بين إيمانهم بعقيدتهم وعشقهم الشديد لتراب وطنهم مصر ومحبتهم لشركاء الوطن من المسلمين يحيا مسيحيو مصر بين هذا الثالوث المقدس ثالوث "الإيمان والعشق والمحبة" فهكذا يأمرهم إنجيلهم (طهروا نفوسكم فى طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرياء فأحبوا بعضكم بعضاً من قلب طاهر بشدة_1:22بطرس) وهكذا علمهم السيد المسيح (الله محبّة ومن يثبت فى المحبّة يثبت فى الله والله فيه_يوحنا الأولى4:16) وهكذا يوصيهم آبائهم دوماً بمصر (مصر ليست وطناً نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا_من وصايا قداسة الراحل البابا شنودة الثالث) وهكذا أدركوا من أذكار الكتاب المقدس أن الحب وحده هو أساس عقيدتهم المسيحية (إن لم تحب أخاك الذى تراه فكيف تحب الله الذى لا تراه) فالعقيدة المسيحية لمن لا يعرفها حق المعرفة عقيدة تحض على المحبة، وتدعو إلى التسامح وتنبذ الكراهية، وتنهى عن البغضة والعنف فذكر لفظ "الله" فى المسيحية تعقبه مباشرة كلمة "محبة" فالله فى العقيدة المسيحية هو"المحبة الكاملة" لذا فالمسيحيون محبون بالفطرة يحبون الله وخلقه، والبشر كافة يحبون من كان على عقيدتهم ويحبون أيضاً من يختلف معها يحبون الآخر أى آخر حتى ولو كان هذا الآخر من أعدائهم أو مبغضيهم (وأما أنا فاقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم_متى 5:44) ومن يقرأ ويتأمل آيات الإنجيل سيدرك على الفور بأنه كتاب يأمر أتباعه بالتسامح (اغفروا يُغفر لكم_لوقا 6: 37)، و(إن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يَغفر لكم_متى 6: 15) فالتسامح فى العقيدة المسيحية هو ثمرة المحبة، ولكن وأسفاً فإن المحبة فى هذا الزمن وفى هذا الوطن لم تعد الآن كافيهة، وحدها لضمان الحياة فى أمن وسلام وحب فالوطن أرضاً وشعباً قد تغير تغيراً كبيراً للأسوأ فى الفترات الأخيرة من عمره المديد، وأصابه ما أصاب أهله من عجز ووهن وتخلف ورجعية فى شتى المجالات بفعل "الفقر" والذى استغله راغبى الفتنة فى تصنيع "بذور الجهل"، والتى نثروها فى التربة الخصبة "تربة الفقر" فأنبتت "دعاة جاهلين" لا يعرفون دينهم حقاً، ويتحدثون بجهل وبغى عن دين سماوى آخر دين وصف الله أتباعه فى القرآن الكريم بأنهم الأقرب مودة للمسلمين "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" ووصى بهم رسولنا الكريم فى حديثه "إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما"، ولقد طرحت هذه النبتة الخبيثة "خطابات الكراهية" التى صنعت "الفتنة" ونشرت "التمييز" وهو مالم نكن نعرفه نحن المصريون من قبل، ونتيجة لذلك فقد تحول الشعب المصرى من شعب واحد قبطى- والمعروف أن كلمة "قبط" يقصد بها عموم المصريين- إلى شعب قطبى من "الأقطاب" أى شعب متعدد الأقطاب وتحول الأمر تدريجيا،ً كما ذكرت "من شعب قبطى واحد" إلى شعب "قطبى" ثم أصبح قطبيا ومنقسما حتى داخل القطب الواحد فهذا سنى وهذا سلفى وهذا صوفى وهذا قطب آخر مسيحى !!
إلى أن حل زمن الفوضى "زمن الإخوان البغيض" ذلك الزمن الذى اختلط فيه الحابل بالنابل، واختلط فيه الدين بالسياسة فأصبح الشعب على صورته الحالية شعب" منقسم حتى داخل القطب الواحد، مضافاً إلى ذلك شعب متعصب فهذا سنى وهذا سلفى وهذا إخوانى وهذا ليبرالى وهذا علمانى، وهذا يسارى وهذا مسيحى وهذا كافر!
خلاصة القول.. الإخوة المسيحيون ليسوا ملائكة بكل تأكيد ولكنهم أيضاً ليسوا عكس ذلك إنهم مثلنا تماماً "مجرد بشر" ولا شك أيضاً أن منهم "متعصبين"ن ومنهم أيضاً بعض من رجال الدين من طائفة الجهلاء وصناع "الفتنة"، ولكن وشهادة حق أحاسب عليها أمام الله هم الضحية فى أغلب الحوادث الطائفية التى تحدث على أرض مصر "فى الأغلب وليس فى الكل" وشهادة حق أيضاً فإن الخطأ من جانبنا أى من الجانب الإسلامى "أكبر وأفدح" وأنا لا أرغب فى أن أقف هنا عند حادثة طائفية بعينها لثقتى التامة بأن الحوادث الطائفية ليس مقدرا لها أن تنتهى الآن، وبأن القادم على الصعيد الطائفى قد يكون أسوأ وأفدح، ذلك إذا لم يتنبه الرئيس القادم لمصر لضرورة وضع حلول جذرية عاجلة وفاعلة للحد من الطائفية التى أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على وحدة النسيج الوطنى المصرى المترابط، منذ آلاف السنين فيا رئيس مصر القادم عليك أن تنتبه جيداً إلى أن حاجة المصريين الآن إلى المحبة لا تقل أبداً عن حاجتهم إلى الأمن والكرامة وإلى تحسين مستواهم المعيشى.. اللهم فاشهد.
