يتنازع سلطان الثقافة الأجنبية فى مصر "إنجلترا وفرنسا وأمريكا"، التى غزت كل مراحل التعليم بأنواعها الابتدائية والثانوية والعالية، ومن الأخيرة الجامعة الأمريكية وإن كان اللون الغالب مقصورًا على المرحلتين الأولى والمتوسطة.
ولعل الدافع الأصيل لإقامة هذه المدارس هو نشر الثقافات الأجنبية والدعوة لها من أنها هى الثقافة وما عداها فظل لها أو قبس من نورها أو عالة عليها!
وقد تكون وجهة النظر فى ذلك أن الحكومات الأجنبية ترى من المصلحة لثقافتها ونفوذها أن تستقدم الطلاب إلى بلادها ليتعلموا التعليم العالى حتى يشربوا بعاداتها وتقاليدها وثقافتها، بعد أن تكون قد نفذت إلى أغوار نفوسهم فى المرحلة الأولى.
وقد درجت المدارس الأجنبية على سنن التدريس بلغاتها فى إغفال للقومية الشرقية والثقافة العربية؛ فالمعاهد الفرنسية تفرض المنهاج الفرنسى الكامل على الطلاب فإذا هم يجهلون كل الجهل وطنهم ثقافتهم وماضيهم مقابل ذلك إلمام تام بالأمة الفرنسية عاداتها ووطنها وكتابها وعظمائها.
وأظن أن هذا تحدٍ للشعور القومى كان الأحرى بالقائمين على الشئون الثقافية أن يحدوا منه، وأن يذكروا هذه المعاهد بالوفاء للبلاد التى أفسحت لها صدرها وهيأت لها مكانًا بينها وأعانتها على الإقامة ورعتها رعاية شاملة.
كان الأحرى بهم أن يفعلوا ذلك، ولكنهم تراخوا فيه حتى عهد قريب، ولعل السبب راجع إلى ضعف الرأى العام من ناحية وإيمان بعض المفتونين بالثقافة الغربية من ناحية والضغط الأجنبى من ناحية ثالثة.
وإن كنت قد رأيت أخيرًا أننا بدأنا نتنبه إلى هذه الخطورة ففرضنا نوعًا من الرقابة على هذه المدارس وألزمناها بتدريس اللغة القومية والدين والتاريخ والجغرافيا للطلاب المصريين المنتظمين فى الدراسات فيها.
ومع هذا فلم تتقدم العناية بالناحية القومية تقدمًا يذكر لعدم إيمان مديرى هذه المدارس بالشعور الوطنى أو تجاهلهم له فلا يزالون سادرين فى تراخيهم وإن استجابوا فاستجابة شكلية. وإذن فما موقفنا من هذه المدارس والمعاهد التى لا ترعى حرمة للوطن ولا رعاية للشرق ولا أمانة للعلم ولا إخلاصاً للمعرفة أيا كان منبعها ومصدرها؟ .
إنى أرى موجة من الضيق بأكثر هذه المعاهد لأنها تؤثر على أجيال وتوجه أبناء سيكونون رجال المستقبل القريب، وويل للوطن الذى يسعى للتحرر من أن يقوده أمثال هؤلاء الأبناء.
إن الخيط الذى يربطنا بأمثال هذه المعاهد خيط واحد وعما قريب سينقطع إذا ظلت على خطتها؛ هذا الخيط هو تعطش هذا الوطن إلى التعلم وضيق الأماكن فى المدارس الحكومية أو الأهلية القومية فإذا سارت الدولة فى الطريق المرسوم لها بالقضاء على أمية الصغار فى القريب العاجل تحررت من هذا النير، واستطاعت أن تقطع هذا الخيط وأن تغلق هذا الباب إلا إذا استجابت هذه المعاهد إلى قوة الوعى، وغيرت من خطتها نحو الثقافة العربية. وهناك بعض المدارس الأجنبية التى أدت لنا مع تعصبها خدمات لا تنكر إذ تخرج فيها من تغلبت شخصيتهم القومية على وسائل إغرائها ففاضوا على البلاد تقدماً ودفعوا بعجلتها إلى الأمام. وقد حافظت هذه المعاهد على مثلها العليا فى التربية والتعليم فاختارت عناصرها من أكرم العناصر. وحافظت كذلك على مستواها العلمى من أن يهبط أو يتحدر وظاهرتها دولها بشتى أنواع المساعدات المالية والفنية. ومما يذكر لهذه المعاهد توجيه عنايتها إلى الناحية الخلقية والاهتمام بها كل الاهتمام فأكثر متخرجيها مثال للنشاط والمثابرة والحرص على الوقت والانتفاع به إلى أبعد الحدود.
ولعل المعاهد الأجنبية تحسن صنعًا لو قصرت نشاطها فى المستقبل القريب عندما تخف وطأة التزاحم على أبوابها على أن تكون مراكز للثقافات الأجنبية فى الشرق العربى فتمكن الطلاب من التطلع فى اللغة الأجنبية باستقدام كبار المحاضرين والأساتذة لينقلوا إلينا آخر ما وصل إليه العلم الحديث والفن الرفيع وتهيئ للطلاب المراجع والمصادر النفيسة التى لا غنى لهم عنها. بهذا الوضع يمكن أن تكون هذه المعاهد منافذ للثقافات الأجنبية فى الشرق العربى، وأن تكون لقاحاً للثقافة العربية الحديثة حتى تسير جنبًا إلى جنب والثقافات العالمية الأخرى فى ركب الحضارة الإنسانية.
فوزى فهمى غنيم يكتب: المفتونون بالثقافة الغربية
الجمعة، 20 يونيو 2014 12:00 ص
الجامعة الأمريكية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة