جمال الجمل

أيها العلمانيون: لا تقتلوا فرج فودة

الإثنين، 23 يونيو 2014 08:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لا تتورطوا فى إهدار دم الدكتور نصار عبدالله بسبب مقال له بعنوان «أطفال الشوارع.. الحل البرازيلى»
أعود فى هذا المقال إلى الصياد المراوغ، لكنه هذه المرة ابتلع الطُعم بدلا من السمكة، فتحولت لعبة الخداع إلى مأساة حقيقية، حتى إن البعض يتخوف من تورط الإعلام فى قتل فرج فودة جديد، وطعن نجيب محفوظ جديد، فقد تورطت صحف ومواقع كثيرة فى إهدار دم الدكتور نصار عبدالله، بسبب مقال له بعنوان «أطفال الشوارع: الحل البرازيلى»، وادعت هذه المواقع أن الكاتب يطالب بإعدام أطفال الشوارع أسوة بجريمة- ندد بها فى مقاله- تمت فى البرازيل وسط تكتم وصل إلى درجة التواطؤ بين الشرطة والقضاء والمنظمات الحقوقية.
المقال قد يكون بريئا، وقد يكون تحريضيا، حسب طريقة قراءتك له، لكن الأمر الذى لا يمكن تبرئته هو الطريقة التى تعاملت بها وسائل الإعلام، خاصة الإلكترونية مع الموضوع، حيث سارعت إلى إعادة نشر المقال بعناوين من نوع «ننشر المقال الذى طالب فيه «...» بإعدام أطفال الشوارع كالكلاب الضالة»، مع عبارات إدانة وافتراء صريح على كاتب لم يقصد ما نشر على لسانه، ولم يكتب فى مقاله أى تحريض.
ربما يرى المعترضون أن المقال غير موفق فى عنوانه ولا صياغته ولا توقيته، لكنه فى النهاية مجرد مقال، بإمكاننا أن نعترض عليه، ونناقش صاحبه، ونتعرف على مقصده، خاصة أن الكاتب أوضح أنه لم يقصد أبدا تطبيق هذا الحل فى مصر ولا غيرها، بل أكد أن القتل لم يكن هو «الحل البرازيلى»، بل كان الحل فى التنمية الاقتصادية ،وتوفر إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، فهو يقول فى ختام مقاله: «أفلح الحل البرازيلى فى التخلص من أطفال الشوارع، غير أن هذا النجاح لا يعزى إلى القسوة، ولكنه يعزى أولا وقبل كل شىء إلى توافر إرادة الإصلاح لدى القيادة السياسية البرازيلية التى حاربت الفساد بكل قوة، والتى وفرت الملايين من فرص العمل، واستطاعت أن تتحول من اقتصاد موشك على الإفلاس إلى واحد من أهم قوى الاقتصاد العالمى، وهذا هو الدرس».
أى أن الحل لم يكن فى القتل، بل فى الإصلاح والتنمية، وفرص العمل.
أين المشكلة إذن؟
أظنها خارج المقال، صحيح أن المقال يعطى فرصة للالتباس، وكثرة التأويل، و«التلقيح على حالنا»، لكن هذا لا يعطى الحق لعبد ربه السماك أن يطلق الرصاص على فرج فودة، مع أنه لا يعرفه ولم يقرأ له كلمة، بل سمع أنه يبيح الزنا، ويهاجم الإسلام، وهكذا فعل طاعن نجيب محفوظ الذى اعتبر أن «أولاد حارتنا» رواية كافرة من دون أن يقرأها.. لقد كان قتلة فودة، وطاعن محفوظ أميين، حاربوا الكتابة تنفيذا لفتاوى شيوخ القتل، أما الآن، فقد انتشرت العدوى وصار المتعلمون يمارسون نفس الدور، حتى أن عددا من القراء تطوعوا بنشر عنوان الدكتور نصار، وقال أحدهم تعليقا على أحد المواقع التى كانت تهاجم المقال: «انتو كده بتسلموه تسليم أهالى لأولاد الشوارع، أو لأى حد عاوز يتخلص منه»!
وقال آخر: «قلتلى عنوانه فين؟.. قوم نادى ع الصعيدى وأنا هآجى مع السوهاجى ونخلص عليه».
لماذا كل هذا؟
سألت نفسى هذا السؤال، فلم أجد إجابة مقنعة، فالمقال نشر بتوسع فى العام الماضى، ونشرته صحيفة «الفجر» فى نوفمبر الفائت، وموقع مركز الدراسات العلمانية، ولفت نظر زميلنا شاعر العامية محمد الصفتى، وناقشه بهدوء مع أصدقائه فى «فيس بوك»، وقال الصفتى على صفحته: «بالطبع لا يشير د. نصار لما يفيد إقراره لهذا الحل، بل وصفه بالبشاعة..»، وطلب الصفتى من أصدقائه قراءة المقال والتعليق عليه، فقالت هبة فايز: «مش عارفة أفهم.. أو يمكن عينى مزغللة، إزاى يتخلصوا من أطفال الشوارع بإعدامهم!.. ملّتهم إيه بالظبط دول؟.. عموما إحنا ممكن نعمل تعديل ونعدم المحللين والمنظرين والداعين للعنف، وأصحاب الحلول البلهاء والمقارنات العقيمة، ونخلى أطفال الشوارع ونرعاهم ونوفر لهم حياة آدمية»،
ورد الصفتى: أنا حاسس يا هبة إنه بيعمل إسقاط على حاجة تانية!
هبة: يكونش بيتكلم ع المظاهرات؟
الصفتى: وممكن يبقى بيتكلم عن فكرة الإبادة بصفة عامة، وتقبل المجتمع لها فى سبيل هدف أبعد!
هبة: يا ترى عاوز يبيد مين!
الصفتى: المقال بالنسبة لى كارثى ومبهم! لأن الدكتور نصار مؤلف كتاب «دراسات فى فلسفة الأخلاق والسياسة والقانون»، وأنا طول عمرى باعتبره قيمة باحترمها، مش فاهم بس المقال الصادم ده غرضه إيه؟
هبة: يمكن الكلام اتكتب بصورة مختلفة عن اللى هو كان عاوز يوصله للناس.
محمد كمال: الناس عملوا أكتر من كده، لو شفت أسبرطة مثلا كانوا بيرموا الأطفال المرضى على الجبل عشان يبقى المجتمع كله سليم وقوى.
وعلى مواقع أخرى تصاعدت حدة التعليقات إلى شتائم بلا حدود، وسخرية فى كل اتجاه، وتراشقات لفظية بذيئة بين المعلقين، ومن خارج مصر كانت التعليقات أكثر هدوءا وتعقلا، حيث قال منير صالح من لندن: «المقال لا يمثل وجهة نظر الأستاذ نصار، وكل العجب لمن يعلق ولا يكلف نفسه عناء الفهم». ومن المغرب كتب عثمان السليمانى: «أعتقد أن الدكتور فقط حلل وضعية ولم يطالب بالقتل، وجميعنا ندرك أنه من الاستحالة تنفيذ هذا فى دولة مثل مصر». وقال سامر: «اللى حصل فى رابعة وضع مشابه، لكن المزاج العام سكت كما فى قتل الولاد بالبرازيل».
ومن مصر رد حسام: «اللى حدث فى رابعة كان ضرورى لقتل شوية إرهابيين، ومحوهم، وتحويل رُفاتهم إلى أشياء مفيدة للتربة».
ورد محمد: «إيه يا عم إنت بترش بيرسول على شوية صراصير! وللا شوفت رئيسك بيقتل كل يوم أبرياء قولت يلا بالمرة بقى ياخد أطفال الشوارع فى سكته؟!».
هكذا تطرقت المناقشات والشتائم لكل شىء، ونالت من كل محظور، وضربت فى كل اتجاه، وغالبا ستهدأ هذه الضجة بعد أيام، لكن هذا الغضب سيبقى، وهذه الطريقة فى الفهم والتأويل والتعبير ستبقى، ليستمر الخطر قائما يهدد تماسكنا، ويأكل احترامنا المتبادل، بل ويجعل من أبوالعلا عبد ربه وصيا فى الأخلاق والدين على فرج فودة، ونجيب محفوظ، ونصار عبدالله، وحضرتك، وحضرتها، وحضرتى، ولا عزاء لمشعلى الحرائق.
أقوى مخدر تتعاطاه البشرية هو الكلام
«كيبلنج»





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

Pelly

الجهل

الجهل سيد المواقف فى مصر من سنين للأسف

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة