تعتبر القيم من أهم القضايا التى تشغل الفكر الإنسانى منذ القدم، لما لها من أهمية فى حياة الفرد ومسيرة المجتمعات، إلا أن هذا الاهتمام قد تزايد وأخذ طورا جديدا فى الآونة الأخيرة، بتزايد التحديات وتنامى الظروف الضاغطة، وبحيث أصبحت القيم وسائر العناصر الثقافية للمجتمع من المستهدفات الرئيسية، لكل محاولات السيطرة والغزو.
فقد ذهبت الدول الكبرى إلى أن الغزو العسكرى قد ذهب أوانه، وإن أفضل أنواع الغزو الآن هو الغزو الثقافى، لأنه يأتى بنتائج أكثر إيجابية وبتكاليف أقل بكثير، وأول من أدركت هذا هى الولايات المتحدة الأمريكية، فقامت بنشر ثقافتها فى كل أنحاء العالم، وخاصة الدول التى ترتبط معها بمصالح اقتصادية، فأصبحت المأكولات السريعة ولبس الجينز وشرب المشروبات الغازية، وحتى طريقة التفكير تجتاح العالم كله.
واهتمت بفئة الشباب، وخاصة هؤلاء الشباب الذين سوف يصبحون فى مراكز قيادية فى دولهم، وبتغيير نمط وثقافة هولاء الشباب يكون من السهل السيطرة عليهم وعلى دولهم، وكانت من أهم أسلحتها للغزو الثقافى هى الفضائيات، فنرى انتشار الفضائيات بكثرة وفى غياب دور الدولة، نرى الفضائيات التى تلهث وراء المكسب السريع لا تعير اهتماما بقضية القيم.
وبالسيطرة على الفضاء، سواء عن طريق الإنترنت أو عن طريق القنوات تكون مهمتها سهلة للوصول السريع، لضرب قيم المجتمعات، ونجد أنفسنا نتعرض لمهب رياح قيمية تتعارض مع قيمنا الشرقية أو مع قيمنا المستمدة من الأديان، سواء الإسلام أو المسيحية، ونجد أنفسنا أمام برامج منقولة من الغرب وتتعارض مع قيمنا وأخلاقياتنا .
وبوجود مفاهيم جديدة مثل العولمة التى أراها قد وضعت لضرب قيم المجتمعات الشرقية، وخاصة تلك القيم التى تودى إلى تماسك المجتمع وبقائه، فإذا كان للعولمة وجه مشرق فى نظر البعض، بما تتيحه من فرص واستثمارات، فإن لها أيضا وجهها المظلم الذى ينطوى على كثير من السلبيات والمخاطر، فالعولمة الثقافية ليست سوى سيطرة الثقافة الغربية والأمريكية على سائر الثقافات، وكذلك السيطرة على أذواق الناس وأنماط حياتهم على مستوى العالم.
ونرى أن الفضائيات تلعب على العنف والإثارة والجنس لجذب مشاهديها، وهى على استعداد أن تقوم بنشر الأكاذيب والخرافات لجذب المشاهدين، ونجد أنفسنا أمام فضائيات لا تهتم بالقيم الأخلاقية للمجتمع أو للأديان فى سبيل أن تكون قنواتها هى الأعلى مشاهده، ونجد أن بعض القنوات تقوم بذلك وفق أجندة خارجية تسير عليها لتنفيذ مخططات خاصة بها وبدولها الراعية لها.
وأن بعض القنوات تفعل ذلك من تلقاء ثقافة مالكيها، التى تعلموها فى الخارج، واعتقدوا فيها وأمنوا بها أكثر من ثقافتهم وأصولهم، ونجد مصطلحات يتم إبدالها لكى تكون مقبولة لدى المجتمعات المحافظة، والتى تستمد قيمها وثقافتها من معتقدها الدينى، إن التعليم والإعلام يشكلان رافدين أساسيين فى تشكيل وعى وثقافة المجتمع، وأرى أنهم يجب أن يكونوا نابعين من ثقافتها لكى تدعمها، وإلا سنرى مجتمعات كالمسوخ مجتمعات شرقية تعيش حياة غربية.
ولعل من الموضوعية التسليم بأن هناك الكثير من البرامج والمشاهدات التليفزيونية تُعد موضع الشك فى جدواها وقيمتها التربوية والاجتماعية، وأقل ما يقال فيها إنها استهلاك لوقت الإنسان المصرى والعربى أكثر منها استثمارا، فثمة تأثير عكسى للمشاهدة التليفزيونية فى حياة كثير من الناس، فعادة مشاهدة التليفزيون تشوه معنى الوقت، وتجعل التجارب الأخرى غامضة ووهمية بصورة غربية، كما أنها تضعف العلاقات وتقلص فرص الحديث والتواصل الطبيعية.
إن من مهام الدولة الرئيسية الحفاظ على هويتها وثقافتها ضد العبث بها، وخاصة تلك القيم والثقافات النابعة من الأديان، والتى قد تتعارض مع أفكار غربية، وقد ترفضها الأديان، نحن لا نتكلم عن حظر لقنوات، ففى عصر السموات المفتوحة لا تستطيع أن تمنع أو تحظر الأفكار، ولكن كل ما نراه أن نجعل ميثاقا إعلاميا نابعا من قيمنا وثقافتنا، وان نتوقف عن استيراد القيم والثقافات التى تضر مجتمعاتنا، لقد وجدت هذه الوسائل لتوعية وتثقيف المجتمع لا لهدمة أو تغيير ثقافته، لنرى أنفسنا قد تخلصنا من غزو عسكرى إلى غزو ثقافى يصعب طرده بعد أن يتمكن من المجتمع ويغير هويته.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة