( 1 )
فى كتابه "معالم على الطريق" أعلن سيد قطب عن كتابه القادم تحت الطبع بعنوان "نحو مجتمع إسلامى متحضِّر".. ولكن الكاتب أصدر كتابه الجديد بعد حذف كلمة "متحضِّر".. ليصبح العنوان "نحو مجتمع إسلامى" بدون "متحضِّر"!
ولقد أَجْهَدَ الفيلسوف الجزائرى "مالك بن نبى" نفسه فى تفسير ذلك، لكن الأمر ربما لم يكن فى احتياج لاجتهاد.. ذلك أن فكر سيد قطب هو مشروع من أجل "القتال" وليس "البناء".. "السلطة" وليست "الحضارة".
( 2)
لقد كانت صدمتى بلا حدود وأنا أقرأ جوانب من كتاب الشيخ "ناصر الفهد" عن الإسلام والحضارة.. يحمل الكتاب عنوان "حقيقة الحضارة الإسلامية"، وقد تصورت أن المؤلف يتيه فخرًا بالحضارة الإسلامية، وأنه يعيد على مسامعنا ما نعرف وندرك عن عظمة الحضارة الإسلامية وعن تأثيرها الطاغى فى الحضارة الإنسانية.. وقلت ربما جاء الكاتب بجديد من الإضاءات.. بعد بحث وتنقيب ربما لم يتسنَّ للسابقين إدراكَ جوْهره أو سبْر أغوارِه.
كانت الصدمة أكبر من الاحتمال، فالكاتب الذى يصفُ نفسه شيخًا يهيل التراب على الحضارة الإسلامية.. ويرى أنه لا حضارة فى الإسلام ولا إسلام فى الحضارة.. وأن الإسلام والحضارة لا يجتمعان!
مضى الشيخ يلقى الكُفر والفسوقَ والعصيان فى طرقات الحضارة الإسلامية، وأتَى على كل علماء المسلمين وكل فلاسفة الإسلام.. وكل ما أبدع المسلمون فى أزهى عصورهم.. فجعل منهم زنادقة وملحدين.. وجعل من تاريخهم وإبداعهم ابتداعًا فى الإسلام وحَربًا على الدين!
إن المكان الطبيعى والوحيد لمثل هذه الأفكار هو "سلة المهملات" ولكن صدمتى الأكبر كانت فى تلك الحفاوة الكبرى على المواقع المتطرفة بالكتاب والكاتب.. فى مؤامرة محكمة ومشروع متكامل للربط بين التخلف والإسلام!
(3)
واليوم تواجه بلادنا وهى تبنى الجمهورية الثالثة حربًا غير مقدسَّة من دعاة "البدائيّة" الذين قدِموا من غياهب التاريخ لإلغاء الماضى وإرباك الحاضر وقتل المستقبل.
ولقد كان غضب المصريين عميقًا – وبلا حدود – إزاء مظاهر التدهور الحضارى التى احتلّت واجهةَ السياسة والمجتمع بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. وكان خروج المصريين فى الثلاثين من يونيو.. بمثابة "الثورة الحضارية" بعد أن جرى اختطاف "الثورة السياسية".
كان أول أسباب الغضب هو إحساس المصريين باليأس وفقدان المعنى.. وأن حضارة بلادهم التى تمتد لآلاف السنين باتت تشهد خريفًا مفتوحًا وبلا حدود.
وإذا كان "ألبرت اشفيتسر" يقول فى كتابه "فلسفة الحضارة": "إن مستقبل الحضارة يتوقف على تغلبنا على الإحباط وفقدان المعنى" فإن "فلسفة الحضارة" كانت قائمة فى أسباب خروج المصريين فى صيف الغضب عام 2013 لإسقاط "اللا معنى".. ووقف صناعة اليأس.
( 4 )
يرى المؤرخ البريطانى "أرنولد توينبى" فى كتابه الأشهر "دراسة للتاريخ" الذى صدر فى (12) مجلدًا أن الحضارات تقوم حيث تتحدى البيئة الناس.. فيكون "التحدى” و"الاستجابة" هما ثنائية تأسيس الحضارة.
ومن المؤكد أن مصر تواجه "التحدى" فى أعلى مستوياته.. داخليًا وخارجيًا وفى صعيد السياسة والاقتصاد، وفى نطاق الأمن الاجتماعى والأمن القومى.. وفى مستوى الفكرة والحركة.
إنه التحدى الأكبر والأشمل منذ زمنٍ طويل.. ومن المؤكد أن ذلك التحدى كان وراء ثورتى يناير ويونيو.. ومن المؤكد أيضًا أنه سيكون دافعًا لـ"الاستجابة" بـ"عودة الحضارة المصرية".. واستئناف المشروع الحضارى المصرى الذى تكسّر تحت وطأة الحياة اليومية، وسطوة السياسيين ضِعاف الهمة محدودى الطموح.
( 5 )
لقد أسس الزعيم الخالد محمد على باشا الدولة المصرية الحديثة على أسس حضارية راسخة.. ونجح فى سنوات فى إنهاء عصر المماليك وإطلاق عصر النهضة.. وفى الانتقال من ظلام العصور الوسطى إلى شروق العصر الحديث.
وفى مجمل التاريخ المصرى كان دور القائد أساسيًا فى صعود وهبوط الحضارة المصرية.. وقد ظل ذلك حاصلاً على مدى أكثر من ستين قرنًا.. ومنذ أسس الزعيم الخالد الملك مينا الدولة المصرية الموحدة.
( 6 )
سيظل خصوم الحضارة فى معركتهم ضد المشروع الحضارى المصرى.. والمشروع الحضارى الإسلامى، وهنا تتأتى تحديات بناء الجمهورية الثالثة فى مصر.
وتحتاج بلادنا أن تمضى فى مربع الحضارة بخطى ثابتة.. ودون توقف.
وما أعنيه بـ"مربع الحضارة" عناصرها الأربعة.. من سياسة، ومن اقتصاد، ومن علوم وفنون، ومن أخلاق.
تحتاج بلادنا إلى جهد كبير فى مجال التنمية السياسية والبناء الديمقراطى، كما تحتاج إلى نهضة اقتصادية متواصلة تضع مصر ضمن البلدان العشرين الأقوى اقتصاديًا فى العالم.. كما تحتاج إلى إحداث نقلة كبرى فى مجال العلوم والفنون والآداب.. ذلك أن العلوم والفنون عنوان أى حضارة ابتداءً ومسارًا.
( 7 )
إن أكبر عدو يواجهنا هو الحرب النفسية التى تستهدف أن نبقى متعثرين فى أثوابنا.. جامدين فى أقدامنا.. خائفين من الزمان ومن المكان.
كان "توماس جيفرسون" يقول: "إن الشىء الوحيد الذى ينبغى الخوف منه.. هو الخوف نفسه".
إن عدوًا آخر لا يقل خطورة عن الخوف واليأس.. إنه الملل، ذلك الإيقاع البطىء فى الإصلاح والتنمية.. إنها حالة التثاؤب التى أغرقت صناعة القرار فى مصر.
إن أول شروط الحضارة كسْر البلادة وقتل الملل.
• فى تلك اللحظة الفارقة من تاريخ بلادنا.. اليأس خيانة والأمل وطن.
أحمد المسلمانى يكتب: الجمهورية الثالثة.. مقدمة فى فلسفة الحضارة.. بلادنا تواجه اليوم حربا غير مقدسة من دعاة البدائية.. وبعض الأفكار مكانها الطبيعى سلة المهملات
الأحد، 25 مايو 2014 11:43 ص
أحمد المسلمانى
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابن حيان
و قريبا جدا الجمهورية الرابعة!
عدد الردود 0
بواسطة:
D . A . H . Mostafa
ا|لإسلام الحق هو الحضارة