وجدى الكومى يكتب : رواية هولندية مترجمة إلى أكثر من 33 لغة تكشف الجانب الآخر لأوروبا..سياسى هولندى ينسحب من سباق الانتخابات بعد تورط نجله فى ارتكاب جريمة وأسرته تضغط للتستر عليه

الإثنين، 28 أبريل 2014 06:51 ص
وجدى الكومى يكتب : رواية هولندية مترجمة إلى أكثر من 33 لغة تكشف الجانب الآخر لأوروبا..سياسى هولندى ينسحب من سباق الانتخابات بعد تورط نجله فى ارتكاب جريمة وأسرته تضغط للتستر عليه رواية العشاء

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكنك من الصفحات الأولى لهذا العمل، «العشاء» للروائى «هيرمان كوخ» الصادرة ترجمتها عن دار العربى للنشر والتوزيع، أن تحكم على الرواية الأوروبية المعاصرة، الهولندية خاصة، وترى كيف يتناول الروائيون الأوروبيون قضايا عصرهم، برشاقة وحرفية، وتعتبر هذه الرواية مثالا كاشفا على الأدب الهولندى المعاصر، خاصة مع ترجمتها إلى 33 لغة، وتصدرها قائمة «نيويورك تايمز» فى قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وهو ما يعتبر أمرا غير معتاد، نظرا لكونها أول رواية هولندية تحقق هذا النجاح.

لدينا هنا أسرة، شقيقان يلتقيان على موعد عشاء، لكن فى الحقيقة هما يلتقيان لتسويات أقسى وأعمق من مجرد لقاء على عشاء، تسوية جريمة ارتكبها الأبناء - أبناء الشقيقين - وبناء على هذه التسوية يتحدد مستقبل الآباء، أحد الشقيقين على مقربة من انتخابات ستحدد مصيره السياسى، لكن بسبب الجريمة التى ارتكبها نجله، بالاشتراك مع نجل شقيقه، بات يفكر فى الانسحاب، هو لن يتحمل مواجهة صحفى قد يشهر فى وجهه سؤالا يوما ما، عن اشتباه ارتكاب ابنه هذه الجريمة، المجتمع ينوء بالضغوط، السياسى يفكر فى التضحية بمستقبله، ومستقبل نجله معا، وفى سبيل ذلك سينسحب من الانتخابات، ويسلم نجله للبوليس، أما الأسرة الأخرى، فترفض الحلين قطعا، وتضغط فى المقابل للتستر على الشابين اللذين ارتكبا الجريمة دون قصد، ويرغبان فى أن يواصل السياسى طريقه السابق، بأن يترشح للانتخابات، ولا يسلم الشابين للبوليس، وفى سبيل ذلك، ترتكب زوجة الشقيق جريمة جديدة، بالاعتداء على السياسى، وتحطيم وجهه فى نهاية العشاء، كى تمنعه من إقامة مؤتمره الصحفى الذى سيعلن فيه الانسحاب، تكسب بذلك وقتا، وتمنح لابنها فرصة للنجاة.
هناك شىء آخر فى هذه الرواية، هو تلمس «هيرمان كوخ» لضغط الحياة العصرية، وسقوطنا عبيدا لآراء الناس فينا، اقرأوا معى هذه الفقرة صفحة 8، التى ستجعلك نهما لمواصلة القراءة، يقول «كوخ» على لسان بطل الرواية «بول»: عندئذ رغبت ألا أذهب للمطعم، الأمسية التى فيها الموعد هى الجحيم ذاته، ما الذى سترتديه، وهل ستحلق ذقنك أم لا؟ فى مواعيد كهذه يكون لكل شىء دلالة، سواء كنت ترتدى موضة الجينز المبقع، أم ترتدى قميصا خرج من تحت المكواة للتو، إذا لم تحلق ذقنك، سيرون أنك تكاسلت عن حلاقته، وإذا تركتها يومين، سيقولون «نيولوك»، وإذا تخطت المدة أكثر من ذلك، سيقولون تدهور فى حالتك النفسية، تبقى دائما أسيرا لأرائهم، إذا حلقتها سيقولون: «أنت وجدت هذه الأمسية مهمة لدرجة تجبرك على حلاقة ذقنك، هكذا تبدأ دوما مباراتك معهم مغلوبا واحد صفر».
وتبقى نقطة أخيرة يجب الإشارة إليها، وهى ترجمة هذا العمل، هناك ترجمات يستعين أصحابها بكلمات مهجورة بائسة من المعاجم المصفوفة على مكاتبهم، وفى متناول أيديهم، وهناك ترجمات ناعمة، تنتمى إلى لغة «السهل الممتنع» كما يقال، ترجمة محمد عثمان خليفة لهذا العمل تنتمى للنوع الثانى، الذى تشعر معه أنه هو كاتب الرواية، وليس «هيرمان كوخ» خاصة حينما يلقى فى طريقك بكلمات من قبيل «طلعته البهية»، لا تشعر بغربة، أو تململ.
ظلت «العشاء» مقلوبة على صفحاتها عدة أيام فى مكتبى، أقرأ منها بعض الصفحات، وأتركها، لكننى عدت إليها وانتهيت منها. إنها رواية مشهد معاصر يتناول أوروبا الآن، ولا تجعلك قصتها المحلية تشعر بالضيق، أو بتفاهة التيمة، بالعكس، تميل للمتابعة، أنت تجد نفسك واقفا على أعتاب هذا العالم، والتحول المعاصر الذى عصف بهم، قريبا لآثاره هنا، القيم العصرية تحمل بصمة واحدة، شرقا أو غربا، شمالا أو جنوبا فى هذا العالم الذى صار ضيقا.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة