عاش الشعب المصرى إبان حكم الإخوان أياماً مليئة بالمشكلات والاضطرابات، وعدم قدرة الدولة على تقديم الحلول السريعة للعديد من الأزمات التى يعانى منها المواطن المصرى البسيط، مع أن هناك فئة ليست بالقليلة انتظرت وكلها أمل لما سيقدمه الإخوان لمصر والمصريين، على الرغم من عدم رضائها عن صعود الإخوان إلى سدة الحكم .
إلا أن هذا الأمل الذى عاش عليه غالبية المصريين بدأ ينهار أمام أعينهم بداية من سياسات رئيس الجمهورية وإصداره العديد من القرارات الجمهورية وتراجعه عنها فى اليوم التالى، مما قلل من الثقة فى الرئيس وقراراته، ناهيك عن إصداره الإعلان الدستورى الذى حصن بموجبه قراراته وعدم جواز الطعن عليها واعتبارها نهائية، وهو ما لا يصدقه عقل قانونى أو غيره . وقد كان هذا الإعلان بمثابة الشرارة الأولى لانطلاق المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية المناهضة ضد حكم الإخوان المسلمين وسياساتها.
هذا فضلا عن سيطرة وتحكم جماعة الإخوان فى جميع مفاصل الدولة بداية من تعيين الوزراء من أهل الثقة المحسبوين عليهم، وليس من أهل الكفاءة والخبرة، انتهاء بتمكين غالبية شباب الإخوان من التعيين فى غالبية الجهات والمصالح الحكومية المختلفة، وهو ما أطلق عليه مصطلح "أخونة الدولة".
ففى هذا العام شعر المصريون بأن مصر قد سلبت منهم وأصبحت فى حوزة جماعة معينة يستأثرون بها ويُخفون معالمها ويقضون تماما على هويتها كدولة رائدة فى الشرق الأوسط، وقد أدى ذلك كله إلى انتفاض الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو 2013 ضد حكم الإخوان المسلمين، مطالبين برحيلهم ومحاسبتهم عن جميع الجرائم التى اقترفوها فى حق مصر وشعبها، واستجاب الجيش المصرى كعادته لنداء ملايين المصريين الذين نزلوا إلى كافة ميادين مصر ضد الحكم الإخوانى، كل ذلك فى ظل عناد وتسلط من رئيس الجمهورية وجماعته.
ومنذ ذلك التاريخ ومع التطور الرهيب الذى شهده العالم فى الثورة التكنولوجية وما أفرزته من تقنيات حديثة، والتى أتاحت للجميع التواصل والتفاعل دون حدود جغرافية، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، فقد لعبت هذه المواقع فى الآونة الأخيرة دورا هاما فى ارتكاب العديد من الأساليب الإجرامية المستحدثة فى الفضاء الإلكترونى، ومن ثم ارتكاب الجرائم كاملة فى العالم الحقيقى، فقد تبنت صفحات ومواقع عديدة لأتباع الجماعة الإرهابية عبر مختلف هذه المواقع التحريض ضد أفراد الجيش والشرطة، وذلك بنشر أسماء وبيانات ومعلومات عن عدد كبير من ضباط وأفراد الشرطة والجيش وتوعدهم بقتلهم وقتل أسرهم، التحريض أيضا ضد كافة أبناء الشعب المصرى، وأيضا على إثارة الفوضى والعنف وتكدير السلم العام فى البلاد، مما يعرض الأمن القومى للبلاد للخطر.
فكل هذه الأساليب وحملات التشوية التى يمارسها أتباع الجماعة الإرهابية مُجرمة بحكم القانون، ويمثل كل منها جريمة قائمة بذاتها، فقد تعرض العديد من أفراد الشرطة والقوات المسلحة للاغتيال والقتل من جراء ممارسة هذا التحريض العلنى عبر الفيس بوك، وغيره من مواقع التواصل المختلفة، وبذلك يمكن القول إن التحريض الإلكترونى هو السبب الرئيسى فى انتشار الكثير من الجرائم الإرهابية التى نشهدها يوما بعد يوم ضد أبناء الشعب المصرى، حيث إن جريمة التحريض الإلكترونى تعتبر من الجرائم الشكلية التى لا يشترط أن ينتج عنها ضرراً معيناً، وإنما تعتبر من جرائم الخطر الذى يهدد القيم المجتمعية المحمية، ويعتبر التحريض صورة من صور الاشتراك فى الجريمة التى نص عليها المشرع الجنائى فى المادة (40) من قانون العقوبات المصرى الذى نص على أنه يعد شريكا فى الجريمة:-
"كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض"، هذا بالإضافة إلى الصورتين الأخيرتين للاشتراك وهما الاتفاق والمساعدة.
وبتحليل النص السابق يتضح أنه يواجه ارتكاب التحريض فى الأحوال العادية، ولكن عندما يمارس عبر شبكة الإنترنت وما تتيحه من مواقع للتواصل، فهنا تكمن المشكلة فى صعوبة التوصل لمرتكبى مثل هذه السلوكيات الإجرامية، وبالتالى تطبيق نصوص القانون عليهم، وذلك لتطور وسائل ارتكابها، فقد أثبتت النصوص التقليدية عجزها التام عن مواجهة مثل هذه الجرائم التى ترتكب باستخدام مثل هذه التقنيات الحديثة، فتطور التقنية يستلزمه تطور فى سن القوانين لمواجهة ما تنتجه هذه التقنية من أفعال إجرامية مستحدثة يسىء محترفو ومجرمو الإنترنت استخدامها، فهذا النوع من الإجرام المستحدث له طابع خاص يميزه عن غيره من الإجرام العادى، وأمام الكم الهائل من التحريض التى تطلقه بعض الصفحات والمواقع الإلكترونية، فكان لزاما على المشرع أن يبادر بإصدار القوانين اللازمة وذات الطابع الخاص لمواجهة مثل هذه الأفعال، ويمكن القول بأن المشرع يظل حتى الآن متأخرا فى هذه الخطوة التى كان من المفترض القيام بها منذ فترة سابقة.
المثير للدهشة فى هذا المقام أن بعض من الدول العربية قد سبقت مصر فى إصدار مثل هذه التشريعات التى تجرم كل ما يقع فى العالم الافتراضى من أفعال إجرامية، ولذلك لا يجب علينا أن نقف مكتوفى الأيدى فى مواجهة مخاطر شبكات التواصل الاجتماعى، وغيرها من شبكات الاتصال. فمصر تملك منظومة تشريعية عظيمة ولديها من الفقهاء وأساتذة القانون العظماء الكثير والكثير لكى تظهر هذه القوانين إلى النور، وحتى تظهر للدولة هيبتها وسيادتها التامة والقوية، ويتحقق من جراء ذلك الردع الخاص ومن ثم الردع العام.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة