خرجت جماعة من اليهود بنسائهم وأولادهم إلى ميناء بولاق، وتوجهوا منه إلى ميناء الإسكندرية، ومنه إلى "استانبول" عاصمة الدولة العثمانية، وذلك تنفيذا لقرار السلطان العثمانى "سليم الأول" بترحيل العمال المهرة فى كل أنواع الحرف من مصر، وامتد إلى القضاة والشيوخ، مما كان له أكبر الأثر فى وقف تطور الحياة بمصر.
لم يكن اليهود وحدهم ضمن الفوج الأول فى الترحيل الذى بدأ فى مثل هذا اليوم "10 مايو 1517"، وإنما شمل مسلمين ونصارى من البنائين والنجارين والحدادين والمرخمين والمبلطين، ومر هذا اليوم بهدوء، لكن الأحزان والآلام كانت لدى الجميع لإخراجهم من بلادهم إلى بلد أخرى لا يعرفون مصيرهم فيها، وفى اليوم التالى الذى كان سيرحل فيه فوج آخر من القاهرة إلى الإسكندرية، ومن ضمنه قضاة، حدث ما يؤكد أحزان المصريين من قرار "سليم الأول"، ويتحدث الكاتب والمؤرخ "حلمى النمنم" عنه فى كتابه "جذور الإرهاب- أيام سليم الأول فى مصر"، ففى اللحظة الأخيرة اعترض اثنان من القضاة على السفر كل بطريقته، وكان أحدهما شافعيا، والثانى حنفيا.
كان القاضى الشافعى اسمه "شمس الدين الحلبى"، أراد ألا يسافر فأعلن ذلك صراحة، فتم حمله عنوة من بيته إلى بولاق، حيث السفينة التى ستقله إلى الإسكندرية، وأوسعه العثمانيون ضربا، وأنزلوه إلى المركب رغم أنفه، وكان ذلك بمثابة تأديب عنيف له.
أما القاضى الثانى "الحنفى" هو "بدر الدين ابن الوقاد"، فاختار طريقا آخر وأسلوبا مختلفا فى الاعتراض، حيث اختفى تماما عن الأنظار، وبحث عنه العثمانيون فى كل مكان وفشلوا فى الوصول إليه والإمساك به، وربما يكون هذا الرجل قد خرج من القاهرة كلها إلى أى مكان آخر فى مصر، أو بقى فيها، لكنه عاش باسم مستعار مع تغيير فى هيئته.
واغتاظ العثمانيون من هروبه فقرروا معاقبة الضامن له، وكان يدعى "يونس" ويعمل "نقيب الجيش"، ويقول "ابن زنبل" أحد أبرز مؤرخى هذه المرحلة عن ذلك: "حصل نقيب الجيش من الدفتردار مالا خير فيه وبهدلة، وهم بضربه"، وبالطبع كان هذا العقاب دافعا إلى أن يكون الضامنون وسيلة رقابة صارمة على من يضمنونهم.
قدر عدد الذين تم إخراجهم من مصر بـ"1800"، وفى تقديرات أخرى بعدة آلاف، ووفقا لتلك التقديرات كان عدد سكان القاهرة قرابة 250 ألفا، وبخروج هذا العدد انهارت الصناعات والحرف فى مصر، بالإضافة إلى أن هناك خمسين صنعة تعطلت وبطلت أثناء وجود "سليم الأول" فى مصر.
فى دراما هذه القصة هناك روايات يذكرها مؤرخو هذه المرحلة، منها أن إحدى السفن التى كانت تقل المصريين غرقت بعد سفرها من الإسكندرية ولم ينجح منها أحد من ركابها، وغرق نحو 400 منهم جماعة من الأعيان، وهناك رواية عن أنه بعد عام أحضر شخص عثمانى إلى القاهرة خطابات من المرحلين إلى أهاليهم كلها لوعة وأسى، وقالوا إن الكثير منهم توفوا فى استانبول، وفى كل الأحوال أدى هذا القرار إلى تأخر مصر كثيرا.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 مايو 1517.. ترحيل أول فوج من المصريين المهرة إلى استانبول وملاحقات لقضاة هاربين
السبت، 10 مايو 2014 07:57 ص
سعيد الشحات
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة