"بصوتى دوما أتمنى أن أسرد الحكاية، ليست حكاية بل هى حكايات.. مثقل أنت يا قلب بوجع الصدمة ومرارة الفجأة، أنا فى سجن النساء"، هذه هى مقدمة أحد كتب نيرمين البحطيطى المرأة الحديدية، التى استطاعت بمفردها تحويل ما هو كارثى دخل سجون مصر إلى واقع يمكن التعايش معه بتحسين أوضاع السجون أثناء تواجدها بها.
وبعد خروجها لم تكتف، بل جعلت من مساعدة المساجين هدفا لها عقب تجربتها، عن طريق مبادرة لإعادة تأهيل المفرج عنهم ودمجهم مجتمعيا، فتمكنت من مساعدة أكثر من 70 حالة من النساء والرجال لبدء حياة جديدة ومنع عودتهم إلى الجريمة، بتأهيلهم نفسيا على يد مختصين، وبمشاريع صغيرة تحت إشرافها، ودونت أيضا كل هذا فى كتاب صدر منه عدة طبعات وأتبعته بجزء آخر وأسمته "مسجونة احتياطى".. المرأة الحديدية أو نرمين البحطيطى، كان لـ"اليوم السابع" معها ذلك الحوار.
من أنت وما هى أسباب دخولك السجن؟
نرمين البحطيطى، سيدة مصرية، عانيت الكثير من مشكلات خاصة بطلاقى، مما استدعى وجود مشاكل أسرية عميقة، أدت إلى سجنى بنهاية المطاف، نتيجة لإهمال محامى قضية خُلعى، من حيث إنهاء إجراءاتها بصورة سليمة، فتم سجنى احتياطيا لمدة عام، وحصلت على براءة فى عدد من القضايا، وحكم عام بسبب بعض الأوراق التى تم التلاعب بها بواسطة المحامى.
ما هى المشاكل التى اضطررتى إلى مواجهتها أثناء مرحلة السجن؟
مشاعر الصدمة والشعور بالعجز والظلم، ثم ما ألمنى كثيرا ولم استطع تحمله، فى بداية فترة الاحتجاز، هو كم المشكلات التى تعانى منها أماكن الاحتجاز بمصر، من كثرة أعداد السجينات، وعدم وجود سجون آدمية، يستطعن الحياة بها، خاصة اللواتى كن غير جنائيات.
هل كان لك دور ما فى مناهضة تلك البيئة داخل السجن؟
نعم، حيث استطعت خلال فترتى تقديم شكاوى لقطاع مصلحة السجون، عن طريق أصدقاء، ومحامين كانوا يوالون زيارتى مع أسرتى بكل المساوئ التى يعانى منها سجن "بورسعيد العمومى" التى احتجزت به ذلك الوقت، ولغرابة الأمر، استجابت مصلحة السجون لشكواى، وربما كانت المرة الوحيدة التى تجاوبت فيها المصلحة مع شكوى سجينة، بسبب نشرى تلك الشكاوى فى عمود بالصحافة.
إذن كيف استطعتى تحويل تلك المتاعب إلى قصة نجاح؟
من خلال تكرار الشكوى التى تقدمت بها إلى مديرى السجن، والضغط الإعلامى عبر مقالات كنت أرسلها إلى بعض الجرائد، ونجحت فى ذلك، حيث تم تحسين حال السجينات بالداخل، وتمثل ذلك فى إعادة طلاء السجن، وتخصيص طبيب لمتابعة السجينات يوميا، كما تم إدخال أسرة إليهن بعد أن كن ينمن على الأرض، أيضا إدخال تدفئة للمياه بواسطة سخانات ركبها القطاع، من هذا نَمت إلىّ فكرة تملكتنى ألا وهى "بعد خروجى من السجن لابد من مواصلة تغير حياة السجينات للأفضل" .
ما الذى فعلتيه بعد خروجك من السجن ومن ساعدك؟
انتميت إلى إحدى المنظمات الحقوقية "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حيث دربتنى على كل ما يتصل بنشر حقوق الإنسان، وكل الاتفاقات الدولية الموقعة عليها مصر وملزمة بتطبيقها داخل وخارج السجون، كما تدربت أيضا على العمل الحقوقى بصفة عامة, ساندتنى المبادرة عندما أبديت الرغبة فى إنشاء منظمة حقوقية داخل محافظة الشرقية، تقدم الخدمة للمفرج عنهم من سجون الزقازيق والإسماعيلية وبورسعيد، وقررت أن يكون هدفى الأوحد إعادة بناء حياة المتضررين من الاحتجاز قانونيا، بإنهاء كافة القضايا المتعلقة بهم، وإصدار بطاقات شخصية لهم، وتأهيلهم نفسيا تمهيدا للدمج المجتمعى الكامل، والذى ينتهى بإقامة مشروع صغير يستطيعون منه الحياة بعد لفظهم من بيئتهم بسبب تجربة السجن.
ما هى إنجازات المبادرة التى قمتى بإنشائها؟
خلال العام الماضى تم تأهيل نفسى لأكثر من 70 حالة مفرج عنها، كما قمنا بعمل ما يزيد عن 15 مشروعا للحالات المنتهية من التأهيل النفسى، بين محلات ملابس ومراكز تجميل، ومحل صناعة "الموبيليا"، أيضا مشروعات تثمين عجول وإنتاج ألبان بشراء المواشى، وإعطائها إلى نساء القرى.. استطعنا إصدار عدد عشرين بطاقة شخصية، وإنهاء إجراءات 5 جوازات سفر، لمن دربن على مهن أهلتهن للسفر خارج البلاد، إلى جانب الدفاع عن عدد 30 سجينة من الغارمات بالتفاوض مع الدائنين ومساعدتهن على إنهاء القضايا الخاصة بهن، والتى كانت تتسبب فى إعادة سجنهن مرة أخرى.
من أين تحصلين على هذه الأموال التى تساعدين بها المحتجزين أو المفرج عنهم؟
من خلال عملى الحقوقى تعرفت على عدد من المنظمات التى تعمل بمجال حقوق الإنسان خار، وتقدم منحا للفقيرات، تقدمت بمشروع لمساعدتهن إلى منظمة العفو الدولية، وبدورها وافقت على قيامى بعمل عدد من المشروعات مع السجينات المفرج عنهن.
منذ متى وأنت تعملين بذلك النشاط وهل لديك تعاون مع جهات حكومية؟
منذ عام تقريبا، تمت مخاطبة أكثر من جهة حكومية للتعاون معى على رأسها وزارة الداخلية وقطاع مصلحة السجون، ووزارة التضامن الاجتماعى، وكذا المجلس القومى لحقوق الإنسان وخاصة حينما استطعنا فى مؤسستى القيام بتنفيذ برنامج نفسى للتعامل مع المفرج عنهن، وإعادة دمجهن مجتمعيا (برنامج نفسى متعدد المحاور للدمج المجتمعى ومنع العودة للجريمة)، وثبت نجاحه مع عدد كبير من الحالات، وتم تحكيمه وتصميمه بواسطة أطباء نفسيين متخصصين، وقمت معهم بتدريب الفريق العامل بالمؤسسة.
وحاولت تقديم خبراتنا فى إعادة التأهيل النفسى للمفرج عنهن إلى جميع الوزارات والهيئات التى تهتم بمنع الجريمة، وتحويل السجين إلى فرد منتج صالح مجتمعيا.
هل لك تجارب فى مجال الكتابة بعد تلك المقالات نشرتيها أثناء فترة سجنك؟
نعم كانت لى أكثر من تجربة للكتابة، إحداها خاصة بقصص السجينات داخل السجن، والأخرى ملحق للكتاب أيضا يحكى قصة نجاحى مع عدد من الحالات التى قمنا كمبادرة بمساعدتها.
ما هى رسالتك فى هذا الكتاب؟
كتابى صرخة ونداء إلى كل مهتم بمنع الجريمة وتحسين ظروف المحتجزين ونشر حقوق الإنسان، وتغيير منظومة العنف المجتمعى المتزايد، وهو محاولة منى لتقديم خدمة لكل الجهات التى ترغب فى نشر العدل والأمان وإيجاد فكر حقوقى يسمح لحالات السجناء بالدمج المجتمعى الكامل.
ما هى المشاريع القادمة التى تسعين لتحقيقها؟
أسعى الآن إلى إنشاء ملجأ أمن للنساء بلا مأوى بعد خروجهن من السجن، ومساعدتهن فى الحياة بكرامة ومنع عودتهن إلى الجريمة ولفظهن مجتمعيا.
هل يمكنك وصف مدى المعاناة التى واجهتها وتغلبت عليها بعد خروجك؟
ساعدنى أبنائى وأسرتى كثيرا فى تحمل فترة الاحتجاز وما بعدها، حيث إننى مثل مئات من النساء اللواتى اتهمن ظلما، ولم يستطعن إيجاد عمل بعد خروجهن من السجن، أنا أيضا لم استطع العودة لعملى الحكومى حتى تاريخه, كما أننى أعانى من تبعات الحكم الذى عانيت منه ظلما بمنع سفرى خارج البلاد، مما أثر على قدرتى على نشر برنامجى الحقوقى والاستفادة من تجارب دول أخرى ومنظمات حقوقية عالمية، لإعادة تأهيل المفرج عنهن نفسيا، وإنشاء مشروعات لهن.
وبرغم كل معاناتى مع المجتمع والبيئة المحيطة، قمت بالتغلب عليها ببرنامج نفسى حول عدم الشعور بالوصمة المجتمعية، نقوم بتنفيذه مع المفرج عنهن أيضا.
وسط هذه الظروف الصعبة التى مررت بها ما هو الحافز الحقيقى وراء نجاحك؟
كانت مساعدتى للناس هى السند الذى أعطانى القوة لأستمر وأتحمل ولا أهتم إطلاقا بكل محاولات الهدم، فتغيير حياة الآخرين إلى الأفضل هى الهدف الأسمى، ولدى دوما يقين أنه حينما نساعد الناس سنجد يوما ما من يساعدنا، وأن التغلب على عقبات الحياة هو هدف فى حد ذاته ونوع من المقاومة لكل ظلم وشعور بالعجز.
المرأة الحديدية.. "قاهرة السجن والسجان" نرمين البحطيطى لـ"اليوم السابع": سجنت عاما "احتياطياً" بسبب قضية "خلعى".. سجوننا غير آدمية.. وساعدت 70 سجينا وسجينة بتأهيلهم نفسياً وبالمشاريع الصغيرة
الثلاثاء، 13 مايو 2014 05:29 م
نرمين البحطيطى خلال حوارها لـ"اليوم السابع"