بعد 7 سنوات على ذكرى وفاتها.. "بدور" رحلت وعاد الختان إلى المنيا.. صدمة المجتمع لوفاة الطفلة تلاشت مع مراسم تشييع الجنازة.. الأطباء ينفذون العمليات فى عياداتهم علنًا.. ووزارة الصحة تتقاعس عن الرقابة

الإثنين، 16 يونيو 2014 06:29 م
بعد 7 سنوات على ذكرى وفاتها.. "بدور" رحلت وعاد الختان إلى المنيا.. صدمة المجتمع لوفاة الطفلة تلاشت مع مراسم تشييع الجنازة.. الأطباء ينفذون العمليات فى عياداتهم علنًا.. ووزارة الصحة تتقاعس عن الرقابة صورة أرشيفية
كتبت آية نبيل وتريزة سمير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ 7 سنوات قامت الدنيا ولم تهدأ عقب وفاة الطفلة "بدور أحمد شاكر" ذات الـ12 عامًا، يومها صباحا كانت تحتفل بحصولها على أعلى الدرجات فى شهادتها الابتدائية، قبل أن تلتفت الأسرة إلى تقدم عمر الطفلة، وضرورة إجرائها لعملية الختان المعروفة فى الأوساط الاجتماعية بـ"الطهارة".

ومع والدتها وخالتها وإحدى الجارات، خطت "بدور" آخر خطواتها تجاه العيادة لانتظار دورها فى إجراء العملية، لم يسعفها الوقت كثير، فما هى إلا دقائق بعد حصولها على المخدر وبدأ جسم الطفلة ينتفض ويفارق الحياة، وفقًا لتقرير الطبيب الشرعى الذى أوضح أن جرعة المخدر كانت أكبر من أن يتحمله جسد الطفلة الهزيل ما أدى إلى الوفاة.

واليوم وبعد مرور 7 أعوام على رحيل "بدور" فى عام 2007، لم يبق من ذكراها فى محافظة المنيا سوى فعاليات تقيمها الأوساط الحقوقية لإحياء اليوم القومى لمناهضة تشويه الأعضاء التناسلية "ختان الإناث"، وهو أحد الإجراءات التى اتخذتها الحكومة المصرية فى ذلك الوقت كرد فعل على وفاتها، الأمر الذى يختلف على صعيد الشارع المنياوى، فتقريبًا لم يعد يتذكر أحد قصة وفاة "بدور"، وعادت العيادات الطبية من جديد لتشويه الفتيات، فلم تعد تلك العمليات تجرى فى الخفاء، بل تجرى فى العلن، وبدأ ذلك تحديدًا عقب ثورة 25 يناير، فى ظل الاختفاء التام لدور الجهات الرقابية والعقابية التى تفرضها وزارة الصحة، وإهمال الجهات الأمنية لقضية الختان والتعامل معها وكأنها "صف تانى"، فضلاً عن ازدياد نشاط مؤيدى اجراء عملية الختان فى العودة للترويج لوجوبه وربطه بالدين والعفة.


ماذا يحدث فى المنيا
بعد وفاة "بدور" بعام واحد كان مجلس الشعب يتناول فى جلساته مواد تجريم عملية الختان، حيث أقرها فى إضافة المادة رقم 240 فى قانون العقوبات للحكم بالحبس والغرامة على المشترك فى تشويه الأعضاء التناسلية للفتاة، حيث كانت أصداء الوفاة واضحة على كل الجهات الرسمية للدولة التى حاولت أن تحسن من صورتها فى إهمال الرقابة على العيادات الطبية بأن تتخذ كل الإجراءات الممكنة التى تظهر أنها تحاول مكافحة الظاهرة.

وكان لوقوع الحادث فى مغاغة، أكبر مراكز المنيا، أثر كبير فى تلك الضجة، فهو أكثر المراكز تعليمًا، وساعد وجود النخبة المثقفة فيه على تداول القضية، إلا أن ما لم تدركه الدولة، أن هذا الأثر لم يمتد إلى باقى مراكز المنيا وخصوصًا القرى، والتى يزداد فيها معدل الفقر، سوى بنبأ وفاة طفلة أثناء إجراء عمليات الختان.

بعضهم اعتبر الأمر قدر الطفلة، وآخرون أدركوا خطورة العملية بالفعل لكنهم لم يقتنعوا بأنها غير واجبة، أما الأطباء فلم يتأثروا، بل إن الطبيب أصبح بمثابة البطل فى عيون الأسرة التى تراه يضحى بمستقبله فى سبيل العفة والدين.

يقول "خالد.م"، أحد المواطنين فى مركز مغاغة: "ختان الإناث يحفظ للبنت عفتها، أنا مقتنع إن هناك انحدارًا أخلاقيًا فى المجتمع المصرى وارتفع معدل التحرش والدعارة وأرى أن ختان الأناث مهم للحفاظ على البنت"، واختتم: "لولا ختان الإناث كنا نشوف كل بنت مع ولد يمارسان الجنس والإعلام اللى بيتكلم عن تجريم الختان هدفه الشو بس".

أحمد الحمبولى، الناشط الحقوقى، أوضح أن المجتمع المنياوى بالفعل قد تأثر بالهجوم على ظاهرة الختان وآثارها السلبية على الفتيات، ولفترة ما بدأت مبادرات للإقناع بعدم وجوب الختان وعدم ارتباطه بالدين أو العفة كما كان يروج له، لكن، على حد قول الحمبولى، عقب مرور الوقت على وفاة بدور وانخفاض الاهتمام الحكومى، عادت القوى الداعية لوجوب الختان من جديد فى نشاطها بين الناس، مضيفًا: "كان فى الخفاء قبل الثورة وعلى استحياء، لكن بعد الثورة انتشر كثيرًا، خصوصًا من رجال الدين، والكل نسى قصة بدور وعادت العيادات لعملها مجددًا، والكل يؤكد أنه طالما أن الأطباء يجرون العملية فهى ليست خطيرة طبيًا".

"الحمبولى" عمل على مشروع يكافح الختان لمدة 6 أشهر، اكتفى فيه بعقد ورش وندوات توعوية، بينما رفضت وزارة التربية والتعليم أن يقوم بحملة توعية داخل مدارس المنيا، موضحًا أن رفض المشروع جاء خلال الحكم العسكرى وحكم مرسى وبعد 30 يونيو أيضًا.

وأوضح "الحمبولى" أن عدم قيام وزارة الصحة بالرقابة على العيادات الخاصة والمراكز الطبية هى السبب الأول فى استمرار الظاهرة التى لم يعد للداية فيها دور واضح، مشيرًا إلى أن بلاغ الأفراد عن العيادات غير مجدٍ لأن تحرك قوات الأمن إذا لم يثبت الواقعة، يصبح صاحب البلاغ هو المتهم فى سب وقذف الطبيب وبالتالى أغلب الواعين بخطورة الظاهرة يعتمدون على أن تقوم بذلك وزارة الصحة نفسها.

وتذكر دراسة حول العنف ضد الأطفال والنساء فى مصر أن نسبة ختان الإناث ترتفع فى الأرياف المصرية لتصل إلى 98%، وفى القاهرة وحدها تصل إلى 30% بين الطبقات العليا، و98% بين الطبقات الأكثر فقرًا.

مفيش خطة
منظمة "اليونيسيف" فى فبراير الماضى، وفى اليوم العالمى لمكافحة ختان الإناث، أصدرت تقريرًا حول معدلات الظاهرة فى دول العالم المختلفة، تصدرت فيه مصر الدول الأفريقية المستمرة فى إجراء عمليات الختان، بمعدل ممارسات تتراوح 75 وتصل 95%، وأشارت اليونيسيف إلى أن 54% من النساء و57% من الرجال المصريين فى الفئة العمرية من النساء المصريات المتزوجات بين 15 إلى 49 سنة يعتقدن أن الختان يمنع الزنى، وكانت النتيجة الأكثر إثارة ما أعلنته عن أن 91% من نساء المدن بين 15 – 49 عامًا تم ختانهن، وأن أكثر من نصفهن بين 15 – 49 أجريت لهن تلك العملية فى المرحلة العمرية بين 7 – 10 سنوات.

النسبة التى أعلنتها اليونيسيف مؤخرًا تثير العديد من علامات الاستفهام حول دور الدولة طوال السبع سنوات فى مواجهة هذه الظاهرة، حيث إنها تقترب من النسبة التى أعلنها آخر مسح ديموجرافى وصحى فى مصر عام 2008 والذى أعلن عن أن معدل انتشار ختان الإناث يصل إلى 91,1٪ بين النساء اللواتى تتراوح أعمارهن بين 15-49 سنة؛ 72% من هذه الحالات تمت على يد أطباء.
فالدولة لم تقم سوى بإستصدار القرارات التى تجرم الظاهرة، أو تمنع الأطباء من ممارستها وتعاقبهم، بداية من العام 1996 الذى شهد إصدار قرار عن «الصحة» برقم «361» يمنع الأطباء من ممارسة الختان فى المستشفيات العامة، والذى أيدته المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة فى ديسمبر 1997، وحتى عام 2007 حيث أصدرت وزارة الصحة المصرية مرسومًا وزاريًا (271)، ليسد الثغرة القانونية الموجودة بالمرسوم السابق الصادر عام 1996 – ليحظر الجميع، بما فى ذلك الكوادر الطبية، من إجراء عمليات ختان الإناث، فى المستشفيات والعيادات الحكومية وغير الحكومية، على حدٍ سواء.

كما قامت مؤسسات الدولة الدينية ممثلة فى دار الإفتاء والمجلس الأعلى لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، بإدانة ختان الإناث، واعتباره عملية لا أساس لها فى جوهر الشريعة الإسلامية أو أى من أحكامه الجزئية.

كل ذلك كان مجرد قرارات دون أن يكون لها علاقة على أرض الواقع، حيث فى المقابل لم يكن هناك أى آليات لا لتطبيق العقوبات على الأطباء المخالفين أو رصد "الدايات" التى تقوم بذلك فى القرى، وفى المنيا، فرغم اتساع الظاهرة، لم يتم تقديم أى طبيب آخر غير الطبيبة المتهمة فى مقتل "بدور" إلى المحاكمة، بل لم يتم تشميع أى عيادة تجرى هذه العمليات، رغم أن القانون ينص على تشديد العقوبة حال إذا كانت لديه النية المسبقة للقيام بالختان.

أحد أئمة المساجد بالمنيا، رفض ذكر أسمه، قال إن ختان الإناث جائز شرعًا ولابد أن يكون بشكل غير مبالغ فيه حتى لا يحدث برود جنسى للمرأة أو شذوذ، وأكد أنه ينتظر اجتماع يعقده بيت العائلة المصرية لحسم هذا الجدل فى تلك القضية.

كان هذا بالطبع مختلفًا تمامًا عما تعلنه كل الجهات الرسمية بالدولة مثلما قالته مشيرة خطاب، الأمين العام للمجلس القومى للأمومة والطفولة، فى 2008، أن المجلس نجح فى تنفيذ برنامج قومى لمناهضة ختان الإناث من خلال الحملة الشعبية التى قام بها المواطنون فى القرى والنجوع، وأن خط نجدة الطفل 16000 كشفت أن المجتمع يرفض الختان.

قرية خالية من الختان
تعتبر قرية دير البرشا بالمحافظة، أول قرية مصرية تعلن وثيقة للتخلى عن عادة ختان الإناث وذلك عام 1990 بجهود الهيئة القبطية الإنجيلية والقس أنطونيوس بشرى، وقرار سعدية عبد السيد، تعمل فى ختان الإناث، بالتوقف عن إجراء العملية.

وتقول "سعدية": "كنت أقوم بختان الإناث، وبعدما علمت بمخاطره النفسية والصحية على الفتيات قررت عدم إجراء أى ختان لأى أنثى "، وتضيف: "أنا رميت العدة اللى كنت بطاهر بيها البنات فى النيل.. وقولت روح يا شر.. ومن ساعتها أى حد ييجى علشان أطاهر بنته أقوله دا غلط وعيب وبيأثر على البنت نفسيًا وجسديًا".

وأوضحت "سعدية" أنها وقعت على وثيقة منع ختان الإناث بقرية دير البرشا وأصبحت القرية من أولى القرى التى تخلصت من تلك العادة السيئة.

وقال القس "أنطونيوس" رئيس جمعية أمل المستقبل لخدمة المجتمع أن توقيع القرية على وثيقة ختان الإناث كان مهمًا لدعم مشاعر بنات القرية، مؤكدًا أن ختان الإناث اختفى تمامًا من القرية، حيث قمنا بعمل اجتماعات وزيارات لأهالى قرية دير البرشا لتوعيتهم بخطورة العادات السيئة ومنها الزواج المبكر وختان الإناث.

وعن مدى انتشار ظاهرة الختان فى المنيا يقول: "بعد انخفاض نسبة ختان الإناث فى المنيا جاءوا الإخوان المسلمين وجددوا الظاهرة.

منى عمر، رئيس المجلس القومى للمرأة بالمنيا، قالت إن الظاهرة عادت من جديد بعد الثورة، وأن الوضع بعد 30 يونيو ازداد سوءًا لأن أولويات الدولة أصبحت مركزة على السياسة، فوفقًا لها فى الفترة الأخيرة كان أولويات المجلس انتخابات الرئاسة، مضيفة: "ودلوقتى طالبونى للتركيز على الانتخابات البرلمانية".

وأوضحت "منى" أن المجلس لا يضم سوى 18 عضوًا فقط، غير متفرغين، وغير قادرين على مراقبة كل العيادات الطبية والقرى لرصد الانتهاكات، مشيرة إلى أن ذلك دور وزارة الصحة، وأن المركز يقوم بالإبلاغ بأى شكوى تصل إليه، وقالت: "يجب أيضًا أن تتعاون الجهات الأمنية معنا".

اتفاقيات

مصر طرف فى عدد من المعاهدات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التى توجب حماية النساء والفتيات من ممارسة الختان، بما فى ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والميثاق الأفريقى لحقوق الطفل، والميثاق الأفريقى لحقوق الإنسان والشعوب، وقد حثت كل من اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة ولجنة حقوق الطفل مصر على وضع حد للإفلات من العقاب بالنسبة لمرتكبى ختان الإناث








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة