طرقت آذاننا فى الآونة الأخيرة كلمة غريبة تتحرش بأعيننا وآذاننا، ورأينا بأم أعيننا مشاهد سجلتها كاميرات الفيديو بالصوت والصورة، تمثل تحرش الذكور بالإناث فى الطريق العام بشكل يخدش الحياء، ولا أعرف على وجه التحديد حياء من .. ومن الخادش ومن المخدوش الحقيقى والفعلى, من الجانى ومن الضحية.
والتحرش لا يتوقف عند هذا الحد، فقد سبقه من قبل التحرش اللفظى..كفرض ألفاظ معينة قد تخدش الحياء وقد لا تخدشه, فرض شىء على الآخر يعتبر نوعاً من التحرش, وليس من الضرورى أن يكون المُتحرش به ُأنثى أو ذكر، فلا يرتبط التحرش بالنوع بالضرورة.. قد يكون التحرش فى كتابة نص كإقحام عبارة لا تناسب السياق ولا الأذن, ركيكة فى معناها وموحية فى الوقت ذاته بما يؤذى الأذن وما استقر فى الوجدان، فالعبارة ليست فى مكانها الطبيعى, وقد ينتاب الإنسان نوعا آخر من التحرش النفسى كالقلق والوسواس يوسوس فى صدور الناس قد لا يستطيع المرء أن يغالبه.. هذا بخلاف التحرش الفكرى، كأن تلج عليك فكرة لا تستطيع مقاومتها, تخايلك وتراوغك وتراودك وتلح عليك فتستجيب لها، وقد تقودك لتغيير أمة بأسرها أو تقودك إلى الهاوية، فليس هناك أخطر من فكرة آمن بها صاحبها وسعى إلى تحقيقها, وللتحرش صور اُخرى منها ما يرتبط بالألوان والزخارف التى تقتحم العين بلا استئذان.
وكذلك الضوضاء المنبعثة من كل مكان وعدم التناسق والتوازن وانعدام العدالة أيضاً بين الفقراء والأغنياء, تلك الفجوة تخلق نوعاً من التحرش الدائم بالفقراء, إن افتقاد العدالة يؤجج فيهم مشاعر الحقد تجاه من يشاركهم الخبز ولا يشاركهم الألم, وهناك نوع غريب يتمثل فى التحرش الدينى وهو المغالاة والشطط والتطرف فى الفكر بدعوى التدين، فالدين يسر لا عسر, الدين وسطى لا يعرف المغالاة.
فالمبالغة فى أشياء قد تخفى أشياء, تلك المبالغة وذاك التطرف يخلق نوعاً من التحرش لدى المعتدلين, وقد تساهم الدولة فى انتشار ظاهرة التحرش بالصمت حيناً وأحياناً بالمشاركة، فالعشوائيات وانعدام الخدمات وافتقاد مظاهر الجمال والتعدى على شريان الحياة الرئيسى للمصريين تمثل نوعاً من التحرش, التعدى على نهر النيل يعتبر تعديا على المقدسات لو كانوا يعلمون, العشوائية فى سلوك الأفراد وموقف الدولة يعد أيضا تحرشاً, وقد يمتد التحرش إلى مستوى الدول, فنرى تحرشات فى المناطق الحدودية أو تمويل إحدى الدول لجماعة معينة فى دولة ما لإحداث قلاقل فى النظام السياسى لهذه الدولة أو تلك بدعوى نشر الديمقراطية، وقد يأتى التحرش بدعوى حماية الأقليات والحريات العامة، وقد يكون فى صورة دعم مادى وسياسى لدولة محتلة أو دعم وإقامة مشروعات فى إحدى الدول، بهدف حصار دولة ُأخرى والإضرار بمصالحها.. هذا أيضا ً من التحرش فالتحرش درجات ربما يبدأ بكلمة وقد ينتهى باحتلال دولة.
أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة