"حبل الوريد"... على هذه الأرض ما يستحق الصراع

السبت، 03 مايو 2014 10:53 ص
"حبل الوريد"... على هذه الأرض ما يستحق الصراع غلاف رواية حبل الوريد لمحمد زهران
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بلغةٍ بسيطة، أقرب إلى لغة السيناريو، يرسم محمد زهران فى روايته "حبل الوريد" الصادرة مؤخرًا عن دار الدار، صورة مشهدية لرجلٍ يسترجع ذكرياته من واقع العديد من الكراسات والصور الفوتوغرافية التى حفظها عبر تنقله من بيت إلى آخر، تفاصيل حياته وعلاقاته بوالديه وخالته وأصدقاء الدراسة وأكاديمية الفنون والعمل فى مبنى الإذاعة والتليفزيون، مقاومًا بها المرض.

صورة بيسطة يطلع القارئ على تفاصيلها فى الصفحات الأولى من بداية من زمن الحكى وحتى نهايته، من خلال طفل فى الشهر السادس يجلس أمام المصور متربعاً، يرتدى فستاناً بناتيًا درءًا للحسد. ذراع الأم يبدو فى الصورة تسنده كى لا يقع. وعلى عكس كل الأطفال الباسمين فى وجه الكاميرا تمتلئ عيناه بشحنة حزن رهيب وحالة فزع وكأن الطفل يقرأ الغيب أو مكشوف عنه الحجاب ويرى كل الأهوال التى ستلاحقه خلال دورته الأرضية.

تدور الرواية حول بطلها الذى يهديها إلى "زينب" هذه المرأة التى وقفت بجواره بعد إجراءه لعملية جراحية كان فيها أقرب للموت من الحياة، وأن ما يعيشه من عمر إضافى هو سر لنفحتها المقدسة، ومع تتابع سير الحكى يجد القارئ أم من يبوح له بكل هذه التفاصيل شخص يدعى "محمد زهران" مما يوحى له بأن هذه الرواية أقرب إلى أن تكون سيرة ذاتية.

وعبر العديد من الحكايات التى يرويها البطل صاحب الصوت الأعلى فى هذا النص، يجد القارئ نفسه أمام جدلية الموت والحياة والصراع بينهما، وكيف يقاوم "زهران" مرضه الذى يؤكد له كل من ذهب إليهم من الأطباء أنه أقرب للموت من الحياة، لكنه يرفض الاستسلام ويستمد قوته عبر العديد تذكره لتجارب الماضى، التى يستلهم منها الدعم لمواجهة حالته، وكأنه يطيل بها "حبل الوريد" ليطيل عمره ويهرب من الموت.

وبين حين وآخر، يعود محمد زهران إلى الذكريات - التى تبدو وكأنها كتبت ونشرت بدون حذف أو تعديل - إلى تساؤلات هذا الصبي، الذى أدرك أن على هذه الأرض ما يستحق الصراع والبقاء، فراح يفتش عن سر البقاء، ويضع لنفسه حلمًا بأن يعيش مائة عام، وينظر لكل من يكبره سواءً والده أو والدته، لكنه أيقن أن الموت مصير كل حي، وعلى الغم من اكتشاف إصابته بمرض وراثى نادر يتنبأ معه الأطباء بأن المتبقى له من الحياة عدة أشهر، يدخل حلبة الصراع بحثًا عن متع الشاب المشاغب العاشق للحياة بكل أشكالها ونسائها والرافض للموت، حتى يجد القارئ نفسه أمام ما يمكن أن نسميه بفلسفة الخلود أو مقاومة العدم والفناء.

يقول محمد زهران فيما فيما يشبه رؤيته الفلسفية لمقاومة الموت: "لا يشحذ غريزة الصراع من أجل البقاء إلا وجود أنثى تخطط لغزوها وتفشل وتعاود المحاولات.. تسهر تضع الخطط وتمنى نفسك مع الأيام بتتابع الانتصارات الصغيرة حتى تتمكن من الغزو، تكتشف بعد الوصول أن سطح القمر يختلف كلية عن خيالاتك المسبقة عندما كنت تتطلع إليه عن بعد، فتعاود البحث عن غزوٍ جديد".

رحلة مليئة بالتفاصيل، والاعترافات، أو تأنيب الضمير، وتعرية النفس ومواجهتها بهفواتها وجرأتها، وجلد الذات، كأنه يقول: ها أنا ذا قبل الرحيل لا شيء أخبئته عنكم فعلت كل ما فعلت والأهم أننى عشت لأن على هذه الأرض ما يستحق الصراع.

ويقول كيف تغزو اليوم وقد أكلمت عامك الخامس والأربعين فى مجتمع ينظر للرجل فى هذه السن على أنه بدأ طريق الكهولة، يأخذ لقب حاج وتصبح كل أحلامه المستقبلية هى وضع خطط لزيارة الكعبة وانفاق تحويشة العمر وسط صحراء الجزيرة.. لا ينتظر المجتمع من أصحاب هذه السن عشقًا للحياة والجنس.. لازلنا نعيش بدائية الإنسان الأول ذى الدورة الحياتية التى لا تتجاوز الأربعين بعدها يبدأ التأهيل للقبر وانتظار دور الفناء حتى لو تأخر هذا الدور نصف قرن.. سأتحدى لعبة الانتظار وسأبحث عن أنثي.

ومحمد زهران من مواليد مدينة فارسكور بدمياط، تخرج من المعهد العالى للسينما قسم سيناريو، وقد قام بكتابة السيناريو للعديد من الأفلام التسجيلية، وحبل الوريد هى روايته الثالثة، فقد سبق وصدر له رواية بشارة الأربعين، ورواية فارسكور، وقد حصل الكاتب على الجائزة الذهبية الأولى فى مسابقة "جائزة زايد للإبداع" فى دورتها الأولى التى أقيمت فى القاهرة عام 2009 وذلك عن روايته الأولى بشارة الأربعين.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة