التاريخ له عبقه، وبه ترتحل الحياة الفائتة إلى الزمن الحاضر، تُقلب فى أرجائها كيف تشاء، وتُعيد قراءتها، وتُفكك أحداثها، وتُعيد ترتيبها وتركيبها على النحو الذى تحب. صحيح أن ذلك لا يغير من وقائع ما فات، ولا يعيد كرة الحياة على نحو ما حدث، وإنما هو مرجعية الأجيال اللاحقة لإعادة النظر فيما آلت إليه الحياة على يد الأجيال السابقة، سلباً وإيجاباً. والإفادة مما فى غابر الأيام لما هو آت من قابل الأيام.
ولما كان الإنسان كائناً له تاريخ، فلابد أن يستفيد من تجارب غيره وتجاربه. والغبى هو من يكرر نفس الفعل ليقع فى ذات الخطأ مرتين. وبون شاسع بين قراءة الحدث، ومعايشته، والتاريخ المقروء فى طيات الكتب، بخلاف ذلك التاريخ الحى، الذى تعايشه بشحمه ولحمه ودمه، فالاستقبال من حيث الإدراك والوجدان والنزوع يختلف. وقد عايشنا صغاراً تحطم الحلم الناصرى / المصرى على أيدى الاستعمار الذى أبى الرحيل قبل أن يغرس فى القلب منا رأس حربته إسرائيل. وقد تصورنا أيامها أو صُوّر لنا أن الصهاينة ليسوا مجرد محتل لفلسطين، وإنما عدو تاريخى / عقدى للإسلام والمسلمين. فكان وقع الهزيمة قاسياً ومميتاً. فلما مات عبد الناصر، تصور الخلق موت المُخلِّص الأوحد، من الكابوس الجاثم فوق الصدور، مانعاً عنا أسباب الحياة. من أجل ذلك بكاه الجميع، وبكته مصر، وبكاه العرب أجمعين.
وقد جاء السادات كظل باهت للزعيم، ظنه من ورث التركة الناصرية دُمية، يمسك طرف خيطها من وراء ستار. ولم يعلق الشعب عليه أملاً سوى كونه قشة لاحت لغريق. فإذا بالظل الباهت يضع الورثة فى السجون، ويعلن ثورة التصحيح، ويطرد الخبراء الروس، ويراوح مكانه بمقولة سنة الحسم، التى ألبت عليه الشعب، وحصرت العدو فى نشوة الضباب التى تحول بينه وبين ما يجرى على الأرض. ثم جاء الانتصار مباغتاً فى ظل خطة الخداع الإستراتيجى العبقرية، كما كانت الهزيمة مباغتة، انتصار أبكتنى نشوة متابعة بياناته. هناك من قال بأن القرار السياسى فى المعركة لم يكن على مستوى القرار العسكرى، إلا أن ذلك لا ينفى أنه أول انتصار للعرب منذ قرون. وقد خرج السادات من هذه الحرب زعيماً، إلا أنه لم يكن انتصاراً يشفى الغليل، ويروى ظمأ الرغبة فى إعادة شذاذ الأفاق من حيث أتوا، وتحرير الأرض كل الأرض. وقد كان الأمل معلقاً على إعادة الكرة، ولم يعد الأمر مستحيلاً كما كان فى ظل نتائج أكتوبر. وقد كان التصور التاريخى العقدى ما يزال شاخصاً فى القلوب. فإذا بالسادات يصدم الجميع بقرار زيارته للقدس، هزنى قراره بعنف، ذهولاً ودهشة واعتراضاً، إلا أن ذلك لم يمنعنا من البكاء خوفاً منه وعليه، خوفاً على مصر.
وقد كان تصور السادات منحصراً فى استعادة سيناء دون حرب حتى تتفرغ مصر لمستقبلها الإقتصادى والسياسى. وقد كان التصور الحاكم للمزاج المصرى هو التصور القومى والدينى الذى لا يقف عند تخوم الأرض، وإنما يمتد إلى الوجود الصهيونى ذاته الذى يهدد الوجود العربى الإسلامى. وعلى قدر هذا التصور كانت الصدمة. وعانت مصر الحصار العربى، بينما كانت مفاوضات السلام مستمرة حتى تم توقيع الاتفاقية فى منتجع كامب ديفيد بأمريكا.
وقد كان السادات يدفع بالأيام دفعاً إلى الأمام هروباً بمصر من الأزمات والحصار من ناحية، وخشية ظهور عثرات أو عقبات فى طريق تسليم إسرائيل لسيناء، وفقاً للبرنامج الزمنى من ناحية أخرى. وقد كان المجتمع المصرى يغلى فى حينه غليان الماء فى المرجل. وقد كانت القشة التى قصمت ظهر البعير «اعتقالات سبتمبر الشهيرة»، تلك التى قرر السادات القيام بها ضد ما تصوره أعداءه وخصومه المناوئين لتحركاته السياسية. وقد شملت الاعتقالات قائمة من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقانونية المعروفة من التيارات الفكرية والحزبية المختلفة كافة، الناصرى، والوفدى، والماركسى، والإسلامى، والمسيحى، والمستقل، ومن ليس محدد الاتجاه، إلى جانب غير المعروفين، إعلامياً، من الطلبة والأساتذة والصحفيين ومن لا يمكن تصنيفهم على أى مستوى.
كانت هجمة بدت للجميع غير منطقية، وغير متوقعة، وغير مدروسة، وصفها البعض بالجنون، والحماقة، والتخبط فى أقل التقديرات. وقد تركت هذه القرارات فى نفسى انطباعاً بأن السادات ينتحر سياسياً، وأنه كمن دخل غرفة مشتعلة وأغلق الباب من خلفه. وقد كان مبرره فى ذلك إسكات الأصوات المناوئة للسلام حتى لا يتخذها بيجن ذريعة للتسويف فى تسليم بقية سيناء، وأنه بمجرد استلام سيناء سيجرى الإفراج عنهم. وكانت احتفالات أكتوبر على الأبواب، وكان السادات يستعد لها، وفى ذات الوقت كان هناك من يستعد فى الظلام لاغتياله يوم عرسه.
إنهم أولئك الذين أفرج عنهم فى أوائل حكمه، الإخوان المسلمون، أفسح لهم الطريق لينسابوا فى شرايين المجتمع، حتى صارت فراخهم جوارح، فانقضوا عليه يوم عرسه، واغتالوه قبل أن يبلغ مراده، ويحقق حلمه باستلام سيناء فى 25 إبريل 1982 م . وغاب عن العيد صاحبه، واحتفوا به فى غيابه . رحم الله السادات رحمة واسعة.
الرئيس السادات
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى
تاريخيا لا يوجد احد وصف السادات بالزعامه غير توفيق عكاشه
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
عربى
السادات رجع سينا وضيع مصر
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
سيساوى حتى النخاع
السادات زعيم بجداره وفعلا عقمت النساء
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى مسعود
انا كنت مع مواجهة الناصريين ولكن ليس بورقة اللعب بالدين واحتضان الاخوان
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
Mohamed magdy
رحمة الله عليك يا بطل
عدد الردود 0
بواسطة:
Mohamed magdy
رحمة الله عليك يا بطل
عدد الردود 0
بواسطة:
البرديسى
الزعيم الشهيد