رفض الرجال الأربعون تقريباً الذين تجمعوا فى حظيرة للمزادات تناثر الروث على أرضيتها الرملية فى واحد من أكبر أسواق الإبل فى السعودية رفضا باتا قبول ما أعلنه علماء من الربط بين الإبل وفيروس فتاك يصيب البشر.
وقال تاجر يدعى فرج السبيعى فى السوق: "غير صحيح. هذا كذب. نحن نعيش مع الإبل ونشرب لبنها ونأكل لحومها. لا يوجد مرض. نحن نعيش وننام ونقضى حياتنا كلها معها ولا شىء يحدث".
وأصاب مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا) 345 شخصا فى المملكة منذ اكتشافه قبل عامين، وتسبب الإصابة بالفيروس حمى والتهابا رئويا وفشلا كلويا لدى البعض ويتوفى نحو ثلث المصابين.
ورغم أن كثيرا من المرضى فى موجة انتشار المرض الأخيرة فى جدة أصيبوا بالعدوى فيما يبدو من خلال الاتصال الشخصى بمرضى فى المستشفيات فقد تم اكتشاف الفيروس فى الخفافيش والإبل ويقول خبراء كثيرون إن الإبل على الأرجح تمثل مصدرا حيوانيا لحضانة هذا الفيروس الذى يصيب الإنسان.
وتحتل الإبل مكانة خاصة فى المجتمع السعودى، فهى تمثل رابطا مهما فى نفوس السعوديين بينهم وبين حياة البداوة التقليدية التى تتلاشى مظاهرها شيئا فشيئا، كما تمثل أهمية اقتصادية تجعل قيمة بعضها تتجاوز أحيانا مئات الألوف من الدولارات.
ونصحت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضى الناس الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا بتفادى مخالطة الإبل واتخاذ الاحتياطات الوقائية حين يتواجدون فى أماكن توجد فيها إبل وأن يتجنبوا شرب حليب النوق.
لكن فى سوق الجمال التى تمتد أميالا على طريق سريع على مشارف العاصمة السعودية الرياض قال تجار إبل وأصحابها وعمال يخالطونها إنهم لم يتلقوا أى نصائح أو معلومات أو تحذيرات من مسئولى الحكومة بشأن فيروس كورونا.
وقال طبيب بيطرى مصرى مقيم فى السعودية يدعى إيهاب الشابورى، إنه لم يعرف أن فيروس كورونا اكتشف فى الجمال، وأضاف أن وزارة الزراعة كانت ستتخذ إجراءات إذا كان ذلك قد حدث.
وفى حين أن ربط الفيروس بالإبل موضوع دراسة مستفيضة بين العلماء خارج المملكة فلم يكن له أثر يذكر على مستوى النقاش الرسمى فى المملكة.
غير أن عادل فقيه وزير الصحة المكلف قال فى مؤتمر صحفى يوم الثلاثاء إن هناك إجماعا فى المناقشات التى جرت على مدى اليومين السابقين - بعد أن استعرض الفريق العلمى الأدلة المختلفة - على النصح بعدم الاتصال بالإبل خاصة المريضة منها.
وكان الوزير يتحدث بعد اجتماع خبراء أجانب بعضهم من منظمة الصحة العالمية دعتهم الحكومة للمساهمة فى تحرى حقيقة الفيروس، ونصح الخبراء الناس بعدم شرب لبن النوق أو تناول منتجات لحوم الإبل.
وعين فقيه الأسبوع الماضى بعد إعفاء الوزير السابق عبد الله الربيعة من منصبه فى أعقاب تزايد الاستياء العام على وسائل التواصل الاجتماعى، مما رأى كثير من السعوديين أنها استجابة غير كافية لانتشار المرض.
وعلى خلاف سلفه زار فقيه مستشفيات توجد بها حالات إصابة بالمرض وظهر على التليفزيون وهو يقابل مرضى مصابين بالفيروس فيما بدا إنها محاولة لكسب ثقة الجماهير.
ويمثل الفيروس مصدر قلق رئيسيا بسبب استضافة السعودية ملايين المعتمرين والحجاج كل عام، وطالب فقيه كبار السن والأطفال ومن يعانون من أمراض مزمنة بتأجيل الحج هذا العام، لكن السلطات لم تفرض قيودا أخرى.
• إعجاب وتعلق وقصائد شعر
وتكهن بعض خبراء العدوى بأن حساسيات محلية بشأن ما قد يلحق بسمعة حيوان يتعلق به الكثيرون فى المملكة الصحراوية ويرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية الحضارية قد تكون سببا فى رفض الربط بين الإبل وتفشى المرض.
ويخشى هؤلاء أن يعوق ذلك الإجراءات الوقائية التى تهدف للحد من انتشار المرض الذى لا يبدو حتى الآن أنه ينتقل بسهولة بين البشر، وذلك من خلال السيطرة عليه من المنبع.
والإبل مشهد شائع فى بعض الأحياء الشرقية من الرياض إذ ترعى فى الأراضى الخلاء أو تشاهد وهى تنقل على شاحنات على الطرق الرئيسية. وفى حين أنها أقل انتشارا داخل بعض المدن السعودية الأخرى مثل جدة فإنها تشاهد فى العادة على مشارف المدن.
والإبل وسيلة نقل ومصدر للحليب واللحوم ولا غنى عنها لحياة البداوة التى عهدها أجداد السعوديين منذ زمن بعيد فكانت مصدراً للإعجاب ومحل تعلق شديد، بل وموضوعا للقصائد فى تراث الشعر العربى.
وقد اختفت حياة البداوة منذ زمن وحل محلها قبل عشرات السنين حياة مدنية قوامها السيارات ومتاجر السوبر ماركت والتليفزيون، لكن رغم ابتعاد السعوديين عن الجذور البدوية فإن كثيرين يعتزون على نحو متزايد بقيم تلك الحياة ويرون أنها أنقى وأبسط من قيم الزمن الحالى.
ويعد امتلاك الإبل والتعلق بها جزءا لا يتجزأ من ذلك الحنين للماضى تتبدى مظاهر التعبير عنه فى السباقات والمهرجانات التى تجتذب عشرات الألوف من المشاهدين وملايين الريالات التى يدفعها المشترون فى أسرع الإبل وأجملها.
ويقول التجار، إن أغلب الحيوانات المعروضة فى الحظائر المقامة بالألواح المعدنية المتعرجة والطرق المليئة بالمطبات فى سوق الإبل بالرياض عادية لا ترقى إلى مستوى الأسرع والأجمل لكنها تربى من أجل منتجاتها من الحليب والبول ويكون مآلها المجزر فى نهاية الأمر.
وبينما كانت مجموعة من الرجال تتبارى فى الحديث عن مزايا الإبل المعروضة لمس مسئول عن المزاد بعصاه أحد الحيوانات وبدأ المزاد بسعر 7200 ريال (2000 دولار).
وتعرض لحوم الإبل فى أقسام اللحوم بأغلب متاجر السوبر ماركت السعودية إلى جانب قطع من لحم الضأن النيوزيلندى واللحم البقرى الإيرلندى فى حين يشرب الحليب طازجا دون غليه أو معالجته ويعتبر دواء شافيا.
وقال تاجر إبل بلحية بيضاء "نحن نشرب الحليب ونقدمه لضيوفنا، إنه دواء، والناس يأتون إلينا طلبا لحليب الإبل من أجل صحتهم وخاصة للشفاء من السرطان، كلنا نشربه كل يوم، وانظر كم نحن أقوياء".
• غضب
علا أنين حيوان ممزوج بالغضب عندما لكز اثنان من الرعاة جملاً كبير الحجم فى فخذه لتوجيهه فى الطريق الصحيح بعيداً عن خيمة باللونين الأبيض والأسود كان خمسة رجال يؤدون فيها صلاة العصر.
وقال عيد الرشيدى الذى ينتمى لقبيلة جاء منها عدد من الرجال بعضهم بائع وبعضهم مشتٍر فى المزاد إن والده وجده كانا يملكان قطعانا من الإبل، وإن لديه الآن 30 جملاً تتراوح قيمة كل منها بين 20 ألفا و30 ألف ريال.
ورفع الرشيدى إصبعه بحركة غاضبة معلناً أنه لا توجد حالات إصابة بالفيروس بين الإبل، وأيدته مجموعة من الرجال كانوا يقفون وراءه، بينما تساءل كثيرون كيف يرتبط المرض بالإبل فى حين أن أيا من التجار لم يصب بالمرض.
ولم توجد أى لافتات أو تحذيرات أخرى مرئية فى سوق الإبل توجه الناس لاتخاذ احتياطات إضافية مثل الإكثار من غسل الأيدى أو تجنب مخلفات الإبل.
وفوق رأس الرشيدى امتدت ذراع رافعة صغيرة ببطء من شاحنة تحمل جملاً بالغاً يتأرجح ويتساقط روثه على الأرض أثناء إنزاله بعناية، وعطس الجمل فى صاحبه عندما تقدم لفك وثاقه.
وبينما استمر المزاد على جمل بالغ هرولت مجموعة من الإبل الصغيرة فى الخلف وكان صبى سعودى يعدو خلفها وهو يستحثها بضربات خفيفة على الظهر.
وقال التاجر سلمان الرشيد "لو أنه ثبت صحيح إن مرض الكورونا موجود من الإبل نحن الحين موجودون فى منطقة الخطر، إحنا الحين جالسين على النار، لكن منتهى.. وكل الإبل هدا اللى جاى من (المنطقة) الشرقية واللى جاى من حفر الباطن واللى جايتك من الجنوب. هدا كل الإبل تجمع هنا للحراج، المريضة تيجى هنا والصاحية تيجى هنا، ما شفنا كورونا ولا جانا شىء".
رويترز: تغلغل الإبل فى حياة السعوديين يصعب السيطرة على فيروس كورونا
الأربعاء، 30 أبريل 2014 03:44 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة