تستكمل الإعلامية الكبيرة هالة سرحان فى لقائها الثانى مع «اليوم السابع» الحديث عن مشوار حياتها المهنية فى ندوة مطولة، بها الكثير من المعلومات والآراء فى قضايا الإعلام والسياسة والفن، بجرأتها المعتادة فى تناول القضايا عبر الشاشات التى تظهر عليها.
ولا شك أن الحوار مع إعلامية كبيرة فى حجم الدكتورة هالة سرحان سيكون مهماً للقارئ لشهادتها على مراحل تطور الإعلام العربى والمصرى، وتحويله من إعلام موجه حكومى لإعلامى فضائى حر خاص، ولندرة الحوارات الصحفية التى تتحدث فيها.
تحدثت الإعلامية الكبيرة فى الحلقة الأولى عن بداية عملها فى التليفزيون المصرى، واختيارها العمل الإعلامى، وتفضيلها له عن العمل الحكومى، بناء على نصائح الكاتب الكبير رشاد رشدى، وتأكيدها على أنها ضد الممنوعات، وأنها لا تعمل فى أى مكان يضع لها قائمة محظورات، وأنها تعمل دائما بمنطق الحرية.
كما تحدثت الإعلامية الكبير عن مشوارها فى قنوات «ART»، وبداية عملها كمذيعة بتشجيع من الشيخ صالح كامل، ثم فضائية دريم، ومدرستها التى أسستها فى الإعلام الخاص، ثم تجربتها الأشمل مع روتانا سينما، ثم عودتها ببرنامج «ناس بوك» على روتانا مصرية، كما تطرقت أيضاً إلى أهم الأزمات التى واجهتها، وأهم القضايا التى تصدت لكشف تفاصيلها.
وفى الحلقة الثانية تتحدث الإعلامية الكبيرة عن المفهوم الصحيح للحرية فى الإعلام من وجهة نظرها، وتكشف عن تفاصيل برنامجها الجديد على قناة المحور، الذى اختارت له اسم «آن الآوان»، كما تعلن عن أسباب رفضها العمل بالتليفزيون المصرى، ورأيها بصراحة فى برامج السخرية، والفارق بين السخرية والمسخرة وآداب المهنة.
كما تكشف عن أسباب رحيلها عن مصر بعد تولى صلاح عبدالمقصود وزارة الإعلام، وجلوسه مع عبدالله بدر وحازم صلاح أبو إسماعيل لوضع ميثاق الشرف الإعلامى، ورفضها التصنيف المستمر فى مصر بعد الثورة، لأن ما يهمها فقط هو مصر، وهوية الوطن التى حاول الإخوان تدميرها خلال فترة توليهم حكم مصر، التى تراها من أسوأ الشهور التى مرت فى تاريخ الدولة المصرية.
كما تحدثت عن مبارك وقالت إنه «اتبهدل بما فيه الكفاية»، لأنه فى الأساس قائد عسكرى خدم مصر، وقدم لمصر الكثير، كما أكدت أنها أحيانا تضبط نفسها إنسانيا، ومتعاطفة مع سوزان مبارك، أما الدكتور محمد مرسى فقالت عنه إنه لا يستحق لقب الرئيس المعزول، أو السابق، لأنه خان وطنه.. وتنهى حديثها فى اللقاء بنصائح الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لها عندما قال لها: «مستقبلى ورائى»، ورغبتها فى تقديم عمل إذاعى، فهى تعشق الإذاعة إذا عرض عليها برنامج مناسب بالمواصفات التى تعرفها عن العمل الإذاعى.
ما تقييمك لمدى الالتزام بالقواعد الإعلامية التى تربيت عليها حالياً؟
◄ المهنة فقدت ضوابطها ومواصفاتها، فهناك فرق كبير بين ما كان يتم من اختبارات تجريها الإذاعة المصرية لاختبار المتقدمين لها، فكل القواعد الإعلامية والصحفية أصبحت غير موجودة حالياً، فمثلا فى الوقت الذى ظهرت فيه أنا رأيت أحمد بهجت وموسى صبرى ومحمد حسنين هيكل، ولا توجد قامة إعلامية كبرى لم أتعلم منها، وكانت لدى كتابات فى الإذاعة والتلفزيون وأخبار اليوم، وتعلمت أننى يجب أن أذاكر وأحضر نفسى جيدا، وأراعى أصول المهنة.
لكن حالياً أصبحت كلمة إعلامى تؤخذ بـ«وضع اليد» و«الإلحاح» و«التناحة»، ورغم كل ذلك إلا أننى مؤمنة بأن زمن الكفاءة قادم، فالمشاهد أصبح يفرز الجيد من السيئ، ويجرى وراء الموضوعات الساخنة وليس وراء إعلاميين بأعينهم.
ومفهوم الحرية يؤرقنى من بعد الثورة والكيفية التى تستعمل بها، فمثلا الإخوان استعملوا الحرية غلط، فهم يكسرون الشوارع والأرصفة بدعوى الحرية.
كيف ترين المصطلحات والمسميات التى ظهرت بعد الثورة مثل الفلول والعسكر وغيرهما؟
◄أتعجب ممن يرددون مثل هذه المسميات، ومنهم ناشطون يدافعون عن الحرية، إلا أنهم يرددون تصنيفات مثل: هل أنت مع العسكر أم الفلول أم الإخوان، وكلنا فى النهاية مصريون، ومثلا أنا لا أستطيع أن أصنف نفسى، فما يهمنى فى النهاية هو مصر، ويصيبنى الفزع عندما أجد الإخوان أو أى تيار إسلامى متشدد، يحاول يطمس الهوية المصرية، ويعملون على هدم الدولة وبنائها من جديد، وهذا أمر خاطئ تمام فلا يستطيع أحد أن يمحو ذاكرة وطن بالكامل، ويطمس الهوية المصرية، متشدقا بالحرية، وللأسف مفهوم الحرية اختلط على الكثيرين وأساءوا فهمه حيث أصبح كل فرد يستخدم مفهوم الحرية لمصلحته وأصبحت الحرية عملة فى بنك المصالح، واتفتحت «البكبورتات» وطفت البذاءة والابتذال على السطح.
لذلك أنا أرفض التصنيف تماما، وللأسف صنفنى البعض على أننى فاسقة لأننى تكلمت فى موضوعات لم يتطرق أحد إليها، كما أننى كسرت قواعد الهواء، وقدمت برامج وأنا واقفة على قدمى وتمشيت وجلست على الأرض فى الاستديو، فى الوقت الذى تمسك البعض بأن يجلس المذيع على الكرسى ليقدم نموذجا واحدا للإعلامى المتشبث بالكرسى ويلقن جمهوره الكلام، بدون أن يحاول أن يكسر ذلك الجمود فى الإعلام، فمثلا عندما ضحكت فى برامجى اندهش الكثيرون وانتقدونى وأؤكد أننا فى أمس الحاجة لنشر الثقافة، وليقوم الإعلام بدور تثقيفى فمجتمعنا يحتاج إلى القراءة لكى يفهم جيدا ما يدور حوله وأحاول جيدا أن أساهم فى تنمية هذا الجانب، فمثلا فى مكتبى فى المنزل كانت تحتوى على 4 آلاف كتاب، وأخبرنى أحد أصدقائى بأن هناك مشروعا لعمل مكتبات فى الأحياء الفقيرة، وعلى الفور تبرعت بمكتبتى كاملة، وكلمت مساعدى الخاص، وطلبت منه أن يحضر سيارة وينقل الكتب كاملة بدون فرز، لدرجة أنهم اتصلوا بى بعدها وقالوا لى إن هناك كتابات خاصة بخط يدى من أيام الجامعة.
إلى أى مدى يمكن أن يكون الإعلام حرا، وهل من الحرية أن أسخر من كل شىء حتى الأوضاع والفكر المتخلف ومن المشاكل الموجودة فى المجتمع ومن التقاليد؟
◄بالطبع، فهناك علم السخرية الذى يعد من أرقى أنواع الكوميديا، ولكن فى ظنى هناك فرق بين السخرية والمسخرة التى تستهزئ بكل شىء، فمن الممكن أن يتحول الأمر إلى عمل فج، فمثلا كنا نقرأ كلمة الأستاذ أحمد رجب الساخرة «نص كلمة» منذ 30 سنة، ونتساءل ما هذه العبقرية؟ وما زلنا نقرأها حتى الآن، فهو من أعظم الكتاب الساخرين فى مصر، وأيضا رسومات مصطفى حسين الساخرة، فهما من العمالقة وكانا يسخران من كل شىء فى الدولة والحكومة، فالثنائى أحمد رجب ومصطفى حسين لم تسلم وزارة أو حكومة من نقدهما وسخريتهما، فمثلا رؤساء الوزراء السابقين عاطف صدقى أو عاطف عبيد «اتمسح بهم البلاط» لكن دون سبابهما بالأم والأب وبتلك الطريقة البذيئة والتى تحمل تطاولا، وبالنسبة لنموذج باسم يوسف فهو ليس مصفحا ولكنه قابل للنقد.
ولكن رهانى على المجتمع فهو كما قلت فى حالة فرز دائم للإعلاميين وما يعرض عليهم من منتج إعلامى، فمع الانفتاح فى القنوات الفضائية اختفى مفهوم القيمة الإعلامية، لكن هذا ليس معناه أنه عندما تكون هناك محطة رقص شرقى أن الجميع سيذهب لمشاهدتها، فمثلا مجلة الـ«بلاى بوى» عمرها 50 سنة ومتواجدة على أرصفة الشوارع ولا أحد يشاهدها إلا عدد محدود، حتى القنوات الفاضحة موجودة ولا يشاهدها أحد، فالناس الطبيعيون يذهبون لمن يخاطب وجدانهم ويعبر عما بداخلها.
وبالحديث عن الحرية للأسف نجد أن الناس لديها مفاهيم خاطئة فى هذا السياق، ويرون أن معنى الحرية يتمثل فى ألا يكون هناك قانون يحكم الجميع، فمثلا ضابط المطار عندما طلب منى الوقوف أمامه للتفتيش فى المطار ورؤية جواز سفرى كان يعتذر لى، ولكنى قلت له: هذا عملك لماذا نعتذر، فكل إنسان لابد أن يتم تفتيشه فى مطار البلد الذى يدخل له، فمثلا إحدى صديقاتى فى أمريكا كانت عندما تغادر منزلها للسفر تكتب على الباب الآية الكريم «إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ»، وفى يوم ما نسيت أن تكتب هذه الآية وكانت وقتها فى المطار فوقفت على جانب وكتبتها على إحدى حوائط المطار، وفجأة وجدت 17 ضابطا وعسكريا يقفون حولها وأخذوها وحققوا معها، لأن ما يعنيهم فى هذه الحالة أنها اعتدت على منشأة عامة، لكن للأسف الحرية هنا حالياً أصبح شعارها الفوضى والبذاءة وبأى حال من الأحوال لا يكون هذا تحت مسمى الحرية أو ممارستها فالحرية مسؤولية، وحرية أننى أريد الشهرة على جثث الآخرين، وحرية أن أمتلك الأدوات التى تشوه الإنسان.
وذلك على عكس زمان حيث كان لدينا قيم فى حياتنا، وهناك قيمة الوطن «مصر»، فما معنى أن أسخر منها وأشبهها بتشبيهات غير لائقة كيف أسخر من مصر! وبأى دم بارد يفعل البعض ذلك! فهذه ليست سخرية أو كوميديا أو أى شىء، فالمفروض أن أسخر من تصرفات مسؤول خاطئة، وأسخر من فكر متخلف، ومن أوضاع يجب تغييرها، وأسخر من الشوارع المكسرة، لكن كيف أسخر من معانٍ أو أشخاص؟ كما أن المهنة لها احترامها، ومثلا لا يجوز أن أكون مؤلف سينما وناقدا سينمائيا فى نفس الوقت، ففى العالم كله هذا أمر غير مقبول، فليس مسموحا لى أن أكون القاضى والجلاد فى الوقت نفسه، لذلك عندما يسألونى فى أى لقاء عن رأيى فى إعلاميين زملائى أقول لهم لا يوجد لدى رأيى، ولا تسألنى عن زملائى لأن ليس من وظيفتى الحكم عليهم، لكن أستطيع أن أقول رأييى فى أسلوب تقديم مثل: «مذيع بوضع اليد، مذيع يتمسخر، مذيعين بالوراثة والواسطة»، كل هؤلاء موجودون على الساحة لكن بالطبع هناك إعلاميون متميزون، لكن المال نفسه يحكم المهنة، والسوق الإعلانى للأسف هو صاحب الصوت الأعلى والذى يؤثر بشكل كبير فى المعايير التى باتت تحكم المهنة.
كنت أحد أبناء الإذاعة والتليفزيون وتخرجت فى الإذاعة المصرية فما رأيك بما يمر به ماسبيرو؟
◄التليفزيون المصرى يشهد محاولات جادة حالياً لإصلاحه، لكن للأسف %99 من العاملين به تم تعيينهم بالواسطة، فنحن أمام مشكلة الموروث الخاطئ، وحتى إذا أتوا له بملاك من السماء لن يتغير، ولابد أن تعاد صياغته من جديد، وأى كيان لا يجب أن يزيد عدد العاملين به عن 150 أو 200 عامل، فماذا سنفعل فى مبنى به ما يفوق 40 ألف عامل، ولكن الدكتورة درية شرف الدين مهنية وتفهم جيدا فى أصول المهنة وهى ابنة التليفزيون ولكن حملها تقيل.
هل من الممكن أن تعودى للعمل فى التليفزيون المصرى من جديد؟
◄التليفزيون المصرى بيتى وعملت به فى بدايتى لكن أعتقد أن الأمر صعب جدا حالياً، لأنه عندما طلبونى بعد نجاحى فى دريم للعمل مجددا فى التليفزيون المصرى قدمت برنامجا مميزا من إخراج الرائع الراحل رضوان الكاشف، وكانت مدته ساعتين، وبعدها بدأ المسؤولون فى تقليل مدة بثه ليصبح ساعة ونصف الساعة، وبعدها ساعة فقط، وكان البرنامج عبارة عن توك شو يناقش مشاكل مصر وبطله هو المواطن المصرى وما يعانيه، وأدخلنا به الإسكتش الكوميدى، وأتذكر أن النجم خالد صالح شارك فى هذه الإسكتشات وكان مازال فى بداية مشواره الفنى، وكنا نحاول أن نفعل شيئا، ومدام سهير الأتربى رحمها الله قالت لى لابد أن نعالج موضوعات أخرى خفيفة بعض الشىء، لأننا كنا نقدم موضوعات عن الزحام، أو مشاكل الشباب، والبطالة وغيرها، فقلت لها لا أستطيع أنتم طلبتونى لأقدم شيئا محترما ومختلفا.
والمفارقة أن التليفزيون المصرى دائماً يخرج علينا مسؤولوه بمبادرات وتصريحات عن عودة الإعلاميين أبنائه إليه، من منطلق «هاتوا الطيور المهاجرة»، فنأتى لنفعل شيئا فلا نستطيع، فنهاجر من جديد، لأن القيود هناك كثيرة.
لذلك أرى أن فكرة رجوعى مجددا للتليفزيون المصرى فى هذه المرحلة صعبة، لأنه لن يتحملنى بالتأكيد، لأننى حتى الآن أكسر كل قواعدهم، فأنا لا أستطيع العمل بتدخل مباشر طوال الوقت فى عملى.
لكن حالياً هناك إعلاميون مثل مأمون فندى يقدمون برامج فى التليفزيون المصرى دون تدخل؟
◄ يعود ذلك إلى جهود وزيرة الإعلام المهنية درية شرف الدين كما قلت، فهى إعلامية «فاهمة كويس»، وتربت على القواعد المهنية للإعلام، وهى تريد أن تصلح وتغير أشياء كثيرة فى التليفزيون، لكن المشكلة ليست فى الوزير أو المدير، المشكلة فى قلب التليفزيون الذى أكله السوس من الداخل ونخرب فيه للنهاية، ولابد أن يلغى موضوع «الأقدمية»، فعدو حياتى هو الأقدمية والواسطة، لأنها ليست موجودة فى العالم أجمع، ولابد أن تلغى تحديدا من التليفزيون المصرى، ويتركوا الفرصة للمواهب ومن لديه الكفاءة، ولا يجوز أن تتحكم الأقدمية فيمن يظهرون على الشاشة.
حدثينا عن تجربة برنامجك الجديد على قناة «المحور»؟
◄فى أى مكان أو أى بداية أريد أن أكون متجددة، فأنا لا يجوز أن أفعل شيئا «copy» أو نقلا من أحد، لأن الناس تنقل عنى وأنا لا أنقل عن أحد، وإنما خطوتى يكون بها جديد، فمثلا عندما انضممت لقناة «إيه آر تى» قدمت برنامج «توك شو»، وبدأت بعدها تنتشر هذه النوعية من البرامج، وعندما عملت فى قناة دريم كان همى أن أصنع قناة منوعات وقناة تعطى البهجة للناس، وتقدم لهم الأغنية والفيديو كليب، وهذا لم يكن موجودا من قبل على القنوات التليفزيونية، كما أننا خرجنا من نطاق الاستديو وكسرنا القاعدة، وفى أول حلقة قدمناها فى دريم، ذهبنا إلى نادى محمد على وبنينا ديكور مولد وارتدى المذيعون والمذيعات «جلاليب»، وجلس الضيوف فى مكان مغلق على المراجيح، حتى نكسر شكل صورة المذيع والضيف الذين يجلسون أمام بعض.
وركزنا أيضاً على عمل شكل مختلف للبرومو، وشكل جديد للمذيع، واليوم عندما أعود للمحور أحاول أن أكون مواكبة للعصر، فمثلا عندما قدمت ناس بوك أخرجت به %30 فقط من حلمى به أن يكون حولى شباب صغير فى كل زاوية فى الاستوديو ممسكين بالأجهزة الإلكترونية اللوحية، والإعلامى الذى يحب عمله عليه أن يكون أمينا ويطور من نفسه طوال الوقت، ويمتلك قدرا كبيرا من المرونة، فمثلا وفى إحدى الحلقات جلست على الأرض، وجاء ذلك وليدا للحظة ولم أكن أخطط له مطلقا، فمدير الإنتاج قبل الهواء بـ10 دقائق فقط قال لى وجدنا بطاقات انتخاب مسودة جميعها لصالح «الحرية والعدالة» وملقاة فى طريق 6 أكتوبر، فسألته أين هى؟ فقال إنها معها فى أكياس بلاستيكية، فطلبت منه أن يحضرها، ولم يكن هناك وقت كاف قبل الهواء لفرزها، فقلت له أن يفرغها جميعها على الأرض، وجلست على الأرض معها وطلبت من الكاميرات أن تنزل إلى مستوى الجلوس ليرى المشاهد كل شىء على الحقيقة وبعينه، وكان الضيف سامح سيف اليزل يجلس مكانه، وساعد على نجاح هذه الحلقة أن معى مخرجا ومصورين يفهموننى ويعرفونى جيدا، «ربيتهم على إيدى» فيفهموننى دون كلام، وهذا الموقف لم أخطط له تماما لكننى كنت أريد أن أوضح للجمهور الحقيقة.
برامج «التوك شو» تغيرت ولم يعد هناك لها «فورمات» ثابتة، فأنا شخصيا أفعل كل شىء، فمثلا فى رمضان الماضى، كانت الدنيا تغلى من الإخوان، وهناك حركة تمرد فى الشارع، لذلك تكلمت بالطبع فى السياسة حتى مع النجوم كنا نتحدث فى السياسة، وأحضرت شابا جميلا كان يقلد الشخصيات السياسية، فتارة يقلد مرسى، وأخرى يتقمص شخصية حازم أبوإسماعيل وقدمنا سخرية واسكتشات لطيفة، وأيضا استضفت سياسيين، فأنا أستطيع تقديم كل الأنواع، سياسة، وفن، ومنوعات، وكل شىء.
والبرنامج اسمه «آن الأوان مع هالة سرحان»، وسينطلق خلال الفترة القليلة المقبلة على شاشة قناة المحور، وأتمنى أن أقدم شيئا جديدا من خلاله، وهذا رهانى الدائم، أن أكون سابقة دائماً بخطوة وأكثر.
ما رأيك فى ميثاق الشرف الإعلامى الذى تم الإعلان عن إعداده مؤخرا؟
◄ يزعجنى اسم «ميثاق الشرف الإعلامى»، فأنا مع الحرية حتى لو كانت سيئة بأضرارها فأنا لا أصادر على الرأى، ومؤمنة بالحرية مهما كان الثمن وضد المصادرة على التفكير، لذلك لا أستطيع أن أقول لأى إعلامى لا تفعل هذا، ولا أريد أن يفهم البعض كلامى على أننى مع الشتائم والسب والقذف الذى كانت تمارسه القنوات الدينية، والتى كان يخرج مذيعوها يسبون الأشخاص ومعارضيهم بالأب والأم، فهذه ليست حرية بل جريمة سب وقذف، وتحريض على القتل وفتنة، فهذه جرائم وليست حرية، فعندما يظهر من يسبنى أو يسب إلهام شاهين أو غيرنا فهذه جرائم يعاقب عليها القانون.
لكن لا أصادر أبدا على أى إعلامى يظهر على الشاشة مهما كنت أختلف معه فى أسلوبه أو ما يقدمه، فأنا ضد المصادرة على حرية الرأى والتعبير حتى لو كان «زفت وهباب»، لذلك لا أريد ميثاق شرف إعلاميا لأنه لن يؤدبنى أحد، ومن يؤدبنى هو المشاهد لأنه هو الذى يفرز، وكل دول العالم لا يوجد بها ما يسمى ميثاق الشرف بل هناك قوانين منظمة للمهنة وهذا ما يجب أن نسعى إليه، خصوصا وأن المشاهد عندنا «يزعل منى يلفظنى»، فالجمهور يقول لأى إعلامى: «إذا تعديت حدودك معى فهنا تقف»، فعندما حاول شخص تسفيه 30 مليونا نزلوا فى 30 يونيو ضد الإخوان، وجد معارضة شديدة وتحول الحب إلى كره لهذا الشخص.
وعندما رأيت وزير الإعلام السابق صلاح عبدالمقصود فى عصر الإخوان يقول إنه سيضع ميثاق شرف إعلاميا وبجواره حازم صلاح أبوإسماعيل وعبدالله بدر وخالد عبدالله، قلت لنفسى إننى أحضر حقيبتى حالا وأرحل عن مصر، لأن هذا المشهد أوجعنى بشدة، فمن أنتم لتقولوا لى ماذا أفعل، ومن أنتم لتعلمونى آداب المهنة، وأنتم تخرجون كل يوم تخالفون كل القيم العظيمة فى بلدنا على الشاشات، فهم كان هدفهم أن يهدموا هذا البلد والقضاء على كل قاماته وتاريخه ويحطموا بداخلنا كلمة مصر.
وكلمة ميثاق الشرف الإعلامى تثير بداخلى الغيظ، فالإعلامى الحر الشرف جزء أصيل من تكوينه وبحكم عمله إضافة إلى المهنية وإدراكه لقيمة المسؤولية التى تبنى ولا تهدم.
لماذا رحلت عن قنوات كان لك فضل كبير فى تأسيسها وقدمت خلالها تجارب إعلامية ناجحة،
ومتى تشعرين بأنه بات ضروريا أن تأخذى قرارا بالرحيل عنها؟
◄قضيت فى قناة إيه آر تى 11 سنة، وفى دريم سنتين، وفى روتانا 11 سنة، وقبلها عملت فى العديد من المجلات، والتليفزيون المصرى، وهكذا، ويمكن تكون مدة صلاحيتى فى المكان ده انتهت ولا أستطيع تقديم أكثر من ذلك، لأن هناك متغيرات تتمثل فى المكان والزمان والإدارة.
روتانا كان لها وضع خاص فلماذا غادرتيها؟
◄ فى حالة حدوث أى اختلاف مع معتقداتى وقناعاتى وأسلوبى أترك المكان على الفور «لكن عمرى ما تركت مكانا وأنا على خلاف مع أصحابه»، فعلاقتى جيدة جدا وأكثر من رائعة مع الأمير وليد بن طلال، والشيخ صالح كامل، والدكتور أحمد بهجت، فأنا صبورة للغاية، وأراعى دائماً جمهورى الذى أحبنى، فلا يجوز أن أخيب أمل جمهورى فى، أو أقبل تنازلات فى أى مكان، وأتذكر هنا مقولة سمعتها من أستاذ محمد حسنين هيكل حيث قال لى متحدثا عن نفسه «أنا مستقبلى ورايا»، فهو صنع اسما كبيرا فى الإعلام العربى والعالمى، ولا يستطيع فعل شىء أقل من ذلك، وطول عمرى لم يكن هدفى من العمل فى الإعلام هو الشهرة، أو أن يقتصر وجودى على الصورة التى التقطوها معى، أو أن الناس تعرفنى أو تشاور على، لأننى ببساطة لو اكتفيت بذلك سأمحى من ذاكرتهم، لكن غايتى أن أساهم فى أن أجعل الناس تفكر، «ومخها يشتغل ويفكروا معايا».
كيف ترين الرموز التى أفرزتها الثورة ونالوا مناصب كبيرة بعدها؟
◄ كثير من هؤلاء الأشخاص خذلونا رغم أننا شجعناهم فى دخول البرلمان ودعمناهم ولكن فى النهاية وجدناهم يوافقون على وضع قوانين ضدنا، لنجد أنفسنا أمام أشخاص تناقش زواج الفتيات فى سن التاسعة، ولجنة تأسيسية طلعت أغلب أعضائها لهم أجندات خارجية.
وما هو رأيك فى شخص الدكتور محمد البرادعى وموقفه الأخير؟
◄حزنت جدا من موقف الدكتور البرادعى لأنه كان فى نظرى أيقونة ثورة، ورجلا جاء لمصر فى وقت كانت فى أمس الحاجة إليه، ولكننى وجدت تناقضا شديدا بين السلوك والفعل، وهو ما جعلنا جميعا فى حالة جنون، كيف تستقيل فى وقت احتياج الدولة لك.
هل تؤمنين بفكرة المصالحة مع الإخوان أو تيار الإسلام السياسى؟
◄كيف أتصالح مع قاتل وإرهابى؟! من المنطقى أن أتصالح مع شخص أستطيع أن أتفاهم معه لا مع شخص لديه أجندة مبنية على القتل والعنف ويعطى الحق لنفسه أن يقتلنى ويمثل بجثتى وهو يعتقد أنه بذلك سيأخذ حسنات أيضا، وأتساءل كيف أتصالح مع مثل هذا الشخص وهو يكفرنى، منذ أيام شاهدت مقطع فيديو وتعجبت جدا من رجل فى سوريا يطلق على نفسه جهاديا ويرتدى حزاما ناسفا ويقوم أصدقاؤه بتصويره وهو ينفذ العملية، والغريب أنهم يدعون له بالتوفيق، وبعد أن فجر نفسه وتحول إلى أشلاء أخذوا يهللون الله أكبر الله أكبر، أى عقل وأى منطق يجعلك تكبر وأن تقتل نفسا دون ذنب، هؤلاء الأشخاص لديهم عمى فى بصيرة، هؤلاء الأشخاص ممن يتشدقون بالشرعية، كانوا يريدون هدم الدولة، ومصر دولة عظمى، وحقيقة أتعجب جدا من إطلاق لقب معزول على مرسى، فهو لا يستحق تلك الكلمة لأنها تعطيه رصيدا لدى الناس وكأنه «يا حرام» مغلوب على أمره، وتم عزله، والحقيقة هى أنه رجل خائن لمصر.
ولكن ألا ترين أن التعامل الآن مع هؤلاء الأشخاص يتسم بالعنف، وأن العنف يولد المزيد منه وبالتالى لن نصل لنتيجة؟
◄حينما نتعامل مع شخص مجنون لا يفكر إلا فى العنف والقتل فكيف نتعامل معه؟! لكن يمكن أن نتناقش ونتحاور مع الأشخاص المغيبين غير المدركين للأمور، هذا مقبول، ولا يصح أن نضع القاتل مع المغيب فى سلة واحدة ونتعامل معهم بنفس المعاملة.
وهل ترين أن فتح حوار مع الذين تم تغييب عقولهم مسؤولية الرئيس المقبل؟
◄ليس مطلوبا من الرئيس القادم أن يعمل بمفرده، لابد أن يتحول هذ الشعب إلى شعب فاعل وكفانا أننا عشنا سنوات طويلة شعبا مفعولا به، ويجب أن يكون الشباب له دور فعال، وقتها ستظهر الكفاءات.
لماذا كان يمارس عليك اضطهاد واضح فى السنوات الأخيرة قبل الثورة؟
◄ قدمت برامج سياسية كثيرة وكانت مؤثرة فى الجمهور، وبسبب ذلك دفعت الثمن باهظا وبعض برامجى الفنية كانت تحمل نقاشات سياسية أيضاً حتى النخاع، ومشكلتى كانت بسبب برنامج عن الفقر والجريمة، ووقتها كنت أشعر وكأننى عادل إمام فى فيلم عمارة يعقوبيان عندما قال نحن فى زمن المسخ، لأننى وقتها كنت محاطة بتدخلات الرئاسة ووزير الإعلام وأمن الدولة ووكالات الإعلانات، وأعتقد أن السبب وراء ذلك هو أننى تخطيت كل حدودى مع كل تلك الجهات، ولأن قناة روتانا سينما وقتها كانت رقم واحد، وشعبيتها كبيرة، وكانت تحصد أغلب الإعلانات من التلفزيون وتناطحه، لذلك لم يتردد وزير الإعلام السابق أنس الفقى فى أن يهددنى ويقول إننى ذراع الوليد بن طلال فى مصر، وأنه سيقطعه، وذلك إلى جانب وجود «نفسنة» نسائية من سيدة مصر «الأولى»، رغم أننى لا أؤمن بأن هناك ما يسمى بسيدة مصر الأولى، فمصر لا يتسيدها أحد، ومصر هى صاحبة السيادة، ولكننى رغم ما تعرضت له أضبط نفسى كثيرا، متعاطفة معها، وللعلم أنا متصالحة جدا مع نفسى ولا أغل على أحد وأحيانا أتعاطف مع من ظلمنى بشكل إنسانى، وأرى أن مبارك «اتبهدل» بما فيه الكفاية، ويكفى أنه رجل دولة وقائد عسكرى، وهناك فارق كبير بين دولة الفساد ودولة الخيانة.
فى ظل زيادة عدد الإذاعات الخاصة، وبما أنك بدأت مشوارك فى الإذاعة، هل من الممكن أن تقدمى برنامجا إذاعيا جديدا؟
◄ لا يوجد لدى مانع من تقديم برنامج إذاعى، فالإذاعة ست المدارس لأنها تصل إلى الجمهور الذى يحتاجك فعلا، ولا يوجد لديه رفاهية أن يجلس أمام التلفزيون.
لماذا لم تفكرى فى عمل قناة خاصة بك مثل أوبرا وينفرى؟
◄أنا مبسوطة من أوبرا وينفرى، لأنها تحقق أحلامها فى ناس آخرين، وتخلق جيلا جديدا من الإعلاميين والنجوم، منهم دكتور أوز ودكتور فيل وأشهر مقدمى برامج الطبخ، وأذكر أنه عندما كان يتم تقديمى بالخارج ويقولون عنى إننى أوبرا وينفرى الشرق الأوسط، أقول لهم ولكن بدون ثروتها، حقيقة كنت أتمنى أن يكون لدى حريتها وإمكانياتها، ولكن للأسف تطبيق ذلك صعب جدا، فأنا أعمل مثل «الفاعل»، وعمرى ما جريت وراء رأس مال، دائماً رأس المال هو من يطلب منى، لا أحب ذلك ولا أستطيع أن أفعله، ما أستطيع فعله هو أن أقيم مؤسسة، أو أدير قطاع إنتاج سينمائى بنجاح، وفى النهاية الحياة ما هى إلا اختيارات وأنا والحمد لله لا يهمنى منصبا ولا شهرة يهمنى أن أشتغل صح.
وما هى أحلامك فى الفترة المقبلة؟
◄ أنا كبرت على أن أحلم لنفسى حالياً، أنا أحلم لابنى، خاصة لأنه مظلوم معى، فهو يعمل مخرجا، وعندما كنت أعمل بقطاع الإنتاج السينمائى أمانع فى عمله فى نفس المجال الذى أعمل به رغم أنه مخرج موهوب بشكل حقيقى.
الإعلامية هالة سرحان نموذج متمرد ودائماً مهمومة بقضايا المرأة، كيف ترين المرأة المصرية فى ظل التقارير التى تنشر حول أن وضع المرأة المصرية من سيئ إلى أسوأ؟
◄ وضع المرأة فى مصر ما هو إلا مأساة بكل المقاييس، فهى كانت ضحية للأعراف والتقاليد والموروثات المتخلفة لفترة زمنية طويلة جدا، ثم جاء التيار الإسلامى المتشدد الذى لا يرى فى المرأة سوى أنها وعاء للإنجاب، ويعاملها بشكل هامشى، وكل واحد ممن ينتمون لتلك التيارات تجده متزوجا من 4 سيدات ولديه 19 طفلا، ذلك التراجع فى الفكر جعلنا نقوم بثورة، لتكتشف أننا قمنا بثورة لنأتى بمن يطالب بزواج الفتيات فى سن التاسعة، وللعلم محاولة غلق المحلات كان من أجل كبت حرية المرأة، بمعنى أن المرأة التى تخالف ذلك ستعنف، إلى أن تجلس فى منزلها، وكانت هناك محاولات لوأد المرأة المصرية، وأذكر عندما استضفت أحد مشايخ التيار المتشدد رفض أن يجلس معى فى غرفة واحدة، وطلب أن أضع حائطا بينى وبينه، ووافقت لأنى كنت أريد أن يرى الجمهور الوضع الذى كنا سنعيش فيه إذا استمر حكم هؤلاء، والمفارقة أنه ظهر معى فى وجود حائط يفصلنا، وفى الاستراحة أثناء فواصل البرنامج كنا نتحدث عادى جدا وبدون عزل وهو النفاق بعينه، والغريب أنه طلب رقمى ليتواصل معى، ورغم نفاقه إلا أننى احترمت طلبه بالظهور بهذا الشكل، ورفضت خروج صور كانت تجمعنى به قبل الهواء، وأثناء الفواصل وهو يقف أمامى ويتعامل معى بشكل عادى وهو ما كان سيظهر حقيقة نفاقه لكننى رفضت طلب الصحفيين بخروج تلك الصورة احتراما لوعدى له، وأنا أرى أن المرأة فى الفترة المقبلة سيكون لها دور كبير، خاصة أنها شريكة أساسية فيما حدث سواء فى 25 يناير أو 30 يونيو، فهى شريكة أساسية فى النضال ضد الظلم والقهر والفساد.
موضوعات متعلقة..
هالة سرحان أيقونة الإعلام تروى لـ«اليوم السابع» رحلة عنادها مع الإعلام والحياة وكيف كشفت جنسية والدة أبو إسماعيل: الثورة فتحت بكابورتات آدمية ونزعت خيمة الانكسار.. والمصريون حالياً مشغولون فى حالة ندب
هالة سرحان.. فى الجزء الثانى من ندوة «اليوم السابع»: مصر فوق الجميع ..قررت الرحيل عندما شاهدت عبد المقصود وأبو إسماعيل يقرران ميثاق الشرف الإعلامى ..الناس فاهمة الحرية غلط
الأربعاء، 09 أبريل 2014 08:58 ص
الاعلامية هالة سرحان
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
م. شريف
....الفشله...الاخوان .... مستنيين ايه .... يابعدا....
عدد الردود 0
بواسطة:
ابن حيان
?????????????????
?????????????????