رثى الكاتب الجزائرى الكبير واسينى الأعرج والدته التى توفيت فى وقت قريب ونشر مرثيته السردية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" بعنوان "كانت فقط أمى"، مع صور شخصية جمعته بوالدته، ووصف الأعرج والدته فى مرثيته بإلهة البرق واللون والمطر،
وجاءت المرثية كالتالى:
كانت فقط أمى من قال ماتت؟ أمى كانت هنا ثم خرجت صباحا تبحث عن الطير لتسقى عطشه، عن الشجرة اليتيمة على حافة الطريق لتقاسمها قليلا من الظل والماء. خرجت قبل قليل لتحرف مدار الشمس بثانية، نحو أمكنة لا يزورها إلا الظلام. وتدور فى ساحات الأرض المتعبة، لا تعبأ بفجيعة الصدفة، تخيط جرحا هنا. تمسح وجها هناك من حزن قديم. تملأ قلبا هنا ببعض الخير. وهناك تزيل غشاوة النظر عن عيون التائهين.
أمى تعرف سلفا أن القدر عندما ينوى لا يسأل عن نوايا الآخرين. كانت هنا، ثم امتطت قبلة البحر. توجهت نحو موجه السخى، تطلب منه أن يقلل من غضبه، فبحارة هذا الليل لا يملكون إلا صدره وملحه. أمى كانت هنا قبل قليل، لكن تيه الحياة كان أسبق، فاستراحت قليلا قبل أن تعود. فى عينيها بهاء الورد وبنفسج العشاق. فى معصميها وشمها الجميل، خطته عرافة رسمت حلمها، وفى الكفين حناء عشقتها أمى كما يعشق المطر غيمه. استيقظت فى القلب هذا الصباح محملة بشوق سنتين من الغياب. لقد رأيتها. أقسم أنى رأيتها تعبر ساحة البيت. تسرع الخطو حتى لا يسبقها الفجر. تصلى ثم تحط الشاى على المائدة القديمة ثم وتنقر بابى بلطف. أسمع خطاها ونشيد قلب هش كنجمة هاربة. أقوم الآن لأسرق الشاى من يدها قبل أن تخرج. أقبل رأسها، وحنّاء شعرها، ووهج عينيها. وأملأ قلبى بعطر النعناع وطعم الحكايا. لكل مسافر نجمته التى تحضنه، تخفف عنه ظلمة التيه نحو دروب الله، ونجمة أمى ما تزال هنا، كما رأيتها أول مرة، منذ خمسين سنة. سيدة الخير والحب والنور. إلهة البرق واللون والمطر لم تكن يونانية هذه المرة، كانت فقط أمى".