رغم أن ثوره 25 يناير أطاحت بنظام فاسد كان جاثما على صدور الشعب المصرى لمده تجاوزت الـ 30 عاما، استشرى خلالها واستفحل الفساد الإدارى والمالى فى جميع المصالح والهيئات الحكومية، إلا أن الثورة أتبعها حالة من الانفلات الأمنى والأخلاقى فى كافة المدن والقرى المصرية، ويعتبر الانفلات الأخلاقى أكثر خطرا من الانفلات الأمنى، نظرا لأن الأخير يمكن علاجه ببعض الإجراءات الحاسمة، وعدم التهاون مع الخارجين على القانون والهاربين من السجون والبلطجية، والقبض عليهم ومحاكمتهم على الفور، والتعامل معهم بكل القسوة والشدة، ويعتبر الانفلات الأخلاقى أكثر صعوبة فى علاجه، لأن الأخلاق مسألة تربية تنشأ مع المواطن منذ الصغر، وتقع مسئوليتها فى البداية على الأسرة والتعليم، ومعالجة هذا الانفلات الأخلاقى يحتاج إلى وقت وجهد، تشارك فيه كافة الجهات المعنية بالمواطن واستقامته، وتهذيب سلوكه.
ويعتبر بقاء واستقرار أى دولة وتقدمها وازدهارها وتراجعها وانهيارها مرهونا بتمسكها بالأخلاق والتزام مواطنيها بالقيم الأخلاقية فى لغة الحوار والتخاطب مع الغير، وهو ما أشار إليه أمير الشعراء أحمد شوقى فى البيت الشهير "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
الشارع المصرى لم يعد الشارع القديم الذى يسوده الهدوء وتقاليد المصريين العريقة فى مخاطبة بعضهم البعض، أصبحنا نشعر بكثرة مظاهر الانفلات الإخلاقى والتراشق بالألفاظ النابية فى الشارع المصرى، وفى كثير من اللقاءات والحوارات الغريبة على مجتمعنا المصرى، ولا نعرف من أين أتت، وكيف استشرت فى النفوس بهذه الدرجة المقلقة التى لا تتوافق مع طبائع المصريين وتقاليدهم العريقة.
لقد استغل الكثيرون حالة الفوضى بعد 25 يناير للقيام بأعمال البلطجة والسرقة بالإكراه والاغتصاب، وارتكاب كل أنواع الجرائم التى لم تشهدها مصر من قبل.
وما نشهده اليوم فى أسوان هو انفلات أخلاقى قبل أن يكون انفلاتا أمنيا، وهى أحداث لم يكن من الممكن أن يتوقع أحد حدوثها فى أسوان فى ظل الغياب الأمنى والانفلات الذى يعانى منه الشارع بمحافظة أسوان.
إن الأحداث التى شهدتها منطقة النوبة وأسوان خلال الأيام القليلة الماضية والتى راح ضحيتها أكثر من 24 شخصا وإصابة 30 آخرين، أكدت أن مصر تعانى من حالة انفلات أمنى واضح فى مناطق تخضع لسيطرة العشائر والقبائل وليست الحكومة، مما جعل الاشتباكات التى جرت فى أسوان فى الأيام الماضية لم تستطع الحكومة المصرية السيطرة عليها، لقلة نفوذها فى هذا المناطق وسيطرة العشائر عليها.
إن الاشتباكات التى وقعت بين عائلتين بالمحافظة فتنة يراد بها تفتيت البلاد أن القبائل فى أسوان والعشائر فى النوبة عادة ما يدخلون فى صراعات دائمة، غير أن الاشتباكات الحديثة تعد هى الأكثر دموية فى تاريخ تلك المنطقة، إنَّ المُطَّلع منَّا على أوضاع مصر، سواءً العامة منها، أو السِّياسيَّة؛ أو الاقتصادية، يجدُ أمامه صورةً مؤسفةً، لا يمكن لأى أحدٍ كان أنْ يتوقَّع ما آل إليه حال هذا البلدَ الحضارى، وباتت مصر تفقد كل يوم رصيدها ومكانتها على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية.
الأمن نعمة يُحسد عليها الأمنُ فى دياره، فهل يمكن أن تعود مصر دولة الأمن والأمان- ونقول للعالم:
﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾
