحاورة لاتخاذ قرار يشترك الجميع فى صناعته، لم يكن بداخل الإمام ديكتاتور صغير مثل الذى بداخلنا، ومع مرور الأيام ينمو هذا الديكتاتور ببطء، حتى إن سنحت له الفرصة نخرجه، لنكتشف أننا أمام نفس الشخص الذى كنا نعترض عليه بالأمس، ولكن بملامحنا.. نفس الفكر القمعى، ونفس الروح الضيقة بأى نقد.
إذا أردت الحرية بحق، فتحرر أولاً من الديكتاتور الذى بداخلك.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة