جمال الجمل

أذكركم بـ«قوة الوردة» وأسألكم: من يجرؤ على العواء؟

الأحد، 25 مايو 2014 11:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
احترامًا للصمت الانتخابى، وطلبًا لراحة العقل من معارك الكلام فى الإجراءات والانتخابات، استجبت لرغبة داخلية فى إعادة قراءة قصيدة «عواء»، وتأمل حياة صاحبها الشاعر الأمريكى النادر ألن جينسبرج الذى تحل ذكرى مولده بعد أيام.

نظرت إلى الواقع من حولى، وسألت: هل يمكن أن يفضى هذا التشاحن والتطاحن إلى حالة من العقل والاتزان؟، هل يمكن أن تزدهر الديمقراطية فى مجتمع تخلع فيه المغنية ملابسها لترتدى زيًا عسكريًا وتغنى للجيوش فى زمن السلم؟، هل يمكن أن يولد السواء من الانحراف، ومن الشوك نجنى العنب؟
حياة جينسبرج القاسية تعطينا درسًا عظيمًا فى التفاؤل، وتعلمنا أن كل هذا ممكن، فالولد اللقيط الذى تربى فى نيوجيرسى، وسط أجواء من القلق والتوتر والفقر، استطاع أن يهز أركان الرأسمالية بأشعاره المتمردة، ومعارضته الكافكاوية العنيدة للنظام الأمريكى، خاصة فى أثناء حرب فيتنام.
عاش جينسبرج طفولة قاسية، عانى خلالها من التزمت الدينى لوالده البديل، مدرس الأدب الذى يحرص على تربيته حسب التعاليم الأرثوذكسية المتشددة، فيما كانت الأم على النقيض، يهودية ملحدة تمارس نشاطها فى الحزب الشيوعى، ولذلك تعود على لغة الصراخ والتوتر فى البيت، حتى فوجئ فى سنوات مراهقته بجنون أمه، وإدخالها مستشفى للأمراض العقلية، وهى الصدمة التى زلزلت كيانه، ودفعته إلى التشوش النفسى هو الآخر، حيث سقط فريسة للمخدرات، واختلال الهوية الجنسية، وتكونت لديه مفاهيم مضادة لذلك المجتمع المنافق القاتل، فتعرف على نشطاء وشعراء جيله من المعارضين للنموذج الأمريكى، وصاغوا بيانًا لحركة أدبية مضادة للسلطة ولنظام المؤسسات، واحتفوا بلغة الشارع فى كتاباتهم، ورفعوا شعار: حريات شخصية بلا حدود، واقتربوا من التجمعات الهيبية، وحركات التمرد والاحتجاج ذات الطابع الفنى والاجتماعى، وكانت قصيدة «عواء» لجينسبرج بمثابة «المانفيستو» الثورى لهذا الجيل الرومانسى الراديكالى الذى قدم نفسه بقوة كضمير عفوى فى مواجهة التوحش الرأسمالى، حيث تبلورت حركات الاحتجاج ضد الحرب، ومكافحة التلوث البيئى، والتمييز العنصرى، والقمع بشتى أنواعه.
كانت أمريكا فى منتصف الخمسينيات تعيش حالة من الغرور الإمبراطورى، وزهو الانتصار العسكرى بعد الحرب العالمية الثانية، وكان جينسبرج ينشط ضمن «جيل الغضب» الرافض لجنون القوة، وفى هذه الأثناء كتب قصيدته الملحمية الطويلة، مستلهمًا روح الشاعر الأمريكى العظيم والت وايتمان، ومثل أمل دنقل، ونجيب سرور- عندنا- جلس جينسبرج وسط رفاقة على أحد مقاهى سان فرانسيسكو، وقرأ قصيدته التى صدرت بعد ذلك فى 70 طبعة، وباعت أكثر من 3 ملايين نسخة، رغم أن الطبعة الأولى التى أقبل عليها الشباب بجنون تعرضت للمصادرة، وجمعتها شرطة سان فرانسيسكو من المكتبات، بحجة أن الكتاب مخلّ بالآداب العامة، لكن الناشر لجأ إلى القضاء، وحصل على حكم برفض قرار مصادرة الديوان.
منذ ذلك الحين لمع اسم جينسبرج، وصار فارس الحرية المطلقة، ورمزًا لقوة الفرد الأعزل فى مواجهة السلطة الغاشمة، وهو الأسلوب الذى أسماه «قوة الوردة» أو «نفوذ الزهرة»، حيث يسعى المتظاهر بجسده وأفكاره فقط لتعزيز قيم السلام والمحبة والتسامح من دون استخدام للعنف.
وهكذا كان جينسبرج الضلع الأول فى مثلث أيقونات التمرد الإنسانى المعاصر، جيفارا فى السياسة والكفاح المسلح ضد الهيمنة، وهو فى الشعر وحركات الاحتجاج الثقافى والاجتماعى، وبوب مارلى فى الغناء والموسيقى، لكن جينسبرج رغم حياته الطويلة «توفى عام 1997» ظل بعيدًا عن ثقافتنا العربية، ولم يتم التعريف به وبأشعاره ونضاله ضد الحروب والتلوث البيئى والسياسى. وحتى لا أقع مثل الآخرين فى هذا الخطأ أقتطف لكم من أشعاره بعض المقاطع التى نشرتها منذ 13 عامًا فى مقال بعنوان «من يجرؤ على العواء»، لفضح قارعى طبول الحرب الأمريكيين فى أعقاب تفجيرات سبتمبر 2001:
• يقول جينسبرج فى رسالة لوالده بالتبنى، يشرح فيها أهداف حركتهم الأدبية: لقد اشتكى وايتمان منذ وقت بعيد بأنه ما لم تلطف قوة أمريكا المادية بحقن روحى من نوع ما، فسوف ننضم فى نهاية الأمر إلى «الملعونين الخرافيين»، ونحن نقترب بالفعل من هذه الحالة
• وفى قصيدته «عواء» وصف أمريكا بالإله السامى «المولوك» الذى يتم تقديم الأطفال الأبرياء له كقرابين يشويها على ذراعيه الناريتين.
• وفى مقطع من «عواء» يقول:
إنه المولوك.. القذارة والعزلة والدمامة والدولارات صعبة المنال، صراخ الأطفال تحت الطرق النجمية، تهتهة الغلمان فى الجيوش، قاعدة الحرب الكبرى للحكومات المذهولة المصعوقة، عقله مادى بحت، دمه يسيل نقودًا، أصابعه عشرة جيوش، صدره محرك لأكل لحوم البشر، أذنه مقبرة يتصاعد منها الدخان، عيناه ألف نافذة عمياء، تقف ناطحات سحابه كإله يهودى.. لا ينتهى عشقه للنفط والحجارة، روحه الكهرباء والبنوك، يفتقر لطيف العبقرية.
• وفى مقطع من «نشيد الرعاة» يقول:
وخلال ألف سنة إذا كان هناك تاريخ سيذكر الناس أمريكا كبلد صغير مقرف.
• وفى قصيدة «الغبى» يقول:
الغبى يدير العالم، الغبى هو النتاج الأخير للرأسمالية، الغبى يدير المباحث الفيدرالية منذ عينه روزفلت ولم يطارد قط المجرمين الحقيقيين، الغبى يحرق القمح لتظل الأسعار مرتفعة فى الأسواق، الغبى بنى مركز التجارة العالمى على شاطئ نيويورك دون اعتبار لمكان تصريف النفايات.
• وفى قصيدة «الكابيتول فضاء الكراهية» يقول:
لا أحب الحكومة حيث أعيش وأكره ديكتاتورية الأغنياء، لا أحب الثورة المضادة التى تمولها المخابرات الأمريكية، مائتا بليون دولار تضخها أمريكا من أجل إشعال الحروب كل سنة ويطلبون المزيد، انهضوا.. انهضوا يا سكان العالم واستخدموا رئاتكم، ردوا على الطغاة فكل ما يخافونه هو ألسنتكم؟
• آه من وطن حنث، وأخلف كل وعوده، آه من قادته وشعبه معًا. «ج.ج»





مشاركة




التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

الثعلب المكار

لا أحب الثورة المضادة

احسنت

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد واحمد ابراهيم !!......تنسيقية.... "عشان الشوك اللى ف الورد بحب الورد " !!

القوة الناعمة !!؟؟..... هى سيف الحق البتار !!.......لدحر الاشرار !!.......ف الالفية الجديد

فوق !!

عدد الردود 0

بواسطة:

أغرب القضايا

أذكركم بـ«قوة الوردة» وأسألكم: من يجرؤ على العواء؟

انتم ولا يضاهيكم ؟

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة