لا شك أن الإعلام هو أحد المؤثرات الهامة على ثقافة المجتمع، والذى به تتشكل قيم ومعتقدات أفراده.. وتقوم الدولة بتشجيع صناعة السينما باعتبارها رافداً هاماً من روافد الإعلام الذى من المفترض أن يساهم فى دعم القيم الإيجابية، وتقديم العلاج لمشكلات وقضايا المجتمع عن طريق تقديم القدوة والمثل، لتشجيع الشباب ليحتذوا بها.. وهذا الإعلام الخطير المتمثل فى جهاز السينما فى قيامه بهذا الدور، إنما يبنى شباب الوطن وعماد الأمة ومستقبلها.. إلا أن واقع الأمر يشير إلى غير ذلك من الأفلام المعروضة حالياً فى دور السينما التى يتم فيها إقحام الأطفال فى العلاقات المحرمة أو التحرش التى تشجع جيل الأطفال على ممارسة الرذيلة فى سن صغيرة.
إن حالة "الفلتان" التى أصبحت سمة من سمات شبابنا، نكاد نجزم أن ما يقدم من خلال هذا الجهاز الإعلامى الخطير لهو سبب رئيس فيما آل إليه حالهم، بما يشاهدونه فى دور العرض من أفلام هابطة وفنانون هم أبعد ما يكونون عن الفن.. وتحت مسمى حرية الرأى وتشجيع الإبداع وفى غياب الرقابة يتحول الحلال حراماً ويصبح الممنوع مباحاً.. وإذا حاول أحدنا أن يعترض على ما يقدم فى بعض هذه الدور من سخف وابتذال فسيكون متهماً بالرجعية والتخلف والجمود، وكأن ذلك حجراً على من يخالف أفكار من يسمون أنفسهم بالمبدعين ومن يتخذون من حرية الرأى جواز مرور لأعمالهم الماجنة، وهذا الاتهام قد يجعل البعض يتراجع عن مجرد محاولة الاعتراض تلك، خوفاً من هذا الإرهاب الذى سيحل به غداة هذه المحاولة.
وإذا كان الاتهام بالرجعية هو ما سيطولنا حينما نناقش مثل هذه القضية الشائكة – التى تمتد آثارها إلى أبعد مما يفكر فيه البعض – فإنه لشرف عظيم يستدعى معه أن نسعى لإلصاق هذا الاتهام بأنفسنا، لنحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لنخرج شبابنا من هذا النفق المظلم الذى أراده لهم هؤلاء، ليس إلا تحقيقاً لمصالحهم والذى به لا يمكن أن نأتمنهم على شبابنا، وهم يملكون منبراً إعلامياً عظيم التأثير وبعضهم غير مؤهل للقيام بهذا الدور، بل قد يكون منهم من هو ليس فوق مستوى الشبهات.
قد يتهمنا البعض بالفكر المحدود فى عصر السماوات المفتوحة والإنترنت، ولكننا حينما نتناول جهاز السينما تحديداً ونصفه بأنه الأخطر فيما يقدم ليس إلا باعتباره مصدر ومصنع تفريخ لمثل هذه الأفلام التى ستعرض فيما بعد على مختلف القنوات الفضائية.. ولأن ما لا يدرك كله لا يترك كله، ولأن جهاز السينما يخضع لرقابة وإشراف الدولة، فالخطورة تكمن فى مثل هذه الرقابة الذى قد يوحى للبعض أن الدولة توافق على مضمون هذه الأفلام الهابطة، بما تحتويه من مشاهد مخلة وألفاظ تخدش الحياء وتتدنى بالذوق العام.. والدولة حينما تطلق العنان لهؤلاء وتغمض أعينها تحت ضغوط أصحاب المصالح، إنما تعتبر بذلك شريكاً متضامناً مع هؤلاء الذين يرون أن الغاية تبرر الوسيلة، مما جعلهم أصحاب الصوت العالى أمام تلك الأجهزة الرقابية التى أصبح صوتها خفيضاً غير مسموعاً.
وحتى لا نُتهم بأننا أعداء للسينما بشكل عام، فإننا لا ننكر أن هناك فنانين تلفظ أفلامهم مثل هذا الانحلال الأخلاقى الذى نشاهده فى تلك الأفلام الهابطة.. فنحن ضد الحرية التى يتغنى بها هؤلاء حينما تكون ستاراً يخفى السموم التى تبثها أفلامهم.
وإذا كان هؤلاء النفر فى دفاعهم عن أعمالهم يرددون بأن الغرب المتقدم يقدم أكثر من هذا.. فنحن لا نريد استيراد مثل هذا الانحلال ليطولنا هذا التقدم المزعوم.. لأن "طعام زيد قد يكون سماً لعمرو"، فبدلاً من هذا التقليد الأعمى كان علينا أن ندرك أن ذلك إنما يخالف قيمنا وعقائدنا، كما أنه يجب ألا تُستغل مساحة الحرية التى أتاحتها الدولة لأمثال هؤلاء لتقديم مثل هذه النوعيات من الأفلام التى أقل ما توصف بأنها لا تهدف سوى إلى العبث بعقول الأطفال والشباب، وهى قبل ذلك جريمة فى حق الوطن.. وهى تفوق جرائم القتل لأن المقتول هو أخلاقنا وقيمنا.. بل قد تتعدى بآثارها ما تخلفه الحروب من دمار شامل فى البنية التحتية والفوقية، لأنها لا تغتال أرواحاً فحسب، وإنما تقتل العقول التى يفسد بعدها كل شىء، وهذا يفرض تساؤلات عدة عن جدوى ما يقدمونه، هل يحقق الهدف منه أم أن هناك اختراقاً للحدود وتجاوزاً للخطوط الحمراء، وابتعاداً عن الأهداف التى تقوم عليها الرسالة الإعلامية ؟؟؟.
إن ما يعرض حاليا لهو دليل إدانة يستوجب المسائلة والمحاكمة العاجلة لهذا الجهاز الخطير الذى يخاطب شريحة لم يتشكل إدراكها بعد، ولم يتكون لديها حكم صائب لما يعرض عليها، والتى فى بحثها عن القدوة والمثل يعتقدون أن مثل هذه الأفلام الهابطة، إنما تقدم هذا النموذج الغائب فى المجتمع فيسعون إلى محاكاته وتقليده.
ولذلك فإننا نتقدم بعريضة اتهامات لجهاز السينما الذى تعرض فيه مثل هذه النوعيات من الأفلام الرديئة بعدة اتهامات.
الاتهام الأول: تدمير شباب الوطن وتسطيح عقولهم، بتقديم نماذج لا ترقى لتحقيق أهداف الرسالة الإعلامية المتمثلة فى تدعيم السلوكيات الإيجابية، وتقديم العلاج لمشكلات المجتمع، مما يشجع الشباب على مزيد من الفوضى والعنف وممارسة الجريمة.
الاتهام الثانى: تقديم مشاهد تحض على العرى وتبيح الحرمات، مما يهدم مجتمع بأكمله وتضيع معها الجهود التى تبذلها الدولة فى التعليم والتربية من خلال المؤسسات التعليمية والتربوية ودور العبادة.
الاتهام الثالث: التحريض على التحرش الجنسى وممارسة الرذيلة، بما يقدم فيها من نماذج ساقطة ومضمون هش، مما يحتم علينا قبل أن نحاكم الشباب الذى قام بالتحرش الجنسى، فأولى بنا أن نحاكم من قدم هذا النموذج وأعطى لهم التصريح لممارسة هذا الفعل الآثم، بل وما قد يتجاوز ذلك من أفعال.
الاتهام الرابع: إهدار المال العام.. فهذا المال لو تم توجيهه إلى مشروعات لتشغيل شبابنا أو علاج مرضانا، لكان أجدى ولو تم توجيهه لسينما تحقق أهداف الرسالة الإعلامية لكان ذلك أنفع.
الاتهام الخامس: انهيار القيم وتقديم مصطلحات بذيئة ومبتذلة، مما يهبط بالذوق العام ولا يقف الأمر عند ذلك بل يتجاوز تأثيره إلى زيادة التفكك الأسرى وزيادة حالات الطلاق التى نرجعها إلى ما يُشاهد من أحداث تخالف الواقع فيحدث التوحد مع ما يعرض.
إن أحد الاتهامات السابقة لهى أصل الجريمة وبذرة الانحراف التى بها يتم تدمير شباب هذا الوطن، الذين وقعوا بين سندان البطالة والفراغ وبين مطرقة الانحلال والسفه الإعلامى، الذى يقدم من خلال مثل هذه الأفلام الساقطة، فالضحايا أبناؤنا وبناتنا الذين يتخبطون فى دياجير الظلام الدامس، لينجذبوا لتلك الأنوار الخادعة فتزداد معها شدة الظلام، وتزداد حيرتهم فى البحث عن الطريق الصحيح الذى لن يتحقق إلا من خلال قرار جرىء وحاسم يحقق الرقابة على ما يعرض عليهم من خلال دور العرض، ويحميهم من العبث بعقولهم ويقدم لهم ما يتوافق مع قيمنا ومعتقداتنا، لنأخذ بأيديهم ونعيد بناء عقولهم لإعدادهم لقيادة هذا الوطن.
صورة أرشيفية