كنت على متن القطار أذهب إلى منزلنا فى الصعيد.. وبدون مقدمات وجدت أحدهم يرفع صوته وهو يتحدث مع أحد الراكبين على متن القطار, وعلا صوته باسم أحد المرشحين للرئاسة, فالآخر هم برفع صوته, وبدأت الاشتباكات.
من أغرب الظواهر التى عانت منها مصر فى الفترة الأخيرة على المستوى السيكولوجى, هى العنف الموجه تجاه الآخر, لماذا أصبح الآن بمجرد اختلافى مستعد أن أوقف كل حياتى وحياتك, بل وأنهيها تمامًا بالحد الذى يصل للقتل أو للإصابات التى يعاقب عليها القانون ؟
لماذا يتشدق كل مؤيد ويحمل على عاتقه مسئولية إقناع الآخر؟ بمرشحه او بمؤيده رغمًا عن أنفه ولو بالقوة, واذا ما اختلفت فأنت ساذج أو عميل, أو "مضحوك عليك".
على المستوى السيكولوجى، ربما يمكن تفسير هذه الظاهرة, فهناك ما يسمى بالعدوان وهو أحد المصطلحات الهامة فى تكوين النفس الإنسانية والتى تكلم عنها فرويد ورواد التحليل النفسى الأوائل, وهذه التفسيرات التحليلية تشير إلى أن العنف الذى يكون لدى الشخص ربما لا يستطيع توجيهه إلى المسار السوى, بمعنى إنك إذا اختلف مع مديرك وقام بتعنيفك ولم تستطع أن تدفع هذا التعدى ولو بالكلام المهذب و أو بالدفاع عن نفسك بشكل لائق وقمت بالسكوت, فإن هذا الموقف لا ينتهى بل يتم كبته فى اللاشعور لديك, ويتم كبت كل المواقف التى تكون من هذا النوع, ويعتقد الشخص أن الموقف انتهى بمجرد انتهاء حدوثه, ولا يدرى أن هناك عالمًا بالكامل يتفاعل بداخله , وهذا العنف المكبوت يخرج بطرق أخرى لا نعيها, كأن يقوم هذا الشخص بمجرد رجوعه إلى المنزل وعند أقل كلمة من زوجته يدخل فى حالة غضب لا تتناسب مع الموقف أو الكلمة التى قالتها زوجته أو طفله, وهذا ما يحدث فأغلب المصريين الآن منهم من تعرض لأحداث دامية أو شهدها أو سمع عنها، ولم يستطع ان يتصرف تجاه هذه المواقف أو الأحداث الحالية , كما أن هناك تفسيرًا لحالة الانغماس فى التأييد أو الانغماس فى الرفض والمعارضة بدرجة قد تجعله يدفع حياته, أو يفقد حياة الآخر نتيجة مخالفة هذا التأييد أو المعارضة, وهو أن الهموم المصرية التى على الساحة, والهموم الشخصية على المستوى الفردى لكل مواطن من هموم معيشية واقتصادية وخلافات زوجية ...إلخ تزيد من الضغط النفسى على الإنسان, فيبتكر العقل خطة لإخراجه من هذه الضغوط, عن طريق صنع موضوع آخر ينهمك فيه بكل كيانه, للدرجة التى ينسى معها حتى العمل الذى يوفر له الدخل لإطعام أولاده, وقد يتجاوز أكثر من ذلك, وقد يصل بالبعض العقل بخططه التى هدفها الرئيسى هو تقليل الضغط النفسى على هذا الشخص, أن يتوحد بالشخص الذي يؤيده بمعنى, أن يعيش وكأنه هو الشخص الذى يدافع عنه , ليس بشكل معلن, ولكن على المستوى النفسى, بمعنى أن هجومك على هذا أو ذاك ممن يريهم, هو هجومك على ذاته, وتقليك من هذا المرشح أو ذاك هو تقليك من ذاته, فيهم بالدفاع عن ذاته لا عن من يريد, لكى لا تستغرب حينما تتكلم بالسوء عن أحد الساسة فتجد أحدهم قام بالتعدى عليك لفظيًا أو جسديًا, وتستغرب لماذا كل هذا الغضب, الآن قد علمت أنك حينها تنتقده وتقلل من ذاته كما يرى على المستوى اللاوعى, لذلك هؤلاء الأشخاص يجب الحذر عند التعامل معهم, وفى الغالب يكون لهم نوبات سابقة من العنف والعدوان.
فى النهاية يجب ان تسأل نفسك سؤال حينما يحتد بينك وبين أقرب الناس إليك، الخلاف خاصة فى الشأن العام أو فى المواضيع السياسية، وهو لماذا يجب ان يقتنع كل الناس بما أقول, لماذا يجب أن أخرج من النقاش أحدنا قد اقتنع بوجهة نظر الآخر؟
ولو لم تقتنع بهذا السؤال, فدعني أساعدك , لماذا لم يؤمن كل قوم موسى – عليه السلام - برسالته ؟
لماذا كان يواجه عيسى عليه السلام، المصاعب ولم يؤمن كل قومه؟
لماذا واجه محمد صلى الله عليه السلام، كل هذه التحديات من أهله ولم يؤمنوا بكل ماقال؟
لماذا لا تستطيع أن تجعل كل ملحد يدخل إلى دينك؟
الإجابة ببساطة, هى أن القناعات الشخصية لكل فرد وتدخل فى نطاق شخصى أعمق مما تتصور, وقد يصل النطاق الشخصي للقناعة بتهديد الحياة الفردية للشخص, هذه القناعات مرتبطة بوجوده, بكيانه, كيف تعتقد أنك بمجرد حديثك سوف تهز هذا الكيان, بغض النظر عن مصداقيته, أو عن فساد منطقة, فكل رأى هو بالنسبة لصاحبه صحيح, وعنده معايير للحكم على ذلك, وعندما نتحاور لسنا فى سياق لزوم الإقناع للآخر.
فليكن الهدف من الحوار, التقارب , التواصل , توسيع الخبرات, ولعل النقاش يكون أثرى حينما ندخل النقاش ونحن نجمل جملة ماذا لو؟
ماذا لو كان منطقى خطأ؟ ماذا لو كانت منطقة خطأ؟ وما الذى يمنع ذلك ؟
لعلك حينها ترى أشياء لم تكن تراها, وتعيد اكتشاف من حولك.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الراضي
رئيس مصر سعادة / المشير السيسي