يتضح يوما بعد الآخر أن أزمة سد النهضة ليست مجرد خلاف بين دولتين على حصة فى مياه نهر النيل، وإنما تتوسع الأزمة ويتحول المشروع إلى حرب سياسية بالوكالة تقف وراءها قوى طامعة فى توسيع نفوذها فى المنطقة على حساب نفوذ مصر ومصلحة شعبها.
من ينظر إلى التحركات التركية الأخيرة ويلقى نظرة أكثر عمقا فى توسع الاستثمارات القطرية والإيرانية والتركية فى أفريقيا يعى أن القضية لا تنحصر فى خلاف بين مصر وإثيوبيا، وإنما يمتد ليشمل صراعا إقليميا أوسع، وربما ألمحت إلى ذلك قبل أقل من عام صحيفة «ذا ريبورتر» الإثيوبية فى نسختها الإنجليزية، مشيرة إلى أن تحول قطر المفاجئ من عدو إلى صديق ومحاولات التقرب من إثيوبيا يبدو غير مطمئن.
وقام الشيخ «حمد بن خليفة آل ثانى»، الحاكم السابق لقطر، بزيارة إلى إثيوبيا إبريل 2013، بعد إعلان البلدين استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، إذ تم تعليق العلاقات عام 2008 بعد أن أصدرت أديس بابا بيانا يفيد بأن قطر كانت واحدة من أهم مؤيدى الإرهاب فى الصومال وفى أجزاء أخرى من القرن الأفريقى، وكشف البيان عن استياء إثيوبيا حيال علاقة قطر القوية مع إريتريا، لأن هذه العلاقة تعكس السياسة المضطربة فى المنطقة.
وبعد توتر العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا وبداية العلاقة الوثيقة بين الأمير القطرى والرئيس الإريترى «أسياس أفورقى»، قال الكاتب الغربى «وارمين روزن»: «تطمح قطر إلى أن تكون قوة إقليمية، وفى سبيل ذلك فإنها حددت بشكل خبيث وبارع دولة منبوذة فى البحر الأحمر «إريتريا» كمكان لتعزيز مصالح الإمارة بشكل أوسع»، ونقلت الصحيفة الإثيوبية ما قاله الصحفى الفرنسى «ليونارد فينسنت»: «قطر هى الدولة الوحيدة اليوم التى لديها الأدوات والإرادة للتأثير على إريتريا، وهى تريد استخدام ذلك لمصلحتها الخاصة من حيث تحسين وضعها فى المجتمع الدولى، وتأمين النفوذ فى العالم العربى على البحر الأحمر، ويعد ذلك جزءا من لعبتهم السياسية».
لذلك فإن قطر جعلت من نفسها راعيا مع إثيوبيا لإحلال السلام والاستقرار الدائمين فى القرن الأفريقى، وقد وقع الوفد القطرى الذى زار أديس أبابا العام الماضى ست اتفاقيات ثنائية مع الجانب الإثيوبى، وتناقش الجانبان بشأن كيفية وضع جهودهما معا لإحلال السلام والأمن الدائمين فى منطقة القرن الأفريقى، وتعزيز الاستقرار الحالى المكتسب فى الصومال وإعادة بناء الصومال وقضية السودانيتين.
وأشارت «ذا ريبورتر» بالقول: «من خلال دور الوسيط الضمنى الذى تلعبه قطر بين إثيوبيا وإريتريا، فذلك يؤكد تطلع قطر لدور أفضل فى السياسة العالمية». وفى تصريحات سابقة قال أكبر الباكر، الرئيس التنفيذى للخطوط الجوية القطرية تعليقا على إطلاق رحلات جوية بين الدوحة وأديس بابا: «إن إثيوبيا هى واحدة من القوى الدافعة وراء التغيير الذى يحدث فى الاقتصاد الأفريقى، وبالتالى فإن فتح طريق جديد لأديس بابا يضيف كثيرا للناحية التجارية».
الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لتركيا، إذ ليس مفاجأة أن يقوم وزير الخارجية التركى أحمد داود أوغلو بزيارة إثيوبيا ويعرض عليهم الخبرة التركية فى بناء سد النهضة الذى يثير أزمة كبرى بين القاهرة وأديس بابا. كما أشار هانى رسلان، رئيس وحدة السودان بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن ملف السد بدأ يأخذ أبعادا أكبر عقب تدخل الجانب التركى والقطرى وعرضهما تمويل السد بمبلغ يصل إلى 5 مليارات دولار والاتفاق على صفقات عسكرية تشمل مضادات للصواريخ لحماية السد.
وهذا التدخل ليس بجديد، ففى إطار التحركات التركية للتوغل فى الشأن الأفريقى، وتحديدا فى منطقة منابع النيل، تصدرت أزمة سد النهضة الإثيوبى وقضية الاستخدام العادل لمياه نهر النيل المباحثات الثنائية التى جرت فى أديس أبابا بين تادروس أدهانوم وزير خارجية إثيوبيا ونظيره التركى أحمد داود أوغلو ضمن سلسلة من القضايا الإقليمية.
وأكد وزير الخارجية التركية خلال اللقاء على أهمية الاستخدام العادل للأنهار الدولية، مستدلا على ذلك بتجربة بناء سد أتاتورك التركى، والذى استدعى بناؤه وتشغيله إجراء مفاوضات مع كل من سوريا والعراق.
الموقف التركى الواضح حيال الثورة المصرية يمكن تفهمه من منطلق اعتبار رئيسى يتمثل فى أن مصر يمكن أن تلعب دورا منافسا فى ذات الوقت للدور التركى فى إطار منطقة الشرق الأوسط، والتى تمثل دائرة رئيسية من دوائر الاهتمام لدى الجانب التركى، وذلك فيما يتعلق بالمجال الخارجى، وبالتالى فإنها تتصور أن تسعى للاستئثار بالنفوذ والسيطرة الكاملة على هذه المنطقة وذلك من خلال إضعاف الدور المصرى وتهميشه تماما، وهذا ما أكده رئيس الوزراء التركى «أردوغان» فى عام 2007، عندما أكد أن تركيا لن تكون فاعلا مجهولا بل نشيطا ومنخرطا فى عملية صنع القرار فى إطار منطقة الشرق الأوسط كما أكد فى ذات السياق أن كل التحركات فى المنطقة يجب أن تكون بالتنسيق مع تركيا.
بجانب قطر وتركيا فإن الدكتور محمود أبوالعينين أستاذ العلوم السياسية وعميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية يشير إلى دور دولة ثالثة تحاول العبث بالمصالح المصرية فى القارة، وهى جنوب أفريقيا التى تشرف على طريق «الكاب»، أى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو المنافس النسبى لقناة السويس التى ترى فى تعطيلها مصلحة اقتصادية نفعية لها.
وأوضح أبوالعينين فى تصريحات خاصة لـ«ليوم السابع» أن الناتج المحلى لدولة جنوب أفريقيا يعادل %40 من الناتج المحلى الإجمالى لـ43 دولة، مما يمثل قوة اقتصادية كبيرة وتعطى جنوب أفريقيا امتيازات فى فرض سيطرتها على الدول الأفريقية وعلى رأسها إثيوبيا، مشيرا إلى مدى المنافسة الشرسة بين مصر وجنوب أفريقيا، والتى تجلت مطلع عام 2003 عندما سعت مصر لاستضافة مقر برلمان إفريقيا على أراضيها، لكن جنوب أفريقيا اقتنصت ذلك، إضافة إلى التنافس على تنظيم كأس العالم عام 2010، وآخرها سعى جنوب أفريقيا إلى الحصول على مقعد فى مجلس الأمن الدولى عندما يتم توسيع المجلس وفقا للفكرة التى طرحت عام 2004 / 2005، والتى اقترحت أن تحظى أفريقيا بمقعدين فى المجلس فى حال تنفيذ الفكرة.
ويرى أن جنوب أفريقيا رفضت الاعتراف بثورة 30 يونيو وخارطة الطريق التى أعلن عنها مؤخرا، لتوظيف ذلك سياسيا ضد مصر وتمثل ذلك فى اتخاذ قرار تعليق عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى.
واللافت أن مشروع سد النهضة هو واحد من أربعة سدود رئيسية اقترحتها دراسة أمريكية عام 1964، حيث وافقت الحكومة الأمريكية على الطلب الإثيوبى فى إمكانية التعاون معها للقيام بدراسة شاملة لحوض النيل الأزرق خاصة بعد عزم مصر على إنشاء السد العالى فى ذلك الوقت، وجرى التوقيع على اتفاق رسمى بين الحكومتين فى أغسطس 1957، المشروع المشترك كان يحمل عنوان «البرنامج التعاونى للولايات المتحدة الأمريكية وإثيوبيا لدراسة حوض النيل الأزرق» واستمرت تلك الدراسة المكثفة للمشروع لمدة خمس سنوات «1958 - 1964» وكان ذلك إبان بناء السد العالى فى مصر «1960 - 1970».
سد النهضة.. حرب سياسية بالوكالة..قطر وتركيا وجنوب أفريقيا وإيران تتصارع لتوسيع نفوذها بإثيوبيا على حساب أمن مصر المائى
الثلاثاء، 29 أبريل 2014 10:39 ص
سد النهضة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة