تعد أزمة فيلم «حلاوة روح» للفنانة اللبنانية هيفاء وهبى، مجرد حلقة ضمن سلسلة أزمات الأعمال الفنية مع جهاز الرقابة على المصنفات المصرية الذى تم تأسيسه عام 1914، فمنذ ظهور الجهاز بدأت فكرة التدخل والمنع فى الأعمال الفنية، وتم منع العديد من الأفلام السينمائية والأعمال الفنية بحجة أنها غير لائقة، أو لا يجوز عرضها لأنها تتعرض لتابوهات دينية أو جنسية أو سياسية بها، ففى عام 1926 اﺳﺘﻄﺎع شيخ اﻷزهر أن يمنع تصوير فيلم «ﻣﺤﻤﺪ رﺳﻮل الله» ﺑﻄﻮﻟﺔ يوﺳﻒ وهبى ﺑﻔﺘﻮى ﺗﺤﺮم تصوير اﻟﺮﺳﻞ والأنبياء واﻟﺼﺤﺎﺑﺔ والتى مازالت تستخدم حتى وقتنا الحالى.
كما تم منع فيلم «ﻻشين» بطولة حسين رياض، ونادية ناجى الذى أنتج ﻋﺎم 1938 من إنتاج شركة «مصر» للتمثيل والسينما، وهى إحدى شركات بنك مصر، وأخرجه فرانز كرامب عن قصة الكاتب الألمانى فون ماين، وسيناريو ستيفن هاوس وأحمد بدرخان، وحوار أحمد رامى، وبعد أن وافقت الرقابة على عرضه فى مارس 1938، تم منعه بأمر من وزير الداخلية وقتها حسن باشا رفعت، لأنه رأى فيه مساسا بالذات الملكية ونظام الحكم، وبعد تدخل طلعت حرب باشا منتج الفيلم حفاظًا على أموال الشركة، وافق مجلس الوزراء على عرض الفيلم، والذى حقق نجاحا كبيرا بعد ذلك.
وتوالت الأفلام التى واجهت العديد من المشاكل الرقابية وطالها مقص الرقيب بالقص أو المنع أو التعديل، ومنها أعمال «ثرثرة فوق النيل»، و«ميرامار»، و«شىء ﻣﻦ اﻟﺨﻮف» الذى واجه تعسفا شديدا من الرقابة لأسباب سياسية، حيث وصفته الرقابة ﺑﺄنه يصف ﻧﻈﺎم اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺤﺎلى بأنه ﻋﺼﺎﺑﺔ وأن ﻋﺘﺮيس مقصود به الزعيم الراحل ﺟﻤﺎل ﻋﺒﺪاﻟﻨﺎﺻﺮ وﻓﺆادة ﺗﻤﺜﻞ ﻣﺼﺮ، واﺗﻔﻖ جهاز اﻷﻣﻦ والاتحاد الاشتراكى ﻋﻠﻰ منع عرض الفيلم، لكن الرئيس جمال عبدالناصر هو الذى صرح بعرضه، كما أجاز عبدالناصر أيضا عرض فيلم «يوميات ﻧﺎﺋﺐ فى الأرياف» تأليف توفيق الحكيم، وإخراج توفيق صالح، وبطولة توفيق الدقن ومحمود كامل، والذى واجه تعسفا من وزير الداخلية حينئذ شعراوى جمعة، حيث طلب من المخرج توفيق صالح ﺗﻘﺪيم فيلم قصير ﺑﻌﻨﻮان «اﻟﺸﺮطة فى ﺧﺪﻣﺔ اﻟﺸﻌﺐ» ليعرض ﻣﻊ فيلمه، وﻟﻜﻦ اﻷخير رﻓﺾ ﻟﺘﻨﺸﺄ بعد ذلك أزﻣﺔ بينهما، إلا أن عبدالناصر طلب مشاهدة الفيلم وأعجب به بل أشاد واحتفى به أيضا ورفض حذف أى مشهد من العمل.
فى حين واجه فيلم «اﻟﻌﺼﻔﻮر» للمخرج يوﺳﻒ شاهين وتأليف الأديب العالمى نجيب محفوظ بطولة محمود المليجى ومحسنة توفيق تعسفا شديدا مع الرقابة، حيث تم الاعتراض عليه عام 1970، ولم تتم إجازته إلا منتصف عام 1973 ﺑﻌﺪ توصية أحد الرقباء بحذف مشهد من الفيلم، إلا أن الرقيب الآخر رفض عرض الفيلم ليعرض بعدها ﻋﻠﻰ ﻟﺠﻨﺔ اﺳﺘﺸﺎرية من جديد والتى تؤيد قرار المنع، لكن بعد وصول الأزمة للإعلام تم الضغط وقتها على وزير الثقافة لعرض الفيلم بعد عرضه فى عدد من الدول العربية أولا ليعرض عام 1974.
كما واجهت الأزمات الرقابية أيضا فيلم «اﻟﻤﺬﻧﺒﻮن» بطولة كمال الشناوى، وحسين فهمى، وسهير رمزى، اﻟﺬى أنتج ﻋﺎم 1976، حيث وقعت بسببه أول حادثة من نوعها فى تاريخ الرقابة، فلأول مرة تتم محاكمة موظفى الرقابة بأمر من الرئيس محمد أنور السادات لموافقتهم على عرض الفيلم، وتم وصف الفيلم بأنه ينطوى على تشويه للمجتمع المصرى، لأن أكثر من نصف مشاهد هذا الفيلم تخدش الحياء العام، حيث كانت تدور قصة الفيلم حول مقتل فتاة ليل، ويتم التحقيق مع كل من كان له علاقة بها ومنهم رجال دولة، ولذلك رفض التليفزيون المصرى عرض هذا الفيلم حتى الآن.
وتعرض أيضا فيلم «الكرنك» بطولة سعاد حسنى وكمال الشناوى ونور الشريف لهجوم شديد لما استعرضه الفيلم من سلبيات ثورة 23 يوليو والتعذيب الذى كان يحدث للمعتقلين وقتها، ولم يعرض الفيلم إلا بعد تدخل الرئيس محمد أنور السادات وإجازته لعرض العمل.
كما واجه يوسف شاهين مشكلة أخرى مع الرقابة بسبب فيلمه «باب الحديد»، فبعد حصول شاهين على موافقة على سيناريو الفيلم أرسلت الداخلية خطاباً إلى الرقيب نعمان عاشور رئيس الرقابة وقتها يحثه على رفض التصريح بأفلام تعالج القضايا العمالية، وذلك بعد ثورة عمال كفر الدوار وإعدام 2 منهم، وبعد احتجاج شاهين ومحاولاته العديدة تم السماح بعرض الفيلم، وأيضا تعنت جهاز الرقابة مع فيلمه "المهاجر" ورفضت عرضه، ونصفه القضاء فيما بعد وتم عرض العمل.
كما تعرض فيلم «زائر الفجر» بطولة عزت العلايلى وماجدة الخطيب للمنع أيضا بعد عرضه لمدة أسبوع واحد فقط، وأصيبت الفنانة ماجدة الخطيب بصدمة شديدة، حيث إن الفيلم كان من إنتاجها، فحاولت ماجدة مقابلة الرئيس السادات لتطلب منه إجازة الفيلم لكن هذا لم يحدث، حيث إن الفيلم كان يحتوى على جرعة سياسية قوية جدا لم يكن يتحملها المجتمع حينها، وهو الأمر الذى دفع مخرجه ممدوح إلى الاكتئاب وأهمل فى صحته حتى وافته المنية قبل أن يشهد التصريح بعرض فيلمه بعد حذف العديد من المشاهد منه، وأيضا فيلم "خمسة باب" بطولة عادل إمام ونادية الجندى والذى تم رفعه من دور العرض بعد عرضه بعدة أيام واحدث ضجة كبيرة على الساحة الفنية وقتها.
وواجه فيلم «البرىء» والذى كان الفيلم الأجرأ سياسيا والذى كتبه الكاتب الكبير وحيد حامد وقدمه العبقرى الراحل أحمد زكى، صعوبات أكثر، حيث رفضت وزارة الدفاع عرض الفيلم، بعد أن تقدم أحد الأشخاص بشكوى يتهم فيها صناع الفيلم بتصويره داخل معتقل حقيقى، وهو ما يعد إفشاء لسر عسكرى، وظل الفيلم ممنوعا من العرض لأكثر من 20 عاما إلى أن عرضته وزارة الثقافة منذ عدة سنوات فى افتتاح المهرجان القومى.
كما اعترضت الكنيسة على فيلم «بحب السيما»، حيث طالبت بمشاهدته قبل السماح بعرضه، وهو ما قوبل بهجوم عنيف من الأوساط الثقافية والسينمائية، ولم تنته الضجة إلا بعدما تراجع رئيس الرقابة وقتها مدكور ثابت عن موقفه، واشترط أن يكون «للكبار فقط»، كما اعترضت الكنيسة أيضا بعدها على فيلم «واحد صفر» الذى يتناول قصة امرأة مسيحية تطلب الطلاق من زوجها، مما يدفع المرأة إلى الدخول فى علاقة عاطفية مع شاب مسيحى فتحمل منه، وبذلك تضطر الكنيسة إلى تطليقها من زوجها لأنها تجيز حالات الطلاق فقط فى حالة الزنا لكن فى النهاية تم عرض الفيلم أيضا.
ويتضح من خلال مشاكل الأفلام السينمائية منذ البداية مع الرقابة على المصنفات الفنية أن الأفلام هى التى تنتصر فى النهاية، ويتم عرضها حتى بعد المنع ولو لعدة سنوات، ففى النهاية ينتصر العمل الفنى ويتم عرضه ويحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة، حيث ينتظر الجمهور مشاهدة ما الذى تم منعه ولماذا منع، فهل سيأتى يوم تنتهى قصة منع الأعمال الفنية ووجود مقص الرقابة الذى يسلط على أشرطة الأعمال الفنية، وذلك فى ظل الاتجاه الحالى لإعادة هيكلة جهاز الرقابة، وذلك وسط تساؤلات داخل الوسط الفنى عن جدوى وجود جهاز للرقابة فى زمن تتطور فيه التكنولوجيا يوما بعد الآخر، وفى عصر باتت شبكة الإنترنت متنفسا للحرية ولعرض الأعمال التى تمنعها أجهزة الدولة، فهل يأتى الوقت الذى يكون فيه الإنسان هو رقيب ذاته، ويتم فقط الاكتفاء بوضع تنويهات عمرية على الأفلام والأعمال الفنية، لينتهى وجود الرقابة بعد 100 عام من الأزمات المتكررة.
بعد رفض لجنة التظلمات لـ"حلاوة روح" ولجوء السبكى للقضاء.. تاريخ المعارك الفنية مع المنع.. "المهاجر" أنصفه القضاء.. وطلعت حرب أجاز "لاشين".. وعبد الناصر عرض «شىء من الخوف».. والسادات يسمح بـ"الكرنك"
الإثنين، 19 مايو 2014 06:23 م
مشهد من حلاوة روح
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة