نقلا عن اليومى..
فى كتابه الهام «وعاظ السلاطين» وفى الفصل العاشر منه، الذى سماه «طبيعة الشهيد» يسطر الدكتور على الوردى عالم الاجتماع العراقى الأشهر، بعض العبر والفوائد حول بعض محطات الصراع بين الثورة والدولة، عبر استقراء تاريخ الثورات فى تاريخنا الإسلامى يقول «إن تاريخ الإسلام أمسى ميدانا للنزاع بين ملوك وثوار، أولئك يبنون وهؤلاء يهدمون! ولا ندرى أين ينتهى بهم المطاف؟».
قد يعتقد البعض أننا بهذا النص ننتصر للثورة أو عليها، وفى الحقيقة ليس هذا مرادى وهو ما لم يقصده بالطبع الدكتور الوردى، لكنه فقط يرصد التاريخ من تلك الزاوية باعتباره صراعا بين قوى اجتماعية تعانى الفقر والقهر، مع قوى أخرى تريد الاستئثار بكل شىء، وهى لا تعدم وعاظا يهذبون لها تطلعات الفقراء ومحاولة إسكات بطونهم الجائعة بالحديث عن جزاء الإخرة لمن صبر، فالدنيا للمترفين ومن شايعهم، وعلى الفقراء أن ينتظروا الآخرة هذا هو ديدن ما سماهم وعاظ السلاطين، من درجوا على تخدير وعى الجماهير، بالحديث عن الاستقرار والعافية فى طاعة السلطان، الذى من حقه أن يقسو لكن ليس من حق الجماهير أن تشكو أوتخرج عليه، فهو فى كل الأحوال مسلح بالقوة والسلطان والعدد والعدة، وأى خروج عليه هو شكل من أشكال الانتحار وتفريقا لجماعة المسلمين، تماما كما اتهم البعض الحسين رضوان الله عليه واعتبروه أخطأ بالخروج على بنى أمية.
بالطبع ليست كل ثورة هى ثورة تنتصر لمبادئ الحق والعدل والخير فكم من جرائم ترتكب أحيانا باسمها كما قالت إحدى زعيمات الثورة الفرنسية «أيها الثورة كم من الجرائم ترتكب باسمك». يعقب على الوردى بعد ذلك قائلا «لو أن الناس جميعا اتبعوا نظرية التجار التى جاء بها الخضرى وابن خلدون، لوقف التاريخ ولما رأينا اليوم شيئا اسمه ديمقراطية، فالديمقراطية قامت على أكتاف الشهداء الذين ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة على توالى الأجيال».
ينهض الثائر ثم يموت فيثير بموته ثوار آخرون، وبهذا تتلاحق قافلة الثائرين جيلا بعد جيل وهم فى كل مرة يضيفون إلى شعلة النور لهيبا جديدا. ويكمل قائلا «ليس غريبا أن يشجب الثورات رجل عاش فى القرون الوسطى، إنما الغريب كل الغرابة أن يشجبها من يعيشون فى القرن العشرين».
كل ثورة ومعركة جرت فى تاريخنا هى ظل لهذا التدافع الذى بدونه تفسد الأرض «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض» ولكن خبرة الأمم التى تقدمت طورت هذا التدافع لصيغ سلمية، توفر الوقت والجهد والعمر فى آليات الديمقراطية، ورحم الله الشيخ الغزالى الذى قال «كثيرا ما رمقت المعارك الداخلية فى تاريخنا الإسلامى ثم حدثت نفسى: ماذا لو أن النزاع بين على ومعاوية بت فيه استفتاء شعبى، بدلا من إراقة الدم، ولو سلمنا بأن الأسرة الأموية تمثل حزبا سياسيا له مبادئ معينة، فماذا عليها لو تركت آل البيت يكونون حزبا آخر يصل إلى الحكم بانتخاب صحيح، أو يحرم منه بانتخاب صحيح؟ قال لى متعالم كبير: «إن الانتخابات بدعة قلت له وسفك الدماء واستباحة الحرمة هو السنة».
لابد أن نعترف بأننا أنفقنا عشرات السنين فى معارك استهلكت أعمارا أجيالا، دون أن نطور نظرية سياسية للحكم، وظللنا نكرر مفردات ومفاهيم عن تلك النظرية الغائبة، ولم يتقدم بهذا النموذج حتى الإسلاميون الذين وصلوا للحكم فقدموا نموذجا مبتذلا ادعوا فيه الانتصار لقيم الثورة التى تنحاز للفقراء والمهمشين، لكنهم حاولوا إنتاج نفس الصيغة القديمة لنفس الدولة التى ثار عليها الناس، إن قيمة الثورة والاستشهاد من أجل المبدأ ستبقى ولكنها تحرم المجتمع فى تقديرى من مواطن العافية فيه، هؤلاء الأحرار الذين لا يتخلون عن المبادئ ويعيشون من أجلها ويضحون بأنفسهم فى سبيل تمكينها إخلاصا للحق وللخير والجمال، أنا أضن بهؤلاء أن تذهب أرواحهم الطاهرة ويتركون الأرض كلأ مباحا للمترفين والظالمين، لماذا لا يفكر هؤلاء فى أن يكونوا حزبا حقيقيا يترجم تطلعات قوى اجتماعية موجودة ولديها الرغبة فى التغيير، ولا تريد أن تكون جزءا من خطة ركود بدواعى الاستقرار، أو شهود زور على فساد جديد بدعوى التنمية، لن يستقيم أمر هذه البلاد إلا إذا تصالحت الثورة مع السياسة، وتوقفت تلك الحرب الممتدة عبر تاريخنا بين المترفين والأحرار، لن يتصالحا إلا إذا شعر كل فريق بأنه لن ينجح فى القضاء على الآخر، ومن ثم يبدأ الحوار فالتفاهم فالتعاون ثم الاحتكام إلى ضيغ عادلة للمنافسة السياسية وتداول الحكم بما ينتج واقعا أقل وطأة، يسمح بالانطلاق الذى هو من صالح مصرنا المنهكة التى لم تعد تحتمل صراعا جديدا، ولا دماء عزيزة علينا جميعا.
أحمد بان يكتب :هل تتصالح الثورة مع الدولة؟..لماذا لا يكون الثوار حزبا يترجم تطلعات قوى اجتماعية موجودة؟
السبت، 17 مايو 2014 09:01 ص
ميدان التحرير - صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة