نقلا عن اليومى..
-مغامرة لـ «اليوم السابع» تكشف:إجراءات الأمن بمستشفى بولاق الدكرور «سداح مداح»..التجول بين العنابر «بلا حدود».. والاستقبال «لم يحضر أحد».. وغرف الممرضات «صحراء جرداء»
لم يكن "على" سوى طفل رضيع لم يتعد عمره ساعات قليلة، ساقه القدر إلى أن تقتلعه يد قاسية من بين أحضان أمه التى لم تكتمل فرحتها برؤياه.
"على" هو الابن الرابع لأسرة بسيطة لم تسمح الظروف المادية لرب الأسرة، بأن يأخذ زوجته التى جاءها المخاض إلى أحد المستشفيات الخاصة، لكى تلد صغيرهما، وانتهى به المطاف إلى اصطحابها إلى مستشفى بولاق الدكرور العام.
"على" اختطفته سيدة وابنتها من داخل مستشفى بولاق الدكرور فور ولادته مباشرة، ولكن شاء الله أن يجمعه بوالديه مرة أخرى وأن يعود لأحضانهما بعد 5 أيام من اختطافه، وكانت قصة عودته هى الخاتمة التى أنهى بها العميد طارق المرجاوى حياته المهنية قبل يومين من استشهاده، فى تفجيرات جامعة القاهرة، حيث باشر تحقيقات اختطاف "على" بصفته رئيس مباحث قطاع غرب الجيزة.
"اليوم السابع" توجهت إلى أسرة "على" بعد عودته إلى أسرته لترصد مشاهد الفرح والسعادة، التى اعتلت وجوه أهله وأقاربه، خاصة والدته إيمان حنفى محمود، التى أخذت تسرد ما حدث معها منذ دخولها إلى مستشفى بولاق الدكرور انتهاء باختفاء طفلها.
البداية كانت فى استراحة قسم النساء والتوليد فى الطابق الثالث من مستشفى بولاق الدكرور 27 من مارس الماضى، مع صرخات إيمان المتصاعدة من شدة الآلام، اقتربت منها سيدة متخفية بالنقاب بدعوى التخفيف عنها، وظلت تدعو لها بأن يفرج الله كربها، ولسوء حظ إيمان لم يكن بصحبتها سوى والدة زوجها المسنة التى تتحرك بصعوبة.
ظلت السيدة المنتقبة بصحبة إيمان إلى أن جاءت لحظة ميلاد "على"، وأفاقت إيمان من تلك الأوقات المؤلمة لتسعد بضم صغيرها، فى عنبر الولادة الذى يتواجد فيه ما يقرب من خمسة سيدات وضعن أطفالهن فى نفس التوقيت.
وبحجة الاطمئنان على صحة إيمان وطفلها دخلت السيدة المنتقبة عنبر الولادة، وحصلت على رقم الهاتف الخاص بزوج إيمان بحجة الاتصال به بعد خروجها من المستشفى، للتأكد من سلامتها، إلا أن جدة الطفل "على" شكت فى أمرها، وطلبت منها الرحيل، لكنها لم ترحل، و بمجرد أن ذهبت الجدة إلى دورة المياه، أقنعت المنتقبة أم على بأن طفلها يعانى من ضيق تنفس، وأنها سوف تأخذه إلى طبيب الأطفال، للاطمئنان على صحته، فوافقت الأم إلا أنها فور خروجها من عنبر الولادة بصحبة الرضيع، فوجئت بالجدة تسألها عن سبب حملها للطفل، فقالت لها إنه مريض فحملته الجدة منها وتوجها به إلى طبيبة الأطفال التى أكدت أنه بخير، وبحسب كلام الجدة، فإن الطبيبة لم تهتم بسؤال السيدة المنتقبة عن سبب قولها، بأن الطفل مريض أو عن هويتها، وماذا تريد بل تركتها تذهب دون أى سؤال".
لم تستسلم السيدة المنتقبة وقررت العودة من جديد متنكرة فى ثوب طبيبة بدون حجاب، وبالفعل تجولت داخل عنبر الولادة وأجرت الفحوص الطبية على كل السيدات المتواجدات فى الغرفة وعلى أطفالهن الرضع، كل ذلك دون أى رقابة من الممرضات اللائى يجلسن فى الغرفة المواجهة لعنبر الولادة، وحسبما تقول إيمان: " كانت عاملة نفسها دكتورة و كانت من غير حجاب ووشها مليان مكياج وكشفت على كل الستات، ولما جات عندى كتبت لى روشتة وطلبت من الحاجة أم جوزى تروح تجيبها لى ضرورى، وفعلا بعد ما غادرت الحاجة الغرفة كشفت على ابنى "على " و قالت لى الولد تعبان جدًا ومحتاج رعاية هاخده لدكتور أطفال يبص عليه، وكانت بصحبتها فتاة صغيرة عندها حوالى 20 سنة " .
وأضافت إيمان وهى تتذكر تلك الأوقات الصعبة فى حياتها، قائلة: "الغريب أن فى الساعة دى مافيش أى دكتور أو ممرضة قرب من غرفة الولادة، رغم أن قدامنا على طول غرفة الممرضات أنا فعلا مستغربة الست دى جابت القدرة دى إزاى أنها تتنكر وتدخل وتتكلم بالثقة دى، وفى الوقت نفسه كل الممرضات يختفوا ومحدش فيهم يظهر إطلاقا.. أنا بتهم إدارة المستشفى بالتورط فى اللى حصل معايا ومع ابنى".
وتستطرد إيمان: "بعد ما خدت الست ابنى، جات حماتى بعد ما اشترت العلاج فى الروشتة وسألتنى على الولد قلت لها مع الدكتورة ولكن حماتى قلقت وسألت الممرضات، قلن لها إحنا منعرفش حاجة إحنا سلمناكن الولد وأنتم مسئولين عنه وقعدوا يضحكوا عليها، وطبعا مقدرتش تعمل حاجة غير أنها تصوت، و رغم كل دا محدش فى المستشفى اهتم بينا وأنا نزلت وأنا تعبانة من السرير أدور على ابنى وأنا مش قادرة أمشى وعمالة أصوت، لغاية ما عامل فى المسشتفى طلب مننا نعمل محضر فى قسم الشرطة".
باقى القصة يرويها زوجها سعيد فؤاد، الذى توجه مباشرة إلى قسم شرطة بولاق الدكرور المجاور للمستشفى، والذى التقى رئيس المباحث عمرو حجازى ومعاون المباحث أيمن الشرنوبى، وتم تحرير محضر رقم 2493/ 2014، وبالفعل تم تشكيل فريق بحث بقيادة اللواء مصطفى حرير، مدير مباحث الجيزة، لكشف غموض الواقعة، وقام العميد الراحل طارق المرجاوى، رئيس مباحث قطاع غرب الجيزة، بمباشرة التحقيقات، وتعد آخر واقعة تحقيق تولاها قبل استشهاده فى تفجيرات جامعة القاهرة .
وبعد حوالى ثلاثة أيام من اختطاف الصغير، فوجئ والده بإتصال هاتفى من رقم غريب يتحدث فيه صاحبه عن مساومته لدفع مبلغ 200 ألف جنيه كفدية لصغيره الذى تم اختطفاه من المستشفى، قائلا له: "أنا قلت أبلغك الأول بمطالبنا وأنت أولى أنك تاخد ابنك أحسن من إننا نبيعه لحد غيرك"، فرد عليه فؤاد " أنا ما أقدرش على المبلغ .. أنا رجل غلبان لو دخل بيتى 50 جنيها فى اليوم ببقى مبسوط ".
وتوجه فؤاد إلى قسم بولاق الدكرور وأبلغ عمرو حجازى، رئيس المباحث بما حدث معه، وبالفعل قرر الأخير مراقبة الرقم الذى يتصل بوالد الطفل، وأثناء خروج فؤاد من القسم، قرر الوقوف لفترة داخل سيارة الأجرة أمام المستشفى، وبالمصادفة لمح فؤاد فتاة تشبه الفتاة الصغيرة، التى كانت بصحبة السيدة المنتقبة تدخل إلى المستشفى فى حوالى الساعة الحادية عشرة مساء، الأمر الذى دفعه إلى الاتصال برئيس المباحث الذى انتقل إليه على الفور، وألقوا القبض على هذه الفتاة، التى أنكرت فى البداية معرفتها بالأمر، إلا أن فؤاد طلب من رئيس المباحث أن يأمرها بخلع الحجاب التى ترتديه، لأنه يتذكر أن هذه الفتاة كانت نائمة بجوار السيدة المنتقبة وزوجته لأكثر من ثلاثة ساعات، وشعرها كان خارج الحجاب وكان ملون "خصلة و خصلة"، حسب تعبير والد على، وبالفعل بمجرد أن خلعت حجابها كانت كما توقع فؤاد.
وأضاف والد "على" أنه بالتحقيق مع الفتاة العشرينية، تبين أن وراء ارتكاب الواقعة "ه ن" 37 سنة ربة منزل وابنتها ياسمين، المقيمتان فى شارع العشرين ببولاق الدكرور، كما اعترفتا على الشخص الذى كان يعاونهما بالاتصال بوالد على بهدف الحصول على فدية، وبمواجهتهما اعترفت ربة المنزل بدخولها إلى المستشفى متخفية بالنقاب ومعها ابنتها ياسمين، وقامت بالتجول فى غرفة الولادة، وبعدها دخلت إلى دورة المياه المقابلة إلى الغرفة، وخلعت النقاب وارتدت ملابس طبيبة، وذهبت إلى والدة الطفل وأخذته بدعوى أنها ستقوم بعمل جلسة بخار له، وسلمته إلى ابنتها وفرتا هاربتين.
تقول إيمان: "عشت أيام طويلة بين حزن ومرارة كان نهارى ليلى وليلى نهار .. أنا لو قدرت كنت دبحت الست دى بسكينة تلمة لأنها قطعت قلبى على ضنايا، لكن أنا الحمد لله مبسوطة أوى أنه رجع لى تانى".
القبض على تلك العصابة لم تمنع والد الرضيع من تحميل مستشفى بولاق الدكرور المسئولية كاملة، لما حدث معهم واتهمهم بالتورط فى اختطاف صغيرة.
ومن المقرر، أن يتوجه "على" و أبواه لإجراء تحليل الـ "دى إن إيه"، للتأكد من أنه صغيرهما، إلا أن جدته سارعت بالدفاع عنه قائلة: "دا ابننا من غير أى تحاليل .. دى مناخيرة دى ماركة مسجلة عندنا فى العيلة وأنا أول ما اتولد كنت ملبساة فانلة بيضا وفوقيها فانلة تانية صفرا وفعلا لما جالنا كان لابسهم"، وبوجه ملائكى ابتسم "على" وهو نائمًا لأمه، وأبيه وظل أشقاؤه يداعبونه أملا فى أن يستيقظ ليلعب معهم.
"على" قد لا يكون الطفل الوحيد فى مسلسل الإهمال فى المستشفيات، فقد يتعرض أى طفل آخر لنفس مصير الاختطاف إذا استمر الوضع الأمنى فى المستشفيات الحكومية كما هو دون تغيير، وهو ما دفع "اليوم السابع" إلى التوجه إلى مستشفى بولاق الدكرور العام بعد أيام من اختطافه، للتعرف على سبل التأمين التى اتخذتها المستشفى لعدم تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخرى.
دخول المستشفى أمر لا يتطلب بذل مجهود كبير، فليس عليك إلا شراء تذكرة زيارة بقيمة جنيه واحد فقط للتجول داخلها و بين جميع الأقسام بيسر مبالغ فيه، ومهما بقيت من مدة أو دخلت من غرف فلن يسألك أحد ماذا تفعل.
غياب التأمين داخل المستشفى وعدم وجود متابعة دورية من الأطباء أو الممرضات أو الإدارة على المرضى، أمر تلحظه بكل سهولة.
فى كل طوابق المستشفى غرفة مخصصة للممرضات، بالإضافة إلى مكان للاستقبال، من المفترض أن تقف فيه إحدى الممرضات لمباشرة من يدخل إلى الأقسام ومن يخرج منها، وهو ما لن تجده إذا ذهبت لهناك، فهذه الأماكن المخصصة للممرضات خاوية عن آخرها ولا تقف فيها أى ممرضة.
الطريق إلى قسم النساء والتوليد فى الطابق الثالث سهل، وشبه خالى من الممرضات اللائى اكتفين بالجلوس داخل غرفتهم المتواجدة داخل الطابق، وترك مكان الاستقبال خاويًا من أى منهم.
التجول داخل القسم ودخول العنابر التى توجد فيها السيدات وأطفالهن الرضع أمر متاح وميسور، فدخول جميع العنابر بحجة السؤال عن إحدى السيدات التى تلد طفلها، فالعنبر الأول يوجد فيه حالتان، وأقاربهمها والعنبر الثانى كان خاويًا من أى حالة فيما كان عنبر ثالث لا يوجد فيه سوى سيدة واحدة لا تقوى على الكلام ويبدو عليها أنها فاقت من تخدير الولادة قبل دخولنا إليها مباشرة، و كانت هذه السيدة تنام على سرير وعلى السرير الآخر رضيعها، بل يمكن الجزم بأن سرقة رضيعها من جوارها كان أمرًا بسيطًا ويمكن تحقيقه.
رقم " 6 " هو العنبر الأقرب إلى وصف إيمان والذى كانت تجلس فيه أثناء اختطاف رضيعها، فهى لم تتذكر رقم العنبر بالتحديد، ولكن حسب وصفها هو ذلك المواجه لغرفة التمريض مباشرة، والتى بجوارها دورة المياه التى قامت الخاطفة بتغيير ملابسها فيه وارتدت ملابس طبيبة، وانتقلت منه إلى عنبر الولادة كل ذلك، وسط غياب طاقم التمريض والأطباء بالكامل و عدم تأمين الأمهات والأطفال حديثى الولادة.
الدخول إلى قسم النساء والتوليد فى قسم بولاق الدكرور العام بعد أيام على خطف الرضيع "على"، كشف عن أن الوضع لا يزال كما هو ولم يتغير، فعلى الرغم من أن الواقعة جديدة ولم يمر عليها الكثير من الوقت، إلا أن كل ما سردته أم "على" وجدناه كما هو دون أى رقابة أو تأمين حتى ولو بشكل وقتى، فمن السهل على أى فرد التنكر مجددًا وخطف أى طفل من داخل عنابر الولادة دون أى خوف.
الوضع المتردى داخل المستشفيات العامة يلخصه الدكتور هشام عطا، رئيس قطاع الطب العلاجى بوزارة الصحة، بقوله بأن السبب الرئيسى فى حوادث اختطاف الأطفال من المستشفيات يعود إلى عدم وجود تأمين كافٍ داخلها، وعلى الرغم من ذلك فهو يرى أن حماية الأطفال فى الحضانات وتأمينهم يكون عن طريق كتابة أسمائهم فى أساور على أيديهم، مؤكدًا على ضرورة أن تتمتع المستشفيات بالتأمين، الذى يمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
القصة الكاملة لخطف «على» بعد ولادته بمستشفى بولاق.. مفاجأة.. العميد طارق المرجاوى أعاد الطفل إلى أسرته قبل استشهاده بأيام..«الخاطفة» ارتدت النقاب ثم تنكرت فى زى طبيبة وتجولت فى المستشفى بمنتهى الحرية
السبت، 05 أبريل 2014 09:55 ص
الطفل علي المخطوف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة