على الرغم مما حققته ثورة يناير 2011م من إنجازات، إذ مهدت الطريق أمام مصر لبناء ديمقراطية حقيقية ينعم فيها المواطن بالحرية والعدالة بعيداً عن القمع وكبت الحريات، وبعيداً عن الفساد والرشوى والمحسوبية التى كانت مستشرية فى جسد الدولة المصرية إبان حكم الرئيس مبارك، إلا أن ثورة 25 يناير قذفت بمصر إلى غياهب جب تحتاج فترات طويلة لاخراجها منه ، فمصر تمر بمرحلة اقتصادية صعبة للغاية فى كافة الجوانب والنواحى، الأمر الذى يلقى بظلاله على قطاع كبير جدا من الشعب المصرى، هذا الشعب الذى عانى وما زال يعانى من مشاكل المعيشة.
فلا يمكننا الحديث عن الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية بعيداً عن تحقيق التقدم والنمو الاقتصادى الذى يضمن حياة كريمة لأبناء الوطن، فلابد من أحداث التوازن الحقيقى بين الحقوق المدنية والسياسية من ناحية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى، فلا يجب أن يسبق أحدهما الآخر فليست الحرية والديمقراطية بالأساس تقود لتقدم اقتصادى والعكس أيضا، فالسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ولكننا نجد الآن النخبة الحاكمة فى مصر وأعلامها تركز بالأساس على قضايا السياسة وما يتعلق بها وتهمل الجانب الاقتصادى، على الرغم من أن ثورة 25 يناير رفعت شعار "عيش - حرية - عدالة اجتماعية"، فإن كلمتها الأولى كانت العيش أى الاقتصاد، وكلمتها الثالثة العدالة الاجتماعية فى ظل تفاوت مستويات الدخل بين طبقات المجتمع، ومن هنا باتت الحاجة ملحة للاهتمام بكافة الجوانب الاقتصادية والعمل على تحسين حياة ومستوى معيشة المواطن المصرى الذى يعانى من غلاء الأسعار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدنى مستوى المعيشة.
يرى معظم الخبراء الاقتصاديين أن مصر ستمر بما أشبه بنفق مظلم سنكون مضطرين على المرور به بشكل مؤكدا، فقد شهد الاقتصاد المصرى العديد من الإخفاقات فى كافة القطاعات فنجد قطاع الصناعة قد تأثر بشكل بالغ، فعدد كبير من المصانع يعمل بنصف طاقته نتيجة عدم انقطاع العمالة وعدم توافر الخامات ومستلزمات الإنتاج اللازمة، بالإضافة للخسائر الفادحة التى تكبدها قطاع السياحة نتيجة لأعمال العنف والقتل التى شهدتها مصر منذ ثورة 25 يناير حتى يومنا هذا، خاصة بعد تزايد حدة الإرهاب والأعمال الانتقامية التى تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بهم من سدة الحكم، فقطاع السياحة يعد قطاعاً حيوياً للاقتصاد المصرى يقدر عدد العمالة به بحوالى 1,4 مليون عامل وهو مصدر هام للعملة الصعبة، ونتيجة للأوضاع الاقتصادية المتدهورة وحالة عدم الاستقرار السياسى وانتشار العنف حدث تراجع كبير فى حجم الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى مصر، وذلك نتيجة حالة عدم التأكد التى تسود حول مستقبل الاقتصاد المصرى بعد الثورة، مما أدى لزيادة معدلات البطالة بدرجة كبيرة بعد الثورة نتيجة خروج الاستثمارات الأجنبية من مصر، والتى كانت تلعب دورا فى توفير فرص عمل وليس فقط ضخ نقود جديدة داخل الاقتصاد.
فى ضوء ما تقدم أصبح الاقتصاد المصرى بمثابة القنبلة الموقوتة أمام الرئيس القادم، والتى لابد من إيجاد مخرج حقيقى لها، فالدين العام وصل لأرقام قياسية، وتكبدت سوق رأس المال خسائر فادحة وتراجع الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى المصرى، وارتفاع معدلات التضخم وعدد الإفلاسات. ونظرا إلى أنه لا توجد دولة قوية إلا باقتصاد قوى، فالاقتصاد يأتى فى المرتبة الأولى عند حديثنا عن القوة والقدرات الشاملة للدولة، لذا على الرئيس القادم أن يضع الاقتصاد على رأس أولويات سياساته فالاقتصاد هو الحل لكل مشاكلنا.. ومن هنا كان على صانع القرار أن يتحرك على عدة مستويات للنهوض بحالة الاقتصاد المصرى، تتمثل فى زيادة الأنفاق الاستثمارى، التحول إلى التصنيع والتصدير فلا يوجد دولة متقدمة إلا وكانت صناعية حتى الدول الزراعية لا يطلق عليها دول متقدمة إلا بعدما أخذت فى تصنيع إنتاجها الزراعى.. كما يجب العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتى داخليا والعمل على زيادة التصدير بما يقلل من عجز الميزان التجارى، وعدم الاعتماد على الموارد الموسمية وقناة السويس والاعتماد على الزراعة والصناعة، والتوجه للمشروعات التنموية. كما يجب على الدولة أن تساعد على إيجاد قطاع خاص قوى قائم على المنافسة لا الاحتكار، قطاع خاص يؤدى دورا حقيقا فى تحقيق التقدم الاقتصادى، وتشجيع دخول القطاع الخاص فى مجال التصنيع، كما يجب إعادة النظر فى المصروفات العامة وترشيد الدعم.
محمود خليفة جودة يكتب: الاقتصاد ثم الاقتصاد يا سيادة الريس
السبت، 24 مايو 2014 02:09 ص