وضع الرئيس عبد الفتاح السيسى حكومة محلب فى مأزق شديد الصعوبة، بعد رفضه اعتماد الموازنة التى تقدمت بها الحكومة للعام المالى 2014/2015، فى الوقت الذى لا تجد الحكومة خيارات كبيرة أمامها لتخفيض العجز الذى كان مستهدفًا بواقع 288 مليار جنيه.
وكشف مسئول بوزارة المالية عن عدم وجود رؤية واضحة للتعديلات المقرر البدء بها من جديد لتخفيض العجز، خاصة أن وزارة المالية كانت قد أجرت تعديلات جديدة على الموازنة بعد إضافة وزارات وإلغاء وزارات ودمج وزارات بالتشكيل الجديد لحكومة محلب، بل وقام قطاع الموازنة العامة بطباعة مجلدات الموازنة للجهات المختلفة بالفعل.
وقال المسئول لـ"اليوم السابع": "حتى الآن لا توجد رؤية واضحة لدينا عما سنفعله بعد رفض الرئيس إقرار الموازنة بشكلها الحالى ولكن الخيارات محدودة والتوجه غير واضح".
وكانت حكومة محلب قد أقرت مشروع الموازنة العامة للعام المالى 2014/2015 بنفقات قدرت قيمتها بحوالى 807 مليار جنيه، وعجز يبلغ 288 مليار جنيه، بنسبة 12% من الناتج المحلى الإجمالى، وأحالتها للرئيس المؤقت عدلى منصور فى نهاية مايو قبل إجراء الانتخابات الرئاسية.
وفضل الرئيس منصور عدم اعتماد الموازنة الجديدة وترك مراجعتها من قبل الرئيس المنتخب، وهى الموازنة التى رفض الرئيس السيسى اعتمادها معلنًا ذلك اليوم الثلاثاء فى حفل تخريج دفعة جديدة من طلبة الكلية الحربية، وهو ما أرجعه للزيادة الكبيرة بالموازنة ما يحمل الأجيال القادمة أعباء الدين العام والمتوقع وصوله إلى 2 تريليون جنيه.
وأشار مسئول المالية إلى أنه يمكن التركيز على زيادة الحصيلة الضريبية، ولكن واقع التنفيذ الفعلى يكشف عدم القدرة المؤكدة على تحقيق المستهدف، وهو ما حدث بموازنة العام الماضى ويتوقع أن تشهده أيضًا موازنة العام الجارى الذى ينتهى بنهاية يونيو الحالى.
وأضاف المصدر أن أبواب المصروفات ليس بها مرونة كبيرة فى التحرك، حيث يمكن للحكومة أن تلجأ للإجراء المعتاد فى مثل هذه الحالات وهو تخفيض الاستثمارات العامة، حيث إنه من الصعوبة إجراء تخفيض جديد بمخصصات دعم الطاقة البالغ قيمتها 104 مليارات جنيه فى المسودة الأولى للموازنة، كما أنه يصعب فى الوقت الحالى إجراء خفض أجور العاملين بالدولة والتى تلتهم أكثر من ربع الموازنة بقيمة 209 مليارات جنيه، مقابل 184 مليار بالموازنة المعدلة للعام المالى الحالى، ولكن التوجه ما زال "غير واضح" على حد تأكيد المصدر.
ويرى خبراء أن خيارات الحكومة محدودة فى تخفيض عجز الموازنة، إلا أنها يجب أن تتركز على جانب تعظيم الإيرادات الضريبية، فى ظل صعوبة تخفيض النفقات العامة بالمجالات التى تلتهم أغلب أموال الموازنة.
وقال ممتاز السعيد وزير المالية الأسبق، إن أول الإجراءات العاجلة التى يجب على الحكومة اتخاذها سريعًا هو صدور قرار سيادى بإلغاء الحسابات والصناديق الخاصة، على أن يتم توفير احتياجاتها المستقبلية من خلال الموازنة العامة، وهو ما يوفر شافية الموازنة المعبر عن الدولة.
وأكد عدم معرفته على وجه الدقة بأرصدة هذه الصناديق، إلا أن تصريحات الجهاز المركزى للمحاسبات تدور حول ارتفاعها من أكثر من 40 مليار جنيها إلى 66 مليار جنيه.
وشدد السعيد على ضرورة الإسراع فى اتخاذ إجراءات عاجلة لإصلاح النظام الضريبى تتركز فى اتخاذ إجراءات جدية لتحصيل المتأخرات الضريبية البالغ قيمتها 70 مليار جنيه، وأن تؤول جميع مبيعات أراضى الدولة للخزانة العامة وليس للهيئات مثل هيئة التنمية الصناعية والسياحية وغيرها.
وقال السعيد: "لابد من موازنة معبرة عن الدولة مش كل جهة مستقلة ليها موازنة لوحدها".
كما طالب السعيد باتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة التهرب الضريبى والجمركى قائلًا: "التهرب الضريبى والجمركى زاد عن الحد"، لافتًا إلى أن الجمارك لا تحصل سوى 25% فقط من المبالغ المستحقة واقعيًا، كما أن المهن الحرة تتهرب من دفع ضرائب الدخل ولا تسدد سوى 300 مليون جنيه سنوي، ضاربًا المثل بالأطباء حيث يبلغ متوسط الضريبة التى يدفعها الطبيب سنويًا حوالى 280 جنيهًا فقط، وهو مبلغ هزيل للغاية.
وعلى جانب المصروفات أشار السعيد إلى ضرورة اتخاذ إجراءات تتعلق بتخفيض الدعم قائلًا: "لابد ألا نخجل من تحريك أسعار الطاقة ولو بقروش سواء للمواد البترولية أو الكهرباء".
كما أكد وزير المالية الأسبق أهمية إجراء إعادة هيكلة للأجور الحكومية والتى تبلغ فاتورتها فى الموازنة الجديدة 209 مليارات جنيه دون أن يقابل هذا طاقة إنتاجية مناسبة من العاملين، ووصف السعيد هذه الأجور المتضخمة بأنها "إتاوات على الدولة"، داعيًا لتعديل جداول الأجور بالكامل.
من جانبه قال عمر الشنيطى، رئيس مجموعة مالتيبلز للاستثمارات، إن خيارات الحكومة محدودة جدًا لخفض الموازنة العامة، فإما أن ترفع الإيرادات من خلال الاتجاه للضرائب التصاعدية، وهو ما وصفه بالتوجه الأنسب، أو خفض المصروفات العامة خاصة الدعم ورواتب العاملين بالدولة وهو ما سينتج عنه رد فعل سلبى مجتمعيًا.
وعن احتمال اتجاه الحكومة لخفض الاستثمارات العامة بالموازنة الجديدة، أكد الشنيطى أنها مخفضة بالفعل حيث بلغت قيمتها بمسودة الموازنة 62.2 مليار جنيه، مقابل 95.4 مليار جنيه بالموازنة المعدلة للعام الحالى، محذرًا من مزيد من التخفيض بما يزيد من حالة الركود الاقتصادى.
وأيدت الدكتورة ريم عبد الحليم الباحثة فى شئون العدالة الاقتصادية فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الاتجاه لإصلاح النظام الضريبى وفرض ضرائب تصاعدية، بجانب اتخاذ إجراءات جدية لإصلاح الدعم يتعلق بتحسين قنوات التوزيع ورفع أسعار الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك.
كما طالبت بإعادة هيكلة الأجور العامة وتطبيق الحد الأقصى للأجور، موضحة أنه من الصعب إجراء مزيد من التخفيض على الاستثمارات العامة حتى لا يدخل الاقتصاد فى حالة ركود تضخمى، وإجراء مراجعة شاملة للصناديق التى تحصل على دعم من الموازنة ويصل عددها 13 صندوقًا مثل صندوق دعم الصادرات وتنشيط السياحة وغيرها.
جدير بالذكر أن العام المالى يبدأ أول يوليو وينتهى فى 30 يونيو من كل عام، وينص الدستور على ضرورة انتهاء الحكومة من إعداد مسودة مشروع الموازنة وعرضها على البرلمان فى موعد أقصاه 31 مارس سنويا، على أن تتم مناقشتها وإقرارها تمهيدًا لبدء التنفيذ مع بداية السنة المالية.
ونظرًا لغياب البرلمان فمن المقرر أن يعتمد رئيس الجمهورية مشروع الموازنة من خلال قرار بقانون، وحال عدم انتهاء مناقشتها قبل بداية السنة المالية، فيتم العمل باعتمادات الموازنة السابقة لحين إقرار الموازنة الجديدة.
السيسى يضع الحكومة فى "حسبة برما" برفضه اعتماد الموازنة الجديدة.. الخيارات محدودة والمطالب عاجلة.. وخبراء: الحل فى الإصلاح الضريبى وإعادة هيكلة الأجور والدعم
الثلاثاء، 24 يونيو 2014 05:27 م