لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج مظهرًا للدرجات العالية التى رفع الله بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما كانت رفعًا لذكره فى الأرض وفى الملأ الأعلى.
إن الإسراء والمعراج من اشهر المعجزات والبراهين الواضحة والحجج المحكمة ومن يتأمل كلمة أسرى يلاحظ أن حرف الألف أول حروف الهجاء والياء آخرها وبين الحرفين الألف والياء تقع كلمة سر وهذا يوضح عظم هذه المعجزة.
لقد وقعت رحلة الإسراء والمعراج فى ليلة واحدة بالجسد والروح معًا وفى هذا اليوم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فأسرى به إلى بيت المقدس حيث التقى الأنبياء عليهم السلام وصلى بهم إمامًا ثم عرج به إلى السماوات السبع ثم إلى سدرة المنتهى.
حيث مر بالانبياء آدم ويوسف وإدريس وعيسى ويحيى وهارون وموسى وإبراهيم عليهم السلام ووصف لنا النبى صلى الله عليه وسلم ما رآه من آيات ربه الكبرى فقد رأى البيت المعمور وهو بيت فى السماء تطوف حوله الملائكة إلى قيام الساعة وهو يقابل البيت الحرام فى مكه الذى يطوف به أهل الأرض.
ووصف لنا أنهار الجنة خاصة الكوثر الذى حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينه المسك وقدم للنبى إناء فيه خمر وآخر من لبن وآخر من عسل فأخذ اللبن فقال له جبريل هى الفطرة ولو أخذت الخمر لغوت أمتك ورأى النبى صلى الله عليه وسلم أصنافًا من الناس يعذبون فمن ذلك رؤيته لأناس لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدروهم لأنهم كانوا يغتابون الناس فى الدنيا ويقعون فى أعراضهم ورأى النبى صلى الله عليه وسلم أقوامًا تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار فسأل عنهم فقيل له هم خطباء أمتك الذين يقولون ما لايفعلون.
وفى هذه الرحلة المباركة فرضت الصلاة ففرض عليه خمسون صلاة فى اليوم والليلة وشرعت لتكون معراجًا ترقى بالمؤمنين كلما غرتهم الحياة الدنيا وزينتها.
ولقد نصح نبى الله موسى عليه السلام محمد رسول الله أن يراجع ربه فى أمر الخمسين صلاة ثم راجع ربه حتى بلغت خمس صلوات فى اليوم والليلة وهى بأجر الخمسين صلاة.
هكذا يؤمن المرء بأن رحلة الإسراء والمعراج كانت معجزة بمعنى أنها تخرج عن قانون البشر فإن الله تعالى قد جعل من الممكن البرهنة بالعقل الإنسانى على وقوعها وحدوثها الأمر الذى يؤكد احترام الإسلام للعقل والعقلانية حتى فى المعجزات التى تتعلق بخوارق العادات.
فإن هذا العقل البشرى لا يستطيع أن يحيط بكل ما فى هذا الكون من أسرار وحسب المرء أن يقف مؤمنًا أمام هذه الرحلة التى طوى الله فيها لنبيه الزمان والمكان ليريه من آياته الكبرى، والمؤمن الحقيقى لا ينكر أبدًا امكانية الإسراء وهو مؤمن بقدرة الله تعالى "إنما أمره إذا إراد شيئا أن يقول له كن فيكون".
إن الدرس الذى نستخلصه من هذه الرحلة هى أهمية بيت المقدس حيث كان الإسراء إليه ولقاء الرسول الله بالأنبياء جميعهم.
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا" فهذه الأماكن يجب إلا يمنع من الوصول إليها مسلم فما بالك بمن يريدون تهديده واغتصابه وتدميره.
لقد فهم سلف هذه الأمة الإيحاء من الإسراء إلى بيت المقدس فردوا العدوان عنه حين استولى عليه الصليبيون وطهروه منهم ومن قبل خلصوه من الرومان فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب فذكرى الإسراء تلح علينا أن نسير فى الطريق الذى سار فيه أوائلنا من الزود عنه وحمايته وصيانته وتحريره من الصهاينة الغاصبين.
