بمشاركة عدد كبير من المختصين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، انطلقت مساء أمس الجمعة فى العاصمة الإماراتية أعمال مؤتمر أبو ظبى الدولى للترجمة فى دورته الثالثة تحت شعار "الهوية والتواصل الثقافى"، والذى يؤكد على أهمية الدور الذى تلعبه الترجمة فى بناء الجسور بين الحضارات والشعوب.
والمؤتمر الذى ينظمه مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة يُقام بالتزامن مع معرض أبو ظبى الدولى للكتاب، وسيقوم خلال أربعة أيام بتسليط الضوء على واقع حركة الترجمة من اللغة العربية وإليها، وإيجاد السبل لتشجيع المختصين على النهوض بحركة الترجمة فى ظل التحديات التى تواجهها، كما يناقش نصوصاً متخصصة من الإنجليزية والإسبانية والإيطالية، تتناول مواضيع تتعلق بالهوية والتواصل الثقافى، فى مجموعة من ورش العمل الموجهة للمتخصصين من الشباب العرب.
وفى حفل افتتاح هذه الاحتفالية، رحّب جمعة عبد الله القبيسى، المدير التنفيذى لقطاع دار الكتب الوطنية بهيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة ومدير معرض أبوظبى الدولى للكتاب بصناع الكتاب والترجمة والأدب والفكر والمعرفة من مختلف أنحاء العالم والذين يشكلون عماد هذا المؤتمر.
وأكد "القبيسى" على المكانة المهمة التى باتت تتبوأها إمارة أبو ظبى على الصعيد الثقافى الإقليمى والعربى، وقال "لقد شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة تطوراً كبيراً فى مجال العمل الثقافى وانطلقت من العاصمة أبو ظبى العديد من المشاريع الثقافية العالمية تجسيداً لإستراتيجية ثقافية شاملة تطمح إلى تشجيع الشباب من أبناء الإمارات للمساهمة فى رسم الثقافة العربية جنباً إلى جنب مع الثقافات المعاصرة الأخرى، وغرس مبادئ الفكر العلمى المنهجى وروح الابتكار فى عقول الناشئة شباب الغد ورجال المستقبل".
وأشار إلى أن الغاية الأساس من المؤتمر هى "تحقيق جودة وأسلوب الكتاب المترجم من الثقافات الأخرى، كهدف قيم وقيمة سامية وإستراتيجية مُعلنة، تساهم فى تطوير التبادل الثقافى والتسامح وحوار الحضارات".
وختاماً، أشاد بدور حركة الترجمة فى نهضة الشعوب وتفاعلها مع الآخر، وفى توفير نقاط التماس المشتركة وردم الهوة الفاصلة بين الثقافات، ونشر التقارب الحضارى بين الذات والآخر.
من جهته أوضح الدكتور أحمد السقاف، مدير مشروع "كلمة" للترجمة، الدور الحيوى الذى يلعبه المشروع فى تقوية وتعزيز التفاعل والتواصل بين الثقافة المحلية والعربية وثقافات الأمم الأخرى، وقال فى افتتاح المؤتمر "إن التحولات المتتابعة والمتسارعة فى وسائل التواصل بكافة أنواعها تقتضى أن نكون مستعدين وقادرين على تطويع واستيعاب ظاهرة الحداثة بمعناها الواسع الكبير دون أن ينال ذلك من هويتنا الوطنية وخصوصيتنا الثقافية كى نمضى قدماً فى مسيرة التقدم والرقى غير آبهين بدعوات تحنيط الثقافة ونداءات الإنحباس فى قفص الذات".
وأضاف "إن هذا التواصل الحتمى يستوجب منا الاهتمام بالترجمة، فهى أداة التواصل بين البشر على اختلاف ألسنتهم ومصدر المعلومات عن الثقافات الأخرى، فمن خلالها نتعرف على إنجازات الثقافات المختلفة وتجارب المعاناة الفكرية النابضة والحية وأعمق جوانب الحضارة لدى الأمم الأخرى".
وشدد على أن مشروع كلمة للترجمة "يمضى بخطى واثقة باذلاً أقصى الجهود من أجل النهوض بحركة الترجمة فى العالم العربى وإعلاء مكانة المترجم وتحفيز الشباب على الانخراط فى هذا الحقل التخصصى الهام" تعزيزاً لإستراتيجية إمارة أبوظبى الثقافية للوصول إلى مجتمع المعرفة.
من جهته أوضح على الشعالى، مقرر اللجنة الاستشارية للمؤتمر، أن ورش العمل التدريبية المتوازية التى تستمر يومين "سيتولى قيادتها أكاديميون ومحترفون أكفاء فى مجال الترجمة، لديهم سابقة أعمال وخبرات تؤهلهم للقيام بهذا الدور على أكمل وجه، وتهدف إلى تدريب المترجمين على التعامل مع تحديات الترجمة وإشكالياتها؛ من خلال العمل على ترجمة عدد من النصوص المنتقاة لاستخلاص وغرس مهارات فنية معينة تتعلق بنقل النص إلى اللغة المستهدفة".
وأثنى على الجهود التى تبذلها هيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة من أجل ضمان نجاح المؤتمر، وقال "نشهد أن العمل مع هيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة لَباعث على التفاؤل ومحفز على الإنتاج، يتمثل هذا فى استعداد المسئولين دوماً للاستماع بسعة صدر ومبادرتهم لتقديم الدعم اللازم من خلال توفير المعلومات والإشراك فى القرار وتبنى مقترحاتنا"، وأضاف "بعد هذا الزخم العلمى والمهارى، يأتى المؤتمر لاستعادة ما تم إنجازه ودراسته بشكل متعمق وبكل شفافية".
وتُعقد خلال المؤتمر أربع ورش عمل تدريبية متوازية حول الترجمة الأدبية من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية إلى اللغة العربية، وتهدف إلى تدريب المترجمين على التعامل مع تحديات ترجمة الأعمال الأدبية وإشكالياتها من خلال تطبيقات عملية لترجمة عدد من القصص القصيرة والقصائد، ويتولى قيادة ورش العمل مجموعة من المترجمين ذوى الخبرة والكفاءة والأكاديميين المتخصصين فى المجال، منهم سعيد الشياب ومحمد عصفور (الإنجليزية) وعز الدين عناية (الإيطالية) وزينب بنياية (الإسبانية).
ويشارك فى الورش 20 مترجماً شاباً من مختلف الدول العربية، جميعهم بين 28 و45 عاماً، ومن خريجى كليات الآداب أو الترجمة أو اللغات، ويتمتعون بخبرة فى الترجمة لا تقل عن 5 سنوات، كما يحضر ورش العمل الإنجليزية 40 طالباً وطالبة من الإمارات كمستمعين فى خطوة لخلق كوادر مواطنة فى هذا المجال.
وقد شارك الفنانان الموسيقيان مروان عبادو وبول جولدا فى إحياء حفل الافتتاح بمقطوعة موسيقية عذبة حملت اسم "من باخ إلى أبو ظبي".
ويشار فى هذا السياق إلى أن مشروع (كلمة) للترجمة نشر أكثر من 800 كتاباً من مختلف أصناف المعارض والعلوم والآداب عن 13 لغة.
وسيسعى المؤتمر الذى ستنتهى أعماله الاثنين المقبل من خلال جلسات وورشات العمل لرصد الواقع الراهن لحركة الترجمة من العربية وإليها فى العصر الحديث، وتشجيع المؤسسات الثقافية فى المنطقة على تفعيل حركة الترجمة والنقل، والوصول إلى النماذج الحيوية لترجمة العلوم والتكنولوجيا وبناء معاجم علمية متخصصة، بالإضافة إلى السعى لتطوير المناهج الجامعية فى حقول الترجمة وإنشاء معاهد ترجمة محترفة، لتخريج مترجمين مؤهلين وأكفاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة