فى الأسبوع الأخير من هذا الشهر، وبعد ثلاثة أسابيع بالتحديد سيتوجه الشعب المصرى إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من بين مرشحين اثنين وتحت مظلة دستور وافق عليه الشعب بأغلبية ساحقة ؛ وتتمثل المشكلة فى أن الغالبية العظمى من المصريين تعلق على شخص الرئيس القادم آمالاً لا سقف لها ، ومطالب ظلت تحلم بها طوال العقود الأربعة الأخيرة ؛ وتضع أى رئيس قادم فى موقف شديد الصعوبة ؛ وتحت منظار متحفز لتسجيل كل حركة أو سكنة يقوم بها بعد توليه السلطة وسط غابة كثيفة من المشكلات تبدأ بالأمن وتنتهى باستعادة المكانة والقوة الشاملة للأمة وبين البداية ومحطة الوصول عشرات المشكلات التى تحتاج إلى ابتكار الحلول ، وقد علق الشعب كل ذلك فى رقبة الرئيس القادم وقد أسهمت مواد الدستور التى تحدد سلطات رئيس الجمهورية فى زيادة العبء على أى رئيس قادم فقد حجم الدستور سلطات الرئيس خاصة فى السياسة الداخلية ؛ وأعطى للوزارة والبرلمان سلطات أوسع كثيراً لم يحصل عليها مجلس نيابى أو مجلس وزراء مصرى منذ عرفت مصر الحياة النيابة عام 1924 وحتى اليوم ؛ ففى دستورى العصر الملكى 1923 ، 1930 كان من حق الملك إقالة الوزارة وحل البرلمان والحكم بدون برلمان دون الرجوع إلى الشعب فى أى من هذه القرارات وكان القصر الملكى هو السلطة الأعلى فى البلاد لا معقب على قراراتها وفى دساتير الجمهورية ابتداء من دستور 1956 كان رئيس الجمهورية هو صاحب السلطة الأعلى والوزراء فى هذه الدساتير مجرد موظفين يعينهم ويعفيهم من مناصبهم رئيس الجمهورية؛ كما أن المجالس النيابية فى عصر الجمهورية كانت تتسم بالشمولية التى تتبع خطاً وطنيا واضحا ومحددا أو رؤية سياسية شاملة يسيطر عليها حزب واحد سواء كان الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى أو حزب مصر الذى تحول إلى الحزب الوطنى من خلال تجربة السادات فى إعادة التعددية الحزبية التى لم تغير كثيرا من طغيان حزب واحد وكانت الأحزاب الأخرى كيانات كرتونية لاستكمال الشكل الديكورى للديمقراطية، بل إنها من خلال تعددية السادات الظاهرية انتجت طغيانا أكبر ومعارضة أقل ورؤية أضيق انحصرت فى تحقيق مصالح فئة ضئيلة امتلكت الثروة والسلطة؛ لذلك كانت قواعد نظام الحكم فى الدستور الجديد ثورة كاملة وحقيقية غيرت من الجذور قواعد الحكم ومراكز السلطة ؛ وهو الأمر الذى مازال غامضا أمام الرؤية الشعبية المصرية نتيجة لأنه لم يمارس على أرض الواقع بعد.
وفى ظل هذه الحقائق علينا أن نكون على وعى كامل بمتطلباتها لكى يستطيع الرئيس القادم تحقيق ما علقه عليه الشعب من آمال، فلا يمكن للرئيس وحده فى ظل الدستور الجديد أن يتعامل مع المشكلات العميقة التى تعانى منها مصر دون برلمان وطنى يدعمه ويتعامل معه بعيدا عن مهارات المعارضة السياسية واستعراض العضلات الحزبية ، ولذلك ففى رأيى أن الانتخابات البرلمانية القادمة هى أخطر وأهم كثيرا من الانتخابات الرئاسية بل لا أبالغ إذا قلت أنها ستحدد مصير مصر ومدى قدرتها على اجتياز هذه الفترة الصعبة من تاريخها.. إننا فى أشد الحاجة إلى برلمان وطنى يعبر عن آمال وطموحات الشعب المصرى ويشرع قوانينه من منطلق المصلحة الوطنية لا منطلق الرؤية الحزبية والعقيدة الأيدولوجية أو المصالح الفئوية والشخصية برلمان يتصف أعضاؤه إلى جانب الانتماء الوطنى بالثقافة والمعرفة والقدرة على الابتكار والإيداع برلمان يتواصل مع الجماهير التى انتخبته ويعبر عن آمالها ويساهم فى حفزها على العمل والإنتاج ولا يمارس تدليلها حرصا على الأصوات برلمان يشارك أعضاؤه فى التنوير والتوعية ويعطون القدوة والمثل فى البذل والعطاء ويملكون موهبة قيادة الجماهير لزيادة الإنتاج والعمل المثمر، ويجيدون ابتكار وإبداع وسائل وإمكانات غير تقليدية للتعامل مع المشكلات فى دوائرهم وعلى المستوى القومى العام؛ برلمان يشمل كافة الرؤى والآراء لا لتتصارع على النفوذ بل لتتوافق على صالح الأمة؛ برلمان لا يعارض معارضوه لإثبات الذات وإنما يعارضون لتحقيق الغايات ؛ برلمان يراقب أداء الحكومة ليصحح لا ليدمر وينبه دون أن يهدد ؛ ويقرع الحجة بالحجة دون أن يضع أعضاؤه أنفسهم داخل قوالب فكرية أو حزبية جامدة ؛ برلمان يعرف أين يضع السيف ومتى يبذل الندى ؛ وفى يد الناخب المصرى أن يخرج لنا هذا البرلمان ؛ إذا قمنا كإعلاميين ومثقفين بواجبنا نحو توعية أبناء وطننا بخطورة المرحلة لكى يقوم الناخب باختيار ممثلة فى السلطة التشريعية بمقياس العطاء الوطنى والثقافة الضرورية والقدرة الشخصية على التفكير والتنقيد والقيادة والإبداع ، ومصر تملك من هؤلاء الكثير ، ولكن الخوف من ألاعيب الانتخابات وقدرات رأس المال سيظل شبحا يهدد صلاحية وقدرات البرلمان القادم.
أما مجلس الوزراء الذى يتقاسم تشكيله البرلمان والرئيس طبقا لنصوص الدستور والذى يملك سلطات واسعة تشارك رئيس الجمهورية فى ممارسة السلطة التنفيذية ، فينبغى أن يكون متوافقاً فى الرأى مع خطوط السياسة العامة للرئيس فلا يمكن أن يكون الوزير فى وزارة ما يستخدم وسائل تنفيذية ورؤية سياسية لا تتسق مع السياسة العامة التى يعتبر رئيس الجمهورية مسئولاً عنها أمام البرلمان والشعب كما أن التناسق الفكرى بين أعضاء مجلس الوزراء ضرورى لنجاح استراتيجيته السياسية وعلى البرلمان ومجلس الوزراء إدراك أن الرئيس مثلهم تماما منتخب من الشعب ؛ ولن تتحمل مصر فى الفترة القادمة خلافا بين السلطة التنفيذية بشقيها ( الرئيس ومجلس الوزراء ) والسلطة التشريعية (البرلمان) مما يحدث انقساما لا تحتمله الأمة فى هذه الظروف فمواد الدستور تجعل الشعب حكما فى هذا الخلاف من خلال استفتاء على حل البرلمان سوف ينتج عنه بالقطع نوع من الانقسام فى الرأى لا تحتمله مصر فى السنوات القليلة القادمة فكفانا ما فعله الإخوان بالأمة من انقسان وتدمير وتخريب.
يا شعب مصر العظيم إن الكرة الآن فى ملعبك وعلينا أن نصوبها بحرفية لنحرز هدف النصر.
هيام محيى الدين تكتب: الرئيس بين آمال الشعب وقيود الدستور
الخميس، 08 مايو 2014 06:20 ص
علم مصر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة