احتفت وزارة الثّقافة بمملكة البحرين، مساء أمس، باستكمال مركز زوّار شجرة الحياة بمنطقة الصّخير بدعم من شركة نفط البحرين (بابكو)، وذلك بعد اشتغالٍ معمارى على تهيئة بيئة ملائمة للشّجرة واستثمار العمران من أجل تكوين نقطة جذب سياحى بموقع شجرة الحياة فى الصّحراء.
وبهذه المناسبة، وجّهت وزيرة الثّقافة الشّيخة مى بنت محمّد آل خليفة شكرها إلى شركة نفط البحرين الدّاعمة للمركز، مبيّنةً: (هذا الاهتمام الذى يحظى به المشروع يجسّد حرص شركة بابكو على مساندة الثّقافة واهتمامها بالتّخطيط العمرانى فى المناطق المتّصلة بنطاق اشتغالها)، وأكّدت أنّ الدّعم الذى قدّمته الشّركة دليل على حرصها على الحفاظ على الهويّة المكانيّة والبيئيّة، وإيمانها بالمتوازيات الثّقافيّة والبيئيّة والعمرانيّة، مشيرةً إلى أهميّة ذلك فى تكامل المشاريع العمرانيّة والتّنمويّة التى من شأنها تحقيق التّطلعات الوطنيّة والمشاركة فى المنجزات المحليّة والعربيّة.
مركز زوّار شجرة الحياة الذى تمّ وضع حجر الأساس له فى أكتوبر 2012م خلال شهر البيئة فى برنامج المنامة عاصمة للثّقافة العربيّة للعام 2012م، احتفى بتدشين مراحله الأولى فى العام الماضى خلال فصل السّياحة البيئيّة فى سنة المنامة عاصمة السّياحة العربيّة، فى توجّه سياحى جديد يعتمد البيئة موضوعًا له.
وقد اعتنى المشروع بهذه الشّجرة كونها تجسّد هويّة الوطن ببيئتها وطبيعتها، وتمثّل خصوصيّة المنطقة كمكان ومناخ وحياة طبيعيّة تختلف عمّا حولها.
وخلال الاحتفاء، شهد المسرح الصّغير الذى أُلحِقَ عبرَ هذا المشروع بالشّجرة إحياء حفلين متتالين، الأوّل قدّمته فرقة محمّد بن فارس للفنون الشّعبيّة والثّانى كان لفرقة شبابيّة بحرينيّة، حيث التفّ الجمهور حولهما للإصغاء إلى مجموعة من الأغنيات الشّعبيّة البحرينيّة الشّهيرة، مردّدين بعض المقاطع، ومستدرجين الأغنيات إلى موقع الشّجرة.
ويتّخّذ مركز زوّار شجرة الحياة شكل دائرة واسعة يصل قطرها إلى 125 مترًا، تحيط بالشّجرة، وتحتوى على ألواح معلوماتيّة تقدّم فكرة المشروع، تفاصيل تاريخيّة عن المكان، الموجودات والمكتشفات الأثريّة فيه، إلى جانب مواقع استراحة يتمكّن من خلالها الجمهور من البقاء قريبًا من الشّجرة وتأمّلها. كما أُدرِجَ مسرح حجرى صغيرٌ ومدرّجٌ يسع لحوالى 500 زائر فى الهواء الطّلق لإقامة الفعاليّات والأحداث الثّقافيّة والاجتماعيّة، ممّا يحوّل الموقع إلى محطّة تفاعليّة بالنّسبة للقادمين والزوّار.
وحول فكرة التّصميم أوضح المهندس المعمارى د. مروان بصمه جى، أنّ فكرة الدّائرة المحيطة بالمركز تهدف إلى تشكيل منطقة حماية للشّجرة والموقع الأثرى الموجود بجانبها، مما يساعد على تطويق بيئتها الخاصّة ومحيطها المباشر، وتركه كفاصلٍ ما بين وسائل النّقل والملوّثات وموقع الشجرة، موضّحًا: (ليس ذلك فحسب، بل تجربة المكان والإنسان داخل هذه البقعة ستكون مختلفة، فالزّائرون يتّجهون سيرًا ناحية الشّجرة، ويتمتّعون ببيئتها الخاصّة وطبيعة صحرائها التى قد تحجبها عنهم وسائل المواصلات. إنّها فرصة كى نعيش فكرة هذه الشّجرة ومقاومتها لبيئتها الحارّة من أجل الحياة فقط). وأكّد د. بصمه جى أنّ المسار المحيط بالشّجرة ليس عاديًّا ولا مجرّد حاجز، بل يشكّل مسارًا تعليميًّا وثقافيًّا بألواح توضيحيّة تنقل معلومات الأشجار الشّبيهة حول العالم، مشيرًا إلى أنّ كلّ لوحة معلومات توضيحيّة تنقل فكرة(الشّجرة الرّمز) فى مكان ما فى العالم، وتقع كلّ لوحة على جدار المركز مشيرةً إلى إحداثيّات موقع الشّجرة وجهة موطنها الحقيقى الذى ترمز له، على غرار شجرة الأرز فى لبنان، الزّيتون فى اليونان، شجرة البلّوط فى الولايات المتّحدة الأميركيّة، شجرة التّنين فى جزر الكنارى وغيرها.
وأشار د. بصمه جى أيضًا أنّ التّصميم يحتضن الشّجرة باعتبارها العنصر الأجمل والوحيد فى المكان، وقد يبدو غريبًا للوهلة الأولى أنّ شجرة الحياة لا تقع فى مركز الدّائرة للمشروع والتى يصل قطرها إلى 125 مترًا، بل تتّخذ ناحية معيّنة، معلّلاً: (إنّها تجربة الزّائر لاكتشاف الشّجرة، وجودها فى المنتصف سيجعل التّجربة مكرّرة أثناء حركة الزّائر الذى لن يشعر بالاختلاف، ولكنّ وجودها فى نقطة بعيدة عن المركز سيترك التّجربة أكثر غنى وسيتيح للمسافات أن تخلق معاينات مختلفة فى كلّ مرّة يلتفّ فيها الزّائر حول شجرة الحياة)، وأردف: (اعتبرنا الشّجرة منحوتة طبيعيّة، يمكن الاقتراب والابتعاد عنها، يمكن رؤية هيئتها العامّة ومن ثمّ ملامسة تفاصيلها فى مسافات متفاوتة، يصل أقصاها إلى 200 متر، وأقربها لمسافة 10 أمتار من المسرح المفتوح على الفضاء).وبيّن أنّ محيط الدّائرة ومسارها يصل إلى 800 مترٍ مع تنويع فى أرضيّتها وارتفاعها، وذلك ما يتوافق مع طوبوغرافيا المكان، مشيرًا إلى أنّ (التّصميم ضمن التّضاريس والطّوبوغرافيا الموجودة)، فالمشروع لم يغيّر أو يمسّ بيئة الشّجرة، بل كان صديقًا مساندًا لها.
أمّا المعارض الموجودة فى مركز زوّار شجرة الحياة، فإنّها تنقسم إلى نوعين: الأوّل يختصّ بشجرة الحياة، تاريخها، نوعها، المكتشفات الأثريّة الموجودة حولها وغيرها من التّفاصيل والحقائق، فيما يتحدّث النّوع الثّانى عن فكرة المشروع، الشجرة ومثيلاتها فى العالم، تفاصيل المكان، الموجودات الأثريّة وغيرها.
الجدير بالذّكر، أنّ شجرة الحياة التى يصل عمرها إلى 400 عامٍ تمثّل قيمة تاريخيّةً وحضاريّة لامتداد جذرها البيئى والطبيعى الذى بقى شاهدًا على تغيّر المدن ونسيجها رغم وجود الشجرة فى بيئة صحراويّة قاحلة، إنّ هذه الخصائص التّاريخيّة تجعل من شجرة الحياة مشروعًا ثقافيًّا وحضاريًّا مختلفًا فى طبيعته.
ويجسّد مركز زوّار هذه الشجرة نقلة نوعيةً مغايرةً لطبيعة المشاريع العمرانية، لما ينسجه من علاقة ثلاثيّة تجمع العمران بالثقافة والبيئة، ويُوظّف البعد الإنسانى والتأريخ الطبيعى عبر الحفاظ على الموجودات الطبيعية النادرة. ولا يمسّ العمران الحديث للمركز بيئة الشجرة وطبيعتها الصحراويّة، بل على العكس تمامًا، إذ يشكّل تكوينًا مغايرًا يضمن استمراريّة الحياة فيها ويحافظ على نسيجها الطبيعيّ، وبذلك فإنّ المركز يمثّل طريقة الثّقافة لترسيخ هويّة البيئة المحليّة، وسعيها لتحقيق التّكامل ما بين المفردة المعماريّة والنسيج الطبيعى للمكان الصحراوى عبر حماية خصوصيّة الغطاء الأخضر الملائم لمناخ تلك المنطقة.