لقد فكرت كثيرًا فى الكتابة عن العمارة، وذلك لأهمية الفن المعمارى في تقدم أذواق الشعوب والأمم , و نحن الآن في أمس الحاجة إلى كتابات متخصصة بعيدة عن السياسة والدين، وأقدم لكم تجربتى الأولى، وأتمنى أن تلقى قبولا لدى القراء.
أبدأ هذه المقالة بالحديث عن ما أطلقت عليه عمارة المهرجانات, والتسمية مأخوذة من أغانى المهرجانات الشعبية والتى انتشرت في الآونة الأخيرة في مصر، ولاقت قبولا واسعًا في كثير من البلدان العربية، نظرًا لتسليط الأضواء عليها من قبل الإعلام المصرى بشكل كبير, وما أسعى إليه فى هذا المقال هو وضع مفهوم لما أطلقت عليه "عمارة المهرجانات" .
هل هي عمارة العشوائيات (المساكن الشعبية) أم هى الفجوة غير الخلاقة فى تصميماتنا العربية, بمعنى آخر هل ترتبط بالفقراء أم ترتبط بالأغنياء؟ و قبل أن أجيب عن هذا التساؤل دعونى أولا أن أتحدث في عجالة عن أنواع أغانى المهرجانات .
على حسب معرفتي بأغاني المهرجانات فإنها متشابهة الألحان والاختلاف، إنما يكون فى الكلمات و الإيحاءات, وسأقوم بتقسيمها إلى نوعين هما: أغانى مهرجانات تستخدم الإيحاءات الجنسية وتمثيل العنف بشكل صريح جدا و على رأس هذا النوع أغانى فيجو(موزع) و سادات(مغنى), والنوع الثاني هى أغانى مهرجانات تستخدم الإيحاءات الجنسية وتمثيل العنف بشكل متوارٍ وعلى رأسها أغانى أوكا(موزع) وأورتيجا(مغني) وفى رأيى فالنوع الثانى أخطرهم، لأنه يوضع تحت الأضواء والإعلام وأصبح مغنوه نجومًا.
و بالمقارنة فإنه يمكننا تقسيم عمارة المهرجانات إلى نوعين: الأول وهو عمارة العشوائيات التى تستخدم المواد الأولية مثل الطوب الأحمر والخرسانة المكشوفة، وأحيانًا تستخدم الخشب وألواح الصفيح فى الحوائط والأسقف وذلك في المناطق الأكثر فقرًا, وبالتالى فهي عمارة تعبر عن الفقر والجهل والمعاناة بشكل صريح، ولكنها متوارية بعيدا عن أعين الناس مثل النوع الأول من الأغاني الشعبية، وعلى الرغم من ذلك أرى فيها قليلا من الجمال المعمارى، على الرغم من عدم تكلفها ووحدتها اللونية النابعة من اللون الأحمر للطوب والبنى للأرض الترابية، وأحيانًا اللون الأخضر فى الأراضى الزراعية المحيطة بالأراضى المجرفة.
أما النوع الثانى منها وأنا فى رأيى لا يرتبط بفقر مادى وإنما بفقر فنى رهيب منتشر فى مدننا المصرية، وللأسف على الشوارع الرئيسية وليس في الحارات الداخلية، وقد وصل هذا الفقر الفنى إلى التجمعات السكنية الجديدة ذات المستوى المادى والثقافى المرتفع وأقف دائمًا متألمًا أمام هذا التلوث البصرى من تصميمات كلاسيكية شوهت النسب الأصلية للطرز ولقوالب ايطالية وإنجليزية وغيرها من عصور مختلفة ممتزجة على واجهة واحدة, أما التصميمات الحديثة فحدث ولا حرج والتى لا تخرج عن البناء على الصامت لاستغلال المساحة لدرجة قتل الإضاءة والتهوية الطبيعيين ثم إضافة بروزات مستطيلة القطاع على الوجهات بأشكال وألوان مختلفة، ولقد أطلقت عليها اسم ثعبان الواجهة، والتى أعتقد مستوحاة من لعبة الثعبان والتفاحة، وهذه هي الغالبية العظمى من تصميمات الفيلات و المبانى السكنية والإدارية الحديثة.
و بالمثل أجد النوع الثانى من عمارة المهرجانات هو الأخطر لأنه المسئول عن تكوين وجدان الشارع و إحساسه بالجمال واللون سواء كان المتلقى جاهلا أو على درجة عالية من الثقافة, إننا كمتخصصين فى فن العمارة، نجد أن أفراد أسرتنا و أصدقائنا المثقفين معجبون بمبان غاية فى الفقر الفنى و أعتقد أن معظمنا تعرض لهذا الموقف مع أقرب الأقربين إليه، وبالتالى علينا أن ننقذ الشارع المصرى والعربى ويجب أن نبدأ بأنفسنا بالعلم وتنمية الموهبة والإحساس بالجمال ولا ننصاع لتحكم العميل غير المثقف معماريًا في المنتج النهائى وهو الأصعب.
و أخيرا أحب أن أنهى مقالتي بهذه الفكرة, لقد آمنت فى حياتى العملية، أن العمارة ما هى إلا نتاج فلسفة معينة سادت في المجتمع فتتحول بدورها إلى فن ومنها إلى عمارة, كما فكرت كثيرًا في تصميم طراز معماري أطلق عليه طراز المهرجانات، وأن أحول هذا المعنى بداخلى من السيئ إلى الجيد.
وها نحن و للأسف بمجتمعاتنا العربية مليئة بالفقر والجهل، والذى خرج منه نوع من الأغانى الشعبية الناجحة وهى "المهرجانات"و أعتقد أنها الابتكار الوحيد الذى نسب للمصريين فى العقد الأخير, فيا معشر المعماريين ألا تستغلوا هذا و تبتكروا شيئًا جديدًا, أعرف جيدا أنها فكرة غريبة على الكثير منكم ولكنى أؤمن أن العالمية لن تأتى إلا بالمحلية.
مهرجان فنى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة