وحيد عبد العزيز حبيب يكتب: عندنا ضيوف

الإثنين، 28 أبريل 2014 12:10 ص
وحيد عبد العزيز حبيب يكتب:  عندنا ضيوف منزل فى قرية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى القرية قديما اعتدنا قدوم ضيوف إلينا
هم أقاربنا من ساكنى المدينة
يأتون إلينا من باب صلة الرحم وأيضا للتنزه فى جو الريف
قبل مجيئهم بيوم تبدأ الاستعدادات
تقوم جدتى بإخراج مخزونها من مفارش الكنب والأسرة
وتبدأ حركة نظافة غير معتادة. تنظف داخل المنزل ومن حوله
وتظل تباهى جاراتها بأقاربها القادمون إليها غدا
وكيف أنهم تركوا أمورا مهمة جدا وفضلوا زيارة عمتهم
وكيف أنهم يحبونها جدا ولا يجدون راحتهم إلا عندها
وفى المساء تبدأ حركة النظافة لساكنى البيت أنفسهم
لا يجب أن يجد منا الضيوف أى من أدران حياتنا فى القرية
فتبدأ عملية اغتسال واسعة بعد تسخين المياة على مواقد الحطب
حيث تحتفظ المياه برائحة الدخان فلا يظهر للاغتسال أثرا
إلا أن جدتى تخرج من خزانتها صابونة معطرة
اعتدنا عدم استعمال الصابون المعطر ليس لأضراره بل لندرته
كنت أكره يوم الاغتسال جدا
تجلسنى جدتى فى الطشت و تعمل كافة قواها فى دعك جسدى النحيل بليف النخيل
كنت أصرخ بين يديها وهى تعنفنى للعبى فى الشارع طوال اليوم واتساخ جسدى
نصحوا مبكرا وكأن البيت ليس بيتنا
المكان نظيف والمفروشات جديدة. حتى نحن فى حالة من النظافة الشخصية غير معتادة
بل أنى أجهل نفسى ولا أكاد أصدق أن ذلك الماثل فى مرآة خزانة الملابس هو أنا
أمام جدتى عمل شاق
تبدأ بتجهيز العجين ثم تصطحب جدى إلى حظيرة الطيور لاختيار ما سيتم ذبحه
جدى يمسك بدكر بط سمين جدتى تجذبه من يده "لا يا أحمد نحتاج هذا لتربية جيل جديد".
وبعد مناقشات وخلافات يرضخ جدى أمام إصرار الجدة
جدى لا يذهب للحقل فى ذلك اليوم
فى انتظار الضيوف اعتاد الجلوس فى ظل شجرة على الطريق بينما رفعنى على أحد فروعها
ومن فترة لأخرى يدخل إلى جدتى ليطمئن على إعداد الطعام
الأمر لا يخلو من بعض التوجيهات لها
لكنها تقابلها جميعها بالرفض "خليك فى حالك يا أحمد واللى انت عاوزه هيحصل وأحسن منه كمان"
جدى مشغول بمسبحة فى يده. فى العادة لا يستخدمها لكنها اليوم جزأ من الوقار الاجتماعى أمام الضيوف
وفجأة أصرخ " جدى جدى .. وصلوا وصلوا ".
ينهض مسرعا إلى مكان استقبال الضيوف ليرش بعضا من مبيد حشرى يبعد عن ضيوفنا ذباب القرية
أصرخ أعلى الشجرة "جدى جدى نسيت تنزلنى".
يسرع إلى الشجرة ويجذبنى من فوقها دون اهتمام
عقله فى مكان آخر
تصل سيارة الضيوف حيث ينشغلون بتقبيل من بالمنزل ولا ينتبهوا لوجودى أبدا لقصر قامتى.
وربما لان أطفال القرية جميعهم يحتشدون فى تلك اللحظة
لاستطلاع أمر الضيوف ونيل شرف ملامسة السيارة البيجوو
يجلس الضيوف وتبدأ كلمات الترحاب وحكايات الماضى ثم ينهضوا إلى الغداء
أهل البيت لا يجلسون معهم إلى المائدة
نحن نأكل حين يفرغ الضيوف من طعامهم
أقف غير بعيد أراقب المائدة المكتظة بصنوف الطعام
عيناى تسبق أيديهم إلى الأكل ولعابى فى حالة سيلان
كلما أمسك أحدهم بقطعة لحم أتمنى لو انه لم يلمسها وتركها لى
فى ذلك اليوم أنا أكثر أطفال القرية حظا
عندنا ضيوف
الأكل كثير والضيوف قد جلبوا لنا من خيرات المدينة.
أجلس منبهرا بهم. لهجتهم غير لهجتنا.
ملابسهم غير ملابسنا ونظيفة جدا.
رائحتهم عطرة وبشرتهم مشرقة.
حتى علب سجائرهم مختلفة عن تلك التى يستخدمها رجال قريتنا.
أطفالهم بيض وسمان وأيديهم ناعمة وشعورهم منسدلة.
أيام الضيوف لدينا كانت بالنسبة لى كأيام الأعياد.
الحركة بالبيت لا تتوقف. السهر لساعات متأخرة.
أنواع وصنوف الطعام فى الوجبات الثلاث.
ثم أنهم اعتادوا أن يهبونى مصروفا أفرح به للحظات
قبل أن تنقض عليه جدتى على وعد بإعادته لى بعد رحيلهم.
وهو الوعد الذى لم يتحقق أبدا.
حين يرحل ضيوفنا يعود الوضع لما كان عليه قبل مجيئهم.
نفس الأطعمة الفقيرة والمفروشات القديمة.
أذّكر أننى كنت أبكى كثيرا.
ليس شوقا إليهم
بل لأن تغيرا للأسوأ سوف يعود برحيلهم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة