فى وطن آخر غير وطنى
كنت جالساً بأحد المقاهى أرتشف بعض القهوة صباحاً
لا أريد التفكير فى أى لحظة قد مضت من كثرة ما أثقلتنى به الحياة من أعباء قد للأسف حملتها بلا مبرر
لا أريد أن أفكر فى ماذا يحدث بالأيام القادمة.. فلا أسمح أن يستحوذ على فى تلك اللحظات ذلك الملعون القلق
استقرت أنفاسى بصدرى وهدأت هدوءًا جميلا رسمت ملامحى مستريحة, وكأنى أتحسس الحياة من جديد
ولم أشعر أنى فى تلك اللحظات أنى طفل بل شعرت كأنى فى قلب الوجود جنين
ألححت على رغبه فى الابتسامة كى أبتسم فابتسمت نصف ابتسامة جعلتنى أشعر بانتصار ليس مزيفا, فقد تبدلت الحياة بداخلى إلى كل مشاعر التفاؤل من عدم
ما أخذ نظرى هو ذلك المحل الهولندى البائع لزهور التيوليب الجميلة النادرة أمامى
تساءلت مستعجباً رغم علمى
..!! ألا يزال هناك من يشترى الأزهار
تردد على المحل شاب وسيم بأطراف أصابع يديه فتاة جميلة, بالتأكيد حبيبته
وهذه طفلة تشترى واحدة لأمها
وامرأة تشترى لأطفالها
وعجائز يتسندان كلاهما على الآخر فى خطوات بطيئة متعرجة إلى المحل بعدما جذبت زهور التيوليب أرواحهما الجميلة إليها
مع كل ذلك العنف الذى يحدثه البشر فى قلب العالم.. ومع كل ذلك الصراع الذى يملأ الوجود.. ومع كل ذلك
ألا يزال هناك من يشترى الأزهار ؟؟
انتقل شعورى من السعادة إلى نشوة الاطمئنان التى أحدثته تلك المشاهد
أصبحت لا أريد التفكير ولا التحدث ولا أريد أى شىء
حقاً لا أريد
وكأن روحى تصلى فى خشوع
إنه سحر سلام النفس
تركت مكانى وذهبت ولم أعد أتوقع أبداً أنه بعد عدة سنوات مليئة بالأحداث والضجيج والانفعالات والمعاناة أحياناً, تأتى بى الأقدار مرة أخرى لتلك الأرض البعيدة وذلك المكان, أرتشف القهوة صباحاً على نفس المقهى مندهشا بوجودى ثانية هنا وكأنها غمضة عين
لكن ما زاد من اندهاشى أكثر بكثير
أن أجد أنه لا يزال هناك من يشترى الأزهار
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة