رانيا حجازى تكتب: ظاهرة التحرش بعيون امرأة مصرية بالخارج
الخميس، 12 يونيو 2014 04:08 م
صورة ارشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أستمع منذ عامين لزميلتى الفرنسية، وهى تحكى لى تفاصيل فيلم تسجيلى شاهدته فى برنامج مراسل خاص وهو برنامج ينقل قضايا حساسة واقعية على شاشة القناة الفرنسية الثانية، وله جمهور عريض فى فرنسا وخارجها أيضًا، ونقلت أحداث الفيلم المفجع مشاهد حقيقية للتحرش الجماعى بمصر.
كانت تحاول ألا تحرجنى بكلمة تسيء لى كمصرية موضحة إدانتها الشديدة لهذه الأفعال اللا إنسانية مؤكدة حبها لمصر وإعجابها بحضارتها الفرعونية فى محاولة منها لإخفاء خوفها من زيارتها التى تتوق إليها، فى الوقت الذى انتابتنى فيه حالة دفاع مستميتة وإصرار على أنها حوادث فردية، وأن الإعلام كعادته يضخم الأمور ومصر بخير.
ويمكن لأى سائحة أوروبية أن تزورها بلا خوف وأننى أتجول فى شوارع بلدى بمنتهى الحرية ورجال مصر يمتلكون الكثير من النخوة ليدافعوا عن أية امرأة تتعرض لأى نوع من أنواع الأذى، وأنهينا الحوار وزميلتى تتأرجح بين تصديقى وهى لم تعرف عنى الكذب من قبل، وبين ما شاهدته فى الفيلم اللعين.. وفى نفس العام كنت فى زيارة لباريس وتحديدًا فى شارع الشانزلزيه لمحت إعلانًا عن فيلم مصرى فى أكبر سينما فيه فإذا به فيلم 678 الذى ينقل ويناقش ظاهرة التحرش الجنسى فى مصر كدت أخفى وجهى من الناس خجلاً وغضبًا.. فهل هذه هى الأفلام التى تكرمتم لترسلوها لتعرضوها فى باريس لتنقل واقعا مؤلما وتؤكد فكرة نبذل جهودنا لنفيها.. إن كانت هذه الظاهرة فرضت نفسها على الساحة وأصبح عرضها فى السينما أمرًا حتميًا فتظل قضايا داخلية وليست قضايا تعرض فى سينما أوروبية شهيرة لتسيء إلينا جميعًا وتقلل عدد السائحين وتشوه صورة مصر صاحبة الحضارة العريقة فى عيون العالم وكان الأجدر بنا أن نرسل لهم أفلامًا تعبر عن حسن ضيافتنا وجمال طبيعتنا وشموخ حضارتنا فى ظروف اقتصادية كانت ولا تزال فى أمس الحاجة لعودة السياحة إلى مصر.
على صفحات التواصل الاجتماعى مؤخرًا تم عرض فيديو تحرش وتعرية فتاة بميدان التحرير وأتخيل غضب الكثيرين الآن منه وحزنهم بسببه ولكن أحد لم يتخيل إحساسى كامرأة مصرية بالخارج مطلوب منها أن تبرر هذه الأفعال وأن تشرح وتردد جملة أنها حالات فردية واستشعر القلق يتسرب إلى نفسى من أن تكون الظاهرة كبيرة بالفعل وأنا وحدى من لا تدرك هذا وأنا وحدى من أعيش فى فرنسا بعيدًا عن مصر منذ 16 عامًا وأصر على أن احتفظ فى خيالى بصورة مصر الجميلة.. وربما آن الأوان لأواجه نفسى.. بل لنواجه أنفسنا جميعًا.. ليس بحجم الظاهرة ولا بالانحدار الأخلاقى الذى وصلنا إليه ولكن بحقيقة جذور هذه الظاهرة الموجودة بالفعل ولا جدوى من نفيها أو تجميلها أو تبريرها وكانت لها بوادر منذ سنوات طويلة فى الشوارع والمواصلات العامة.
ومن الواضح أنها تطورت لأسباب كثيرة منها إهمال الشباب وعدم توجيههم بأسلوب صحيح وانعدام القدوة والبطالة وتحول الخطاب الدينى إلى خطاب مباشر يفصل العبادات عن الحياة والمعاملات أو يفصل المتدينين عن المجتمع المحيط بهم فلا يحاولوا مساعدته وهدايته بالحسنى وما تبثه القنوات من أفلام وكليبات وألفاظ وحوارات هابطة أطبقت على أنفاس الذوق المصرى وجثمت على صدره فأدخلته غرفة الإنعاش.
كامرأة مصرية أيضًا تابعت وبمنتهى الحسرة والألم تعليقات الناس ما بين شامت ومدافع عن الجناة.. وكأننا وصلنا إلى حد طرح مبادئنا فى المزاد.. فهناك مواقف لا يختلف عليها عقلاء.. ولكننا تعودنا أن نخلط كل شيء بكل شىء..السياسة بالدين بالرياضة بالثقافة بالسينما.. تقدمت الدول الغربية لأنها وضعت فواصل فى كل جوانب الحياة فلا تقحم السياسة فى حياة الناس ولا تتحول قضية تحرش وجسد فتاة إلى سبب فى الشماتة أو إلى تصويرها على أنها مؤامرة لندافع عنها ونبررها فالضحية تبقى ضحية والمجرم مجرم فى كل الظروف والأعراف.
التحرش لم يعد وحده هو المرض الظاهر فى المجتمع فما بين الشماتة والتبرير أمراض أخرى أكثر خطورة.. نحن جميعا أصبحنا فى أمس الحاجة لأن نراجع قائمة مبادئنا وأخلاقنا ولنعلم أن ما نقبله على غيرنا اليوم سيقبله علينا الآخرون فى الغد، ولم يعد هناك مفر من قوانين رادعة تطبق وبقوة وبلا هوادة على كل من تسول له نفسه لارتكاب جريمة أخلاقية ليكون عبرة لغيره لعل هذا يدفع كل متحرش للتفكير بالعقاب قبل استخفافه بحرمة جسد امرأة.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة