فرضت الظروف الأمنية التى تتعرض لها منطقتا الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء، وقيام قوات الأمن بإغلاقها مساء كل يوم حتى فجر اليوم التالى لمنع الهجمات الإرهابية، بنمط جديد أقبل عليه أهلها ليتعايشوا مع هذا الواقع الذى وصفوه بالمرير فى ظل معارك تدور رحاها بين مسلحين من جماعات تكفيرية ومجهولين الهوية، وبين قوات الأمن مؤكدين أنهم ضحية وأنه لا أحد يسمع صوتهم فى تلك الديار التى باتت عامرة بالأحداث المتلاحقة والخربة من أى اهتمام آخر بها.
من بين أبرز أنماط الحياة الجديدة فى هذه المناطق التأقلم على إنجاز كافة مهامهم اليومية خلال ساعات النهار وخصوصا المتعلقة بإنهاء أوراقهم ومصالحهم فى الدوائر الحكومية بالعريش التى تبعد عنهم بمسافة لا تقل عن 40 كم.
ساعات النهار وإن كانت الحركة بها مطلوقة إلا أنها مقيدة فالطريق الرئيسى يشهد غالبا الغاء جزئى عند كمين الريسة وكمين الخروبة، وهو ما يستدعى الدوران من خلفه عبر مدقات بدائية من الدروب وعلى طرق غير مرصوفة ومسافات متباعدة فيما تبقى الطرق الفرعية وعلى وجه الخصوص منها الرابطة بين مدينتى رفح والشيخ زويد والقرى الجنوبية السير عليها مخاطرة فى ظل احتمال التعرض للموت فى أى لحظة إذا ما كانت هناك معارك بين التكفيريين وقوات الأمن، ورصاص يتراشق يهدد بإصابة وقتل كل مار من المكان أو محيطة.
الأهالى الذين يخرجون لقضاء مصالحهم اليومية، كما يقول " مصطفى سنجر" القيادى بالحركة الاشتراكية الثورية بالمنطقة الحدودية لا يصدقون أنفسهم عند عودتهم وعليهم فى كل الأحوال، أن يهموا الخطى ويلتزموا منازلهم عندما تدق الساعة الخامسة مساء كل يوم، مشيرا إلى أنه بعدها تغلق الطرق بشكل تام، ويفصل بين كل قاطن فى منزله أو ديوانه الباب الخارجى، وإذا ما غادره يصبح عرضة للموت نظرا لأنه التوقيت غير المسموح به الخروج أمنيا، وتطلق القوات النار على كل هدف قد يشاهد مترجلا كان أو مستقلا سيارة وكافة الأهالى تأقلموا مع هذا الوضع لذلك يسود المنطقة هدوءا تاما خلال ساعات الليل ولا يسمع لكافة تلك المناطق صوت محرك سيارة وتتوقف كافة مظاهر التزاور بين الناس ليلا.
هذه الطوارئ التى يعيشها أهالى مدينتى الشيخ زويد ورفح والقرى التابعة لها، رغم أن هناك من المستفيدين منهم من أبناء المدن الأخرى التى تسير بها الحياه بشكلها الطبيعى على أقلمة أنفسهم أيضا مع هذا الوضع.. وعلى رأسهم الأطباء الذين يفتحون عياداتهم طوال ساعات النهار لاستقبال المرضى من أهالى هذه المناطق الذين يستحيل أن يصلوا إليهم ليلا، وكذلك المراكز الطبية والمعامل والتى تفتح أبوابها مبكرا حتى لا تضيع زبائنها، وليس ظهرا كما هو المعتاد وكذلك مكاتب المحامين والمستشارين وتجار الجملة وغيرهم.
وكما قال مروان أبوفردة المحامى من أهالى الشيخ زويد، إن الكل يبحث عن مصلحتة ويوفقها وفقا لظروف أهالى المنطقة فيما تبقى معاناتهم بين رحى صراع يحتد وهم على أمل أن القادم أفضل.
وأكد أن الواقع مع الحاضر الذى نعيشه فى ظل هذه الظروف الأمنية الاستثنائية تقبله كل أهالى الشيخ زويد بصدر رحب وارتياح، رغم معظم التضييقات من إغلاق طرق وقطع شبكات اتصال وحظر وعدم تحرك والانتظار ساعات على بعض الكمائن.
وقال "كل هذا لا اعتراض عليه فى سبيل إنهاء هذه الموجة الشيطانية من الإرهاب فقام الأهالى بالتكيف مع الوضع وإنهاء مصالحهم فى أقل وقت وإنهاء مشترياتهم أيضا مبكرا والاقتصاد فى كل شىء، مع المحافظة على كل شىء وعدم هدر أى شىء، المهم تكيفوا مع الوضع إلا بعض الحالات المرضية الطارئة تكيفوا أيضا مع طرق ووسائل نقلها لأقرب طبيب بل البعض عاد للطب العربى القديم وأيضا قام البعض بإغلاق بعض المداخل والاكتفاء بمدخل رئيسى واحد لعدم استغلاله من الإرهابيين وهناك أيضا ارتفاع للحس الأمنى لدى المواطن عندما يشتبه بأى شىء غريب يتصرف بسرعة".
وتابع، نتمنى زوال هذه الكبوة والانطلاق للمشاركة فى برنامج التنمية والذى سيدر الخير الوفير للجميع فى سيناء وللوطن الغالى مصرنا العزيزة.
كما ألقت الأحداث بأنماط أخرى فى يوميات الأهالى، ومنها إقامة الأفراح والتى أصبحت تتم جميعها نهارا.. وفى حدود ضيقة حيث تمنع فى المدن ليلا إقامة شوادر الأفراح وامتداد السهرات، وفى القرى التى يقطتها البدو والذين يقيمون أفراحهم بمشاركة أعداد من المدعوين على ولائم من الذبائح تراجعت هذه العادة وأصبحت المشاركات، وحضور الأفراح لا يقتصر إلا على عدد محدود من ذوى والد العرس وتقام المراسم فى عجالة وتوقفت مواكب الزفاف التقليدية المكونة من عشرات السيارات.
كما أن الموظفين أيضا بتلك المناطق يحاولون جاهدين الوصول إلى مقرات عملهم ولكن فى صعوبة بالغة فحركة السير على الطرق الرئيسية نهارا مقيدة بالكمائن والحملات فى حين إنها بالطرق الفرعية الموصلة لمقرات حكومية بالقرى بالغة الصعوبة، وتوقفت السيارت الملاكى ونصف النقل التى كانت تقوم بدور سيارة الأجرة فى تلك الأماكن وتنقل الركاب.
وقال أحد الموظفين بقرية الجورة، إنه يأتى من العريش إلى الشيخ زويد ومنها إلى الجورة حيث محل عملة ويواجه صعوبة بالغة، فأسعار المواصلات إن توفرت مضاعفة، وعاد من الطريق أكثر من مرة نتيجة التوقف على الأكمنة، وفى أحيان أخرى عندما لا يجد مواصلات نتيجة تخوف السائقين من المرور على طريق يشهد عمليات أمنية.
كما تراجع بشكل ملحوظ تردد الأهالى على المقرات الخدمية بالشيخ زويد وأهمها مجلس المدينة، والإدارة الصحية، وإدارة الشباب والرياضة، وهى المصالح التى كانت تشهد فى الماضى إقبالا يوميا من مئات الأهالى لجلب مصالحهم والتقدم بشكاوى باحتياجاتهم من المرافق الخدمية، ومقرات هذه المصالح تقع فى مربع مغلق أمنيا نظرا لمجاورته قسم شرطة الشيخ زويد، وذلك خوفا أن تطالهم رصاصات لا يعرف مصدرها أو حتى إن عرف فلا يفيد بعد وقوع البلاء كما يقول "مسلم سليم " والذى أشار إلى أن من يصل إلى هذه المصالح من أهالى وموظفين يترك سيارته على بعد نحو 500 مترا ويترجل سيرا عبر طرق خلفية إلى أن يصل أليها.
هذا التأثر طال أيضا تجمعات الطرق الصوفية فى الزوايا المنتشرة بكثرة فى هذه المنطقة والتى اعتاد من يجتمعون بها أن يقيموا حلقات الذكر مساء كل يومى خميس واحد، وأصبح من يريدون إقامتها منهم التواجد مبكرا فى زواياهم وعدم مغادرتها والمبيت بها حتى شروق الشمس، فيما توقفت اجتماعات أبناء الطرق الصوفية فى زواياهم والتى كانت تتم بلقاءات تجمعهم من مختلف القرى وخلالها يقيمون حلقات الذكر والتواشيح الدينية.
زيارات الأقارب والأصدقاء خارج تلك المناطق ومن أبناء المحافظات الأخرى لذويهم أيضا تأثرت وأصبح كل قاطن بتلك المناطق يفضل عدم مخاطرة قريب له أو صديق والقدوم إليه ويستثنيه من العتب واللوم خشية من تعرضه للرصاص، خصوصا أن الطرق مغلقة وهناك تعليمات أمنية لا يعرفها إلا المقيمون بالمكان وعدم التزامها قد تفقد أى شخص حياته.
الأهالى يجمعون على تقديرهم للظروف التى تعيشها المنطقة وما يتخذ من إجراءات وإن كانت شديدة وتفوق قدرتهم، إلا أنهم يطالبون أن يشعر بهم المسئولون وإنهم أيضا ضحية وأن يلتفت إليهم الإعلام الذى غاب عنهم وتغيبت صور معاناتهم التى هى جزء من المعاناة من الإرهاب، لافتين إلى أنه منذ أكثر من عام ونصف لم يصل إليهم محافظ شمال سيناء لزيارتهم، ولم يتم عقد أى مؤتمرات شعبية لبحث مشاكلهم مع المسئولين، وتفاقمت أزمات نقص المرافق وعلى رأسها المياه والكهرباء، وتفشت البطالة بشكل بشع خصوصا أن كثيرا من الشباب يعملون فى مجال التجارة والزراعة وهى المهن التى تأثرت بالأحداث.
اليوم السابع..ترصد معاناة أهالى يعيشون تحت نار الحرب على الإرهاب بسيناء
الأربعاء، 25 يونيو 2014 06:37 م
أهالى سيناء يعانون..وشوارعهم خالية من المارة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة