أرسلت (ت) إلى "افتح قلبك" تقول:
أنا سيدة مسيحية عمرى 42 سنة، أرسل إليك قصتى للمرة الثانية، وأعتقد أنك لن تنشريها أو تردى عليها، لأن حياتى عبارة عن سلسلة متشابكة ومعقدة جدا من المشاكل غير القابلة للحل، وربما لن تفهمى منها شيئا، لكنى على الأقل سأرتاح إذا تكلمت.
تزوجت منذ 12 عاما، ولى 3 أطفال، وأعمل بشركة محترمة جدا وفى موقع متميز منذ 17 عاما، تزوجت زواجا تقليديا، وأصررت على إتمام الزواج بالرغم من كل المشاكل والسلبيات التى كانت واضحة من البداية، فقد كانت هناك اختلافات وخلافات قوية بينى وبين زوجى، بالإضافة إلى الخلاف المستمر بينه وبين أهلى، تغاضيت عن كل هذا، واعتقدت أن الزمن قادر على التقريب بين القلوب.
من أهم مشاكل زوجى أنه لم يكن لديه سكن، وبالتالى تزوجنا فى بيت حماتى، لم أعترض، وقلت ربما تكون معينة لى فى أعمال البيت وفى تربية أولادى فى المستقبل، أما عن عيوبه الشخصية فهو بخيل جدا، فى حين أنه كريم مع نفسه إلى أبعد الحدود، كما أنه غير مستقر فى أى عمل إطلاقا، يوما يعمل ويوما لا، بالإضافة إلى أنه مدخن شره بشكل لا يمكن إغفاله، وأخيرا فهو شخص صامت وغامض إلى أبعد الحدود، فقد كنت أحاول أنا دائما فتح المواضيع والحوارات معه، فكان يصدنى بمنتهى قلة الذوق ويقول لى (أنتِ رغاية أوى، أنا صدعت.. كفاية)، حتى ونحن فى شهر العسل، وفى أول أيام زواجنا.
ستسأليننى: ولماذا تزوجته إذا؟.. سأجيبك "كنت قد وصلت إلى سن الثلاثين، وكنت أتوق إلى أن أستقر وأصبح زوجة وأما، فقبلت بأى رجل وقتها ظنا منى بأن أى شخص سيكون صالحا لأن يكون زوجا وأبا جيدا، وهذا ما لم يحدث بالطبع.
بدأت الخلافات بينى وبين حماتى سريعا بعد الزواج، فهى مقتنعة تماما أنى أعمل لها أعمال سحر حتى تموت وآخذ أنا شقتها، كما أنها على يقين من أنى أسرق الطعام من بيتها وأعطيه لأهلى، ناهيك عن الإهانات والشتائم العلنية التى لا يتحرك أمامها زوجى نهائيا، حتى أن الأمر وصل إلى أن حماتى كانت تتصل بأهلى هاتفيا لتشكو منى وتسبهم على سوء تربيتهم لى، كما أنها لا تتوقف عن الشكوى من "الجوازة المايلة" التى تزوجها ابنها إلى كل قريب وغريب.
لم يكتفِ زوجى بأنه لا يعمر فى عمل، بل دخل المشروع الفاشل بعد الآخر، مما أقحمنا فى أزمات مادية متتالية، كنت أنا دائما المطالبة بحلها، بالرغم من أن زوجى من عائلة ميسورة ماديا، ولهم عقارات وأراض فى الصعيد، فبعت ذهبى أكثر من مرة، وفى نهاية الأمر، أخذت قرضا من البنك بضمان راتبى لدفع آخر ديونه، سددته بالكامل من راتبى، فى حين أنى لم آخذ منه جنيها واحدا فيما بعد.
بعدما توفيت حماتى منذ سنتين قرر زوجى إغلاق آخر مشاريعه الفاشلة والبقاء فى البيت، تخيلى يا دكتورة أنى أنا من أخرج فى البرد والمطر أو فى الحر والشمس، وهو نائم فى البيت، إنسان كسول، بخيل، ليس لديه أى طموح، حتى أنه لم يفكر أبدا فى شراء بيت أو حتى سيارة لنا، بالرغم من إرثه الكبير، حتى أولاده لا ينفق عليهم غير فى أمر واحد فقط وهو مصروفات الدراسة، والتى يدعى أنه يستدين ليوفرها، أما طعامهم ولبسهم وبقية مناحى الحياة فأنا من يتولاها، كما أنه لا ينفق على أنا نهائيا، فأنا أتكفل بنفسى من الألف للياء، دون أى تقدير لأنى أنا من كنت أسدد ديونه وأخرجه من محنه المتتالية.
أنا أحتقره بكل ما للكلمة من معان، فأنا لا أراه زوجا ولا أبا ولا رجلا من الأساس، أشعر معه أنى فى سجن، وأنا لا أعيش الآن إلا من أجل أولادى ومن أجل رعايتهم والحنو عليهم.
صدقينى، أنا لم أكذب عليك فى كلمة واحدة، هذه هى حياتى بالضبط، وأعرف أنه لا حل لمشكلتى أو لمشاكلى بمعنى أدق، لكن عندى أمل أن أجد عندك أى كلمة تلهمنى الصبر والسلوى.
وإليك أقول:
أعانك الله على ما أنت فيه، ورزقك الصحة والعافية من أجل نفسك أولا، ومن أجل أبنائك ثانيا، مشكلتك متكررة جدا بشكل لا تتخيلينه يا سيدتى، على اختلاف المستويات والمجتمعات، فبكل أسف الرجل "الصورة" أصبح شائعا فى كثير من البيوت الآن.
أنا لا أعرف بالطبع أنت تنتمين إلى أى طائفة، لأنى أعتقد أن الطلاق أصبح متاحا لدى بعض الطوائف فى ظروف معينة وبشروط معروفة الآن، لكن على أى حال سواء كنت تستطيعين ذلك أو لا، أو كنت تستطيعين ولا تريدين ذلك حفاظا على استقرار أولادك أو حتى على الشكل الاجتماعى، ليس لك إلا أن تعتبرى نفسك مريضة بمرض مزمن، كيف يتصرف من هو على هذه الحال؟.. هل يستيقظ كل يوم لينعى حظه على إصابته بالمرض؟.. ويبيت يشفق على نفسه لأنه مريض وباقى الناس أصحاء؟.. بالطبع لا، من يفعل ذلك يموت حسرة ونكدا قبل أن يموت بمرضه، بينما نجد أن أغلب المرضى يتعايشون مع مرضهم، بل يتحايلون عليه أحيانا حتى يتمكنوا من استكمال حياتهم بأفضل صورة ممكنة، وهذا هو ما أطلبه منك بالضبط.
زوجك هذا ابتلاء، مثله مثل الإصابة بمرض، أو إنجاب ابن عاق، أو الحياة فى ضيق من العيش والرزق، كلها ابتلاءات ليس لنا بصددها حيلة غير الصبر والتعايش، والتعايش هنا لا يعنى الكبت والغيظ والقهر المستمر، بل يعنى أن يبحث كل إنسان لنفسه عن مخرج أو منفس ينفس فيه عن همه وضيقه، ويجلب عليه بعض السعادة والهدوء من حين لآخر.
ابحثى لنفسك عن مخرج يا سيدتى، قد يكون عن طريق الاندماج مع أولادك فى قضاء أوقات سعيدة ومرحة خاصة بكم، بعيدا عن زوجك وبخله وصمته وتنغيصه لحياتكم، أو قد يكون ذلك بإحياء هواية قديمة كنت قد أهملتها مع المسئوليات والأعباء، أو قد يكون بالتواصل مع مزيد من الأهل أو الأصدقاء، وتوسيع دائرة الاجتماعيات، أو حتى بإدخال العمل التطوعى ولو بشكل بسيط فى حياتك، فهو أمر يعطى للإنسان طاقة لا يعرفها إلا من جربه بالفعل، أو أى شىء آخر تحبينه أو تجدين فيه متعة لك.. اهتمى بنفسك يا سيدتى، أو بمعنى أوضح "دلعى" أنت نفسك، فقد يكون زوجك قد حرمك من حنانه عليك، فلا تحرمى أنت أيضا نفسك من الاهتمام والرعاية، حاولى الاستمتاع بأى شىء جيد فى حياتك، ولا تضيعى عمرك القادم فى النكد والحسرة على وضعك أو على زيجة غير مرضية، هذا قدرك، وكتب عليك أن تعيشيه، وكما قال أحد الفلاسفة "النجاح ليس أن نعيش حياتنا بلا أقدار مؤلمة، ولكن النجاح أن نعيشها ونحن سعداء وراضون رغما عنها".
تقولين أنك تشعرين أنك تعيشين مع زوجك فى سجن، ولكن حتى السجناء يا سيدتى يبحثون عن شىء يستفيدون به أثناء سجنهم، فمنهم من يحصل على شهادة علمية، ومنهم من يتعلم حرفة يتكسب منها، ومنهم من يكون أصدقاء ومعارف لم يكن على معرفة بهم من قبل، حولى محنتك إلى منحة قدر استطاعتك، وصدقينى ستجدين ولو شيئا واحدا تستطيعين به الخروج من شعورك المرير هذا.
أما بالنسبة لادعاء زوجك الفقر، وعدم إنفاقه على بيته وعلى أولاده بالرغم من إرثه الكبير، فعاجلا أو آجلا سيذهب هذا المال إلى أولادك فى النهاية، أى أنهم سينتفعون به يوما ما، رغما عن أنفه، وبالرغم من حرصه وبخله المذمومين، فلا تقلقى، حقهم لن يضيع، وإنما سيصلهم فى الوقت المقدر لهم، وحمدا لله أن لك دخلا يمكنك من العيش بمستوى جيد، ويمكنك من الإنفاق عليهم وتغطية أوجه التقصير التى يتركها أبوهم، وتأكدى أن تعبك وإنفاقك لن يضيعا هباء أبدا، لا عند أولادك ولا عند الله، فأنت تقومين بما هو ليس مطلوبا منك فى الأصل، وبكل تأكيد أنت مأجورة على ذلك.
للتواصل مع د. هبة وافتح قلبك:
h.yasien@youm7.com
(افتح قلبك مع د.هبة يس).. عندما تصبح الحياة سجنا
الأربعاء، 09 أبريل 2014 01:10 م
د. هبة يس
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسمين
مش عارفة ايه الرجالة دى