عجبك كلامى؟ اشترى..وأهل زمان يقولوا..الشارى كسبان والبايع خسران؛ ماعجبكش الكلام؟ بين الشارى والبايع يفتح الله..وربك رازق البعض من البعض، وغانى البعض عن البعض.
من يقرأ هذه السطور، يبدو له من الوهلة الأولى، أنها تحمل روح الشاعر الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم، ذاك الرجل "اللى مبيهموش حد"، فدفع مقابل ذلك ثمنًا كلفه حريته أحيانًا، وفى الحقيقة إن شخصيته التى عرفناها جميعًا، نابعة من نشأته فى قرية كفر أبو نجم، وعلاقته الوطيدة بأمه، وحجم المعاناة التى تعرض لها فى حياته حتى أصبح شاعرًا من أهم شعراء العامية فى مصر.
فى مذكراته الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، يروى نجم تفاصيل كثيرة عن حياته، بلهجة مبسطة، وأسلوب لا يخلو السباب، لكنه غير خادش، ومن الطرائف هنا، أنه يعترف فى مذكراته بأنه طويل اللسان، ويقول أن أمه هى التى شجعته على ذلك.
فيقول نجم "أنا فاكر وإحنا عيال لما كان عيل من إخواتى تصدر منه هفوه..كانت أمى تحاسبه حساب الملكين..ولكن أنا كنت داير فى خلق الله شمال ويمين..وأشخط وأسب الدين وأمى فى الطناش..وأحيانا ما تقدرش تدارى إعجابها فتضحك بفخر، وكانت تقول لى: الراجل ما يبلعش لسانه".
وهنا يتجلى منبع شخصية الفاجومى، وأسباب تأصلها فيه، بالإضافة إلى حياة أخرى انتقل إليها بعيدًا عن حضن أمه، وعن قرية أبو نجم، وهى حياته بالملجأ، التى حرمته أشياء كثيرة كان يحبها، منها اللعب مع أصحابه فى قريته، ورؤيته محبوبته الأولى، وغير ذلك فإنه لم يستطع فعل ما أراد القيام به فى الملجأ، إذ حُرم من أشياء كان يطمح لأن يفعلها.
فيقول نجم فى مذكراته "حاجتين كان نفسى أعملهم فى الملجأ، لكن الظروف منعتنى؛ الحاجة الأولى إنى أشترك فى فرقة الموسيقى النحاسية، والحاجة التانية إنى أشترك فى فرقة الموسيقى الوترية..وانقضوا العشر سنوات العجاف، وماقدرتش أحقق حاجة من الحاجتين دول، صحيح كان عندي إحساس بالظلم وسوء الحظ، لكن أمى علمتنى إن الخيرة دايما فيما اختاره الله".
ولسوء أو حسن حظه، فإن القدر جميع بينه وبين العندليب حافظ فى الملجأ، الأمر الذى كلفه معاناة أخرى، بسبب تفوق العندليب عليه فى الموسيقى والغناء، إذ يقول نجم "من حماقاتى إنى كنت عامل راسى براس عبد الحليم، اللى كان بيعزف على آلة كلارنيت، وكنت بغنى بعد عبد الحليم، لكن هو كان صوته بيقشعر جسمى، وأنا طبعا مازلت مندهش من جرأتى إزاى أغنى مع عبد الحليم؟.
3 سنين فى سجن أرميدان غيرت نظرته لمصر والحياة
تلات سنين يا أرميدان.. م العصر للعصر يقفلوك علىَّ ويناموا..مفرمة حديد عجنت عضمى على لحمى على جلدى..ورجعت شكلتنى من جديد.
هكذا يقول نجم عن حياته القاسية فى السجن، والتى كانت سببًا فى تكوين شخصيته، لكن الطريف فى الموضوع، أنه التقى فى السجن بالبطل الحقيقى لفيلم اللص والكلاب، وهو محمود آمين سليمان، ويحكى فى مذكراته كيف كان معجبًا به وبشهامته ورجولته، ويذكر أنه عندما هرب من السجن كان يتابع أخباره بإعجاب وحماس، وليلة ما مات برصاص البوليس بات السجن كله حزين عليه".
اكتشف إنه شاعر فى السجن
يقول نجم "من حسن حظى أن يكون اللواء إبراهيم عزت فى هذه الفترة هو مدير السجن، والرائد سمير هو المأمور، وكانوا بيشجعونى على كتابة الشعر، وينشرولى شعرى فى مجلة السجن، وحرضنى الرائد سمير على دخول مسابقة الكتاب الأول وجاب لى الورق على حسابه.
وفى يوم من أيام السجن فوجئ نجم بمدير السجن والمأمور دخلا عليه فى العنبر، وقدم له مدير السجن ملحق جريدة الأهرام وقرأ له خبر "قررت لجنة الشعر بمجلس الفنون نشر ديوان "صور من الحياة والسجن" للشاعر أحمد فؤاد نجم..بعد فوزه فى مسابقة مشروع الكتاب الأول"
وهو الديوان الذى كتبت مقدمته الدكتورة سهير القلماوى، وكانت بداية انطلاقة فؤاد نجم فى عالم الشعر، حيث فتح له الكثير من الأبواب المغلقة، بعد خروجه من السجن.
الفاجومى وطاهر أبو زيد
وهنا يحكى نجم كيف التقى بالإذاعى طاهر أبو زيد، بعد أن ذهب له فى مبنى الإذاعة وترك له بعض قصائده، ثم ذهب له ثانية بعد يومين، وفوجئ بحفاوته بالترحاب به، وتواعدا على اللقاء يوم الخميس فى مسرح الهوسابير، لتسجيل أول حلقة مع نجم في برنامج جرب حظك.
ويقول نجم "فى الموعد المضروب رحت لقيت قاعة مسرح الهوسابير مكتظة بالجمهور اللى فوجئ بأن فارس الحلقة مواطن ضايع، ولسة خارج بشوكه من السجن، ومسك المذيع المتمرس على النجاح الميكروفون وقال: أحمد فؤاد نجم تذكروا هذا الاسم جيدًا..هذا الاسم سيلمع ويحلق فى سماء الشعر عن قريب..وفى نهاية الحلقة قال طاهر أبو زيد "ياوزارة الثقافة..هذه موهبة حقيقية مدفونة فى التراب، فإما تحظى بالرعاية التى تستحقها، وإما تتحول لطاقة شر وسلام هدام ضد المجتمع.
اللقاء الأول بالرفيق الشيخ إمام فى ليلة من أخطر ليالى العمر
يحكى نجم كيف تعرف على سعد الموجى، الذى بدوره عرفه على الشيخ إمام وقال له "فيه عندنا راجل أنا رأيى فيه إنه فنان أصيل، لكن الناس بيقولوا عليه دقة قديمة، وأنا بصراحة عايزك تسمعه وتقولى رأيك فيه".
وتواعد نجم مع الموجى على أن يذهبا للشيخ إمام فى بيته فى ليلة من ليالى صيف 1962، ويقول نجم عنها إنها ليلة ولا كل ليلة..ليلة ما تنحسبش م العمر رغم إنها كانت أهم وأخطر ليالى العمر.
ويسطرد ذهبنا لبيت الشيخ إمام الذى دخل والنوم لسة على وشه ولابس فانلة ولباس بشباك من ورا ودخل الحمام".
وبعد التعارف والشاى والذى منه، طلب سعد الموجى من الشيخ إمام يسمعنا حاجة، فمسك العود وبدأ فى تقاسيم على العود أكدت إنه أستاذ متمكن بينه وبين العود علاقة عشق متبادل.
ويذكر نجم "بدأت أقول آه والله وأعد" واتسعت ابتسامة الموجى، وتحول وجه الشيخ إمام لوجه طفل جميل فرحان نسانى إنه كفيف.
وبعد وقت مضى فى سماع الأغانى بصوت الشيخ إمام، قرر نجم أن يبيت معه، وطوح مفتاح شقته اللى ساكن فيها من الشباك وقال "أنا قتيل هنا".
ويقول فؤاد نجم عن الشيخ إمام "أهم من العلاقة الفنية كانت العلاقة الإنسانية بينا كل يوم بتنمو وتتوثق كل يوم عن اللى قبله وبدأنا نحكى ونتحاكى"، ومن هنا كانت انطلاقة جديدة فى حياة الفاجومى، والشيخ إمام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة