د.كرم علام يكتب: سر ابتسامة الموناليزا

الأحد، 22 يونيو 2014 07:59 م
د.كرم علام يكتب: سر ابتسامة الموناليزا لوحة الموناليزا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الموناليزا تجلس أمام ليوناردو دافنشى يوميًا لمدة عام كى يرسم لها صورة.. وفى نهاية العام قال لها دافنشى: "الآن يمكنك ألا تأتى مرة أخرى" فسألته "هل انتهيت؟" فأجابها: "الآن فقط سأبدأ"!! وبدأ فى رسم لوحته الخالدة.

هناك أسئلة كثيرة عن سر الابتسامة الساحرة للموناليزا، ولماذا هى أكثر من حقيقية؟ ولماذا عجز الجميع عن رسم ابتسامة كما رسمها دافنشى؟

والحقيقة أن كل ما رسمه دافنشى يتميز بالإعجاز والصدق والدقة المتناهية التى لا يضاهيه فيها أحد.. والمتابع لتاريخ ليوناردو دافنشى سيدرك على الفور السر فى ذلك أو بعضًا من السر.
ذلك أن ليوناردو بجانب موهبته المعجزة كان يتميز بصفة خاصة أخرى، تلك هى التأنى الشديد والتأمل العميق والدراسة المستفيضة قبل الإقدام على رسم أى من لوحاته التى يعطيها من وقت الإعداد ما تستحق.

وقد قيل أنه رسم الموناليزا فى تسع سنوات وفى هذا أكبر دليل على ذلك، وروى التاريخ أيضًا أنه حين تم تكليفه برسم لوحة العشاء الأخير للسيد المسيح كان يقضى أسابيع وشهور طوال لا يرسم بل لا يفعل شيئًا سوى التأمل والتفكير، حتى أن رهبان الدير الذى رسمت اللوحة على جدار غرفة الطعام الخاصة به كانوا يشكون من تكاسله وعدم قيامه بالرسم الذى كلف به.

لكن الحقيقة أنه لم يكن متكاسلًا، بل على العكس، فكل من درس حياته يدرك جيدًا اهتمامه بكل شىء له علاقة بعمله فقد برع على سبيل المثال فى التشريح براعة منقطعة النظير وذلك لإدراكه الرابط القوى بين التشريح والرسم.. فليوناردو دافنشى كان يدرك جيدًا أهمية الإعداد الجيد لكل عمل وأنه هو الطريق الوحيد لنجاح ذلك العمل وإخراجه فى أفضل صورة.. ومن هنا كانت ابتسامة الموناليزا المعجزة والنجاح المبهر لكل ما رسم حتى تخطيطاته الأولية.

وهو ما يقودنا إلى القاعدة العامة "إن العمل الناجح يحتاج إلى إعداد وتخطيط وتنظيم جيد".. فحتى تكون طبيبًا جيدًا ينبغى أن تدرس الطب بإتقان وحتى تكون مهندسًا جيدًا ينبغى أن تفهم وتتقن أصول الهندسة وقواعدها العلمية، وكذلك الأديب والفنان والحرفى ورجل الأعمال والفلاح وكل مهنة لن يتم النجاح والتميز فيها إلا بإعداد وتنظيم جيد.

وبقدر ما يكون إعدادك للعمل بصورة جيدة بقدر ما تكون الثمرة التى تجنيها منه، فلا يمكن أن تنجز مشروعًا ناجحًا دون دراسة جدوى.. لكن الكارثة الحقيقية أن شعوبنا استغنت عن الإتقان فى كل شىء واعتمدت بشكل أساسى على الشطارة والفهلوة ونظام سد الخانة.

دعك من المذاكرة الجيدة ويكفى أن تأتى فى آخر العام وتذاكر أسئلة الامتحانات السابقة و"تنشن" على بعض الأسئلة الأخرى لتنجح فى الامتحان.. لا يهم أن كنت تتقن التخصص الذى ستحصل على شهادتك فيه أم لا، كل ما يعنيك هو الحصول على الشهادة.

فى مهن كالنجارة أو النقاشة أو البناء أو أى مهنة أخرى أيًا كانت يرى التيار الأوسع من الناس الآن أنه لا يهم أن تتقن العمل، المهم أن تفعل ما ينجيك من عين الرقيب، وما ينطلى على "الزبون".

تلك هى كارثتنا الحقيقية شعبًا وحكومات، أن كل شىء فى حياتنا يمضى بدون تخطيط أو دراسة جدوى.. فليس غريبًا إذن أن يكون ترتيبنا فى أواخر دول العالم من حيث كفاءة العمل فى كل تقييم سنوى.

متى ندرك مسئولياتنا الأخلاقية التى تستلزم منا "الإحسان" فى العمل.. أن ندرك أن عين الرقيب لا تنام.. وأن عملك الذى بين يديك أمانة أنت مطالب بأدائها على أفضل صورة.
أنا على يقين أن بداية طريق النجاح سوف تنبع من تلك النقطة.. أن يجعل كل منا من داخله رقيب على عمله، لا ينام ولا تغفل عينه حتى ولو غفلت عين الرقيب الخارجى.. حينها فقط سنصبح شعوبا وأفرادًا جديرين بالاحترام والتقدير من أنفسنا ومن العالم بأسره.

هل نبدأ من الآن؟.. هل ينظر كل منا إلى ما بين يديه من عمل.. من الطالب إلى العالم.. من العامل إلى المسئول.. من الحرفى إلى الطبيب والمهندس.. كل صاحب عمل مؤتمن على أدائه فى أفضل صورة.. ترى هل سيسأل كل منا نفسه عن كيفية تحقيق الإتقان فى عمله ويبدأ من اللحظة؟ أتمنى ذلك.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة