فى مختاراته الشعرية (لخولة 365 أنشودة حب) يقدم الشاعر الإماراتى محمد أحمد السويدى هدايا فنية للمحبين تنعش ذاكرتهم بأيام الحب وتصلح بدورها لإعادة منحها مرة أخرى إلى محبوباتهم أيا كانت أعياد ميلادهن إذ تبدأ الأنشودة الأولى بأول يناير كانون الثانى وتتوالى أناشيد الحب بتويعاتها المختلفة حتى آخر يوم فى السنة.
وأنشودة الحب الأولى تحمل عنوان (دين الحب) وهى للمتصوف الأشهر محيى الدين بن عربى الملقب بالشيخ الأكبر وتضم أربعة أبيات تلخص معنى السلام والمحبة للبشر أيا كانت دياناتهم.. "لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي-إذا لم يكن دينى إلى دينه دانى. فقد صار قلبى قابلا كل صورة-فمرعى لغزلان وديرا لرهبان. وبيت لأوثان وكعبة طائف-وألواح توراة ومصحف قرآن. أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب دينى وإيمانى".
وباستعراض المختارات يجد القارئ أن الرجل والمرأة فى الحب سواء إذ تتراجع الكبرياء ويحل الضعف البشرى الصادق تجاه المحبوبة أو المحبوب.. فجرير ينادى أم عمرو.. "يا أم عمرو جزاك الله مغفرة ردى على فؤادى كالذى كانا. ألست أحسن من يمشى على قدم يا أملح الناس كل الناس إنسانا. لا بارك الله فى الدنيا إذا انقطعت أسباب دنياك من أسباب دنيانا".
ويقترب من هذا المعنى الذى يراه البعض انسحاقا أمام المحبوب وشعورا بلذة مازوشية أمام الصد والهجر ما قاله الشاعر الأندلسى ابن عبد ربه "إذا جئتها صدت حياء بوجهها فتهجرنى هجرا ألذ من الوصل.. أقول لقلبى كلما ضامه الأسى إذا ما أبيت العز فاصبر على الذل.. وجدت الهوى نصلا مغمدا فجردته ثم اتكأت على النصل".
ويكاد كثير عزة يصل فى الحب إلى منتهاه إذ يقول "الله يعلم لو أردت زيادة فى حب عزة ما وجدت مزيدا. رهبان مدين والذين عهدتهم-يبكون من حذر العذاب قعودا. لو يسمعون كما سمعت حديثها-خروا لعزة سجدا وقعودا".
ومختارات (لخولة 365 أنشودة حب) التى صدرت فى 200 صفحة كبيرة القطع هدية مع مجلة (تراث) الإماراتية أهداها السويدى "إلى أولئك الذين عبدوا دروب الحب منذ سالف القرون. إلى طرفة (بن العبد)... إلى خولة وإلى كل من سكنت شغاف قلبه خولة (بنت الأزور)" الشاعرة المقاتلة.
والسويدى له اهتمام خاص بتراث الشعر العربى من خلال مشاريع منها موسوعة الشعر العربى وموسوعة أبى الطيب المتنبى على الإنترنت بعنوان (واحة المتنبى) كما يرعى المركز العربى للأدب الجغرافى (ارتياد الآفاق) وندوته السنوية وجوائزه فى أدب الرحلة والدراسات والتحقيقات فى تاريخ الرحالة العرب.
وتجمع المختارات بين الحب العذرى والمواقف الحسية.. فمجنون ليلى يقول "أرانى إذا صليت يممت نحوها - بوجهى وإن كان المصلى ورائيا. وما بى إشراك ولكن حبها-وعظم الجوى أعيا الطبيب المداويا". ويقول ابن الفارض أيضا "أودعت قلبى إلى من ليس يحفظه-أبصرت خلفى وما طالعت قدامى. لقد رمانى بسهم من لواحظه-أصمى فؤادى فوا شوقى إلى الرامى".
وفى المقابل يقول ابن الرومى "أعانقها والنفس بعد مشوقة-إليها وهل بعد العناق تدانى. وألثم فاها كى تزول حرارتى - فيشتد ما ألقى من الهيمان. وما كان مقدر الذى بى من الجوى - ليشفيه ما قد ترشف الشفتان. كأن فؤادى ليس يشفى غليله - سوى أن يرى الروحين يمتزجان".
أما التونسى أبو القاسم الشابى (1909-1934) الذى يكاد يكون استثناء وسط شعراء هذه المأثورات القديمة فيقول "طهرى يا شقيقة الروح ثغرى - بلهيب الحياة بل قبلينى.. قبلينى وأسكرى ثغرى الصادى وقلبى وفتنتى وجنونى".
وتضم المختارات أبياتا لمتصوفة تلخص الفناء فى الذات الإلهية ومنها قول الحلاج "ونظرة منكَ ألقيها على عجل - أشهى إلى من الدنيا وما فيها. نفس المحب على الآلام صابرة - لعل متلفها يوما يداويها".
ويقول أيضا "والله ما طلعت شمس ولا غربت - إلا وحبكَ مقرون بأنفاسى. ولا جلست إلى قوم أحدثهم - إلا وأنتَ حديثى بين جلاسى. ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا - إلا وأنت بقلبى بين وسواسى. ولا هممت بشرب الماء من عطش - إلا رأيت خيالا منكَ فى الكاس. ما لى وللناس كم يلحوننى سفها - دينى لنفسى ودين الناس للناس".