شهدت الفترة الأخيرة، ارتفاع وتيرة الوفيات بين المرضى فى مستشفيات الحكومة والقطاع الخاص على السواء، نتيجة الإهمال الطبى من جانب الأطباء دون أن تتحرك نقابة الأطباء أو وزارة الصحة، واكتفيا بدفع المتضررين لتحرير شكاوى غالباً لا تسفر عن نتائج ملموسة، إما لقصر إجراءات التحقيق أو لطول أمد التعامل معها.
ووفقاً لقوانين نقابة الأطباء تظل عاجزة عن التحرك نحو التعامل القانونى مع المتسببين فى الأخطاء الطبية، طالماً أن المتضرر لم يتقدم بشكوى رسمية للجنة التحقيق بالنقابة العامة، رغم قناعتها بإهمال الطبيب لتقوم بالبت فى الشكوى بعد جلسات عديدة، ربما لا تسفر عن شىء، فتتفرق المسئولية بين إدارة المستشفى المتسببة فى الخطأ والمتضرر ما يؤدى غالباً إلى حفظ الشكوى.
ونقابة الأطباء ليست مسئولة وحدها عن زيادة حجم الأخطاء الطبية وشيوعها بين المواطنين فى المستشفيات، وإنما تراجع دور وزارة الصحة فى تكثيف برامج التنمية المهنية المستدامة للطبية لإطلاعهم على مستجدات التخصصات المختلفة، خاصة بعد هجرة الكفاءات الطبية للمستشفيات، بسبب نقص المستلزمات الطبية وضعف الأجور والتعقيدات الإدارية فى نظم التسجيل للدراسات العليا والتكليف النيابات.
ولم تكن السيناريست نادين شمس، أول من رحلت عن عالمنا بسبب الإهمال الطبى مؤخرا، ولن تكون الأخيرة، فمارسيل ٤٥ سنة كانت ضحية للإهمال الطبى فى أحد المستشفيات الخاصة، وبالرغم من أنها طبيبة لم يشفع لها ذلك لتلقى رعاية أفضل على يد زملائها، فعندما دخلت مارسيل لتجرى جراحة "فتاق" عادية خرجت تعانى من مشاكل تنفسية، شخصها بعض زملائها بأنها خطأ طبى أدى إلى الضغط على الحجاب الحاجز فلم تستطع التنفس بشكل طبيعى، ووضعت على جهاز التنفس الصناعى حتى توفيت.
ويعانى المهندس جلال عبد الرحيم، الآن فى إحدى المستشفيات الخاصة بمدينة نصر، فوفقا لنجله "مصطفى" يعانى المهندس جلال من مرض السكر، وأدخل إلى المستشفى بعد غيابة عن الوعى، وأمضى أسبوعا داخل المستشفى وخرج منها ليعانى من التهاب فى مجرى البول، بسبب التركيب الخاطئ للقسطرة لم تكتشفه الأسرة إلا بعد تدهور وظائف الكلى لديه، فعاد مرة أخرى إلى المستشفى وادخل إلى العناية المركزة ليخرجوه منها بعد فترة إلى غرفة عادية، بالرغم من عدم استقرار حالته.
واستمراراً لمسلسل الإهمال فى المستشفى، لم يكتب أى تقرير للتمريض لمعرفة كيفية التعامل مع المريض فتعرض إلى موقف أكثر خطورة، عندما أدخل التمريض أنبوب "الرايل" له بطريقة خطأ، فتسبب بجروح وتهتكات فى الرئة أدت إلى وضعه على جهاز التنفس الصناعى.
وقال الدكتور خالد سمير، رئيس لجنة التحقيق بنقابة الأطباء، إن لجنة آداب المهنة تحقق فى جميع الشكاوى التى تصل إليهم من المرضى والأطباء والشخصيات الاعتبارية، مشيراً إلى أن عدد الشكاوى وصل خلال العام الماضى إلى 413 شكوى.
وأرجع رئيس لجنة التحقيق بنقابة الأطباء، سبب ارتفاع نسبة الأخطاء الطبية إلى غياب التعليم الطبى الجيد فى مصر، خاصة مع وجود الجامعات الخاصة التى تجذب إليها طلبة يدفعون مبالغ طائلة للحصول على الشهادة، وبالتالى يرى بعض هذه الكليات أن سهولة الامتحانات جزء من عوامل جذب الطالب، بينما تنتهج بعض كليات الطب الحكومية العكس تماماً فتضع أصعب الامتحانات.
وأضاف سمير لـ"اليوم السابع"، أنه بالفعل يتم البحث فى الشكاوى المقدمة من المواطنين، والتى تصل إلى الحرمان من مزاولة المهنة أو تعليقها، لافتا إلى أنه يتم النظر فى الشكاوى بدقة لتلافى تأثير الشكاوى الكيدية .
وأشار "سمير"، إلى أنه يوجد حملة كبيرة لتشويه الأطباء، لافتا إلى وجود أكثر من 25 مليون مريض سنوياً يخضعون للعلاج، بالإضافة إلى العمليات الجراحية، مشيرا إلى أن الأخطاء التى تحدث من الأطباء لحالة أو اثنين أو ربما لأكثر من ذلك، يأتى نتيجة الضغط الكبير على الأطباء .
وأضاف "سمير"، أن ثمن بدل الطبيب للعملية يبلغ من 2 إلى 3 جنيهات أى ثمن المواطن 3 جنيهات عند الدولة، متسائلا: كيف يطلب من الطبيب رعاية صحية جيدة بدون مقابل مادى؟ مشيرا إلى أنه مع ذلك لا نتوانى عن تقدم الرعاية لجميع المرضى .
أما غياب التقييم الشامل للطبيب فهو واحد من أسباب المشكلة، ففى معظم الدول يجرى الطبيب امتحان "ترخيص" للتأكد من مستواه العلمى، وبناءً على نتيجة الامتحان يتم ترتيب الأطباء، وتوزيعهم على التخصصات المختلفة كل وفقاً لقدراته.
وتابع الدكتور خالد سمير، أن غياب التعليم الطبى المستمر أيضا أحد أسباب المشكلة فالطبيب ينشغل بالعمل على حساب التعلم، فلا يستطيع مجاراة التقدم السريع فى المجال الطبى.
وصنف الدكتور محمد عثمان، وكيل النقابة العامة للأطباء، ورئيس الهيئة التأديبية العليا السابق، أخطاء الأطباء إلى عدة أنواع، فبعضها أخطاء بشرية محددة النسبة، وبعضها يكون نتيجة الإهمال، فقد يغيب الطبيب عن موقعه، أو يتأخر فى تقديم الخدمة، أو عدم استدعاء طبيب آخر أكثر تخصصاً فى حالة وجود مشكلة طبية خارج تخصص الطبيب، ومن الأخطاء أيضا عدم إبلاغ المريض وإحاطته علما بكل المضاعفات التى تحدث جراء عملية جراحية معينة أو تناول علاج، وإن كان إقرار المريض على معرفته بهذه المضاعفات لا يعنى عدم محاسبة الطبيب عند وقوع أى منها، وبعض الأخطاء يتخذ شكل التدليس على المريض، كإدعاء الطبيب تخصصه فى مجال أخر، أو أن هذا الشخص ليس طبيبا أصلا، فـ٦٠٪ من المرضى فى مصر يعالجون عند أشخاص ليسوا بأطباء متخصصين، ولكنهم وفقاً لتوصيف المريض، يكون شخصا يعلم مشكلته المرضية، ومنهم الدجال أو المشعوذ، والمجبراتى والعديد من المهن غير مصرح لهم بالعلاج مثل العلاج الطبيعى، والتمريض والصيادلة، فهناك العديد من العلاجات التى من المفترض ألا يتم صرفها دون روشتة طبيب ولكنها تقدم للمريض. ولكن إذا كان ذهاب هؤلاء المرضى "للعارفين" بدافع الجهل، فذهاب مرضى آخرين إلى المستشفيات الخاصة والاستثمارية، يكون بدافع البحث عن الأفضل فى الرعاية والخدمات الطبية المقدمة من خلالها مشيراً إلى أن نسبة الأخطاء الطبية مرتفعة فى هذه المستشفيات لكونها تقدم ٧٠٪ من الخدمات العلاجية بمصر.
وأضاف "عثمان"، أن عدد المنشآت الطبية الخاصة يصل إلى أكثر من ٨٢ ألف منشأة، منها العيادات الخاصة، والمجمعة، والمستشفيات الخاصة، بينما تكثر الشكاوى من مستشفيات "بيير السلم" المنتشرة فى المحافظات، وأيضا عيادات النساء والتوليد.
وبينما يظن البعض أن الحكومة تقدم النسبة الأكبر من الخدمة من خلال مستشفياتها، إلا أن نسبتها لا تتعدى إل ٣٠٪، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة منها يكون مستشفيات تعليمية وتابعة للجامعات فتكون الرقابة أكبر من جانب الاستشاريين وأساتذة الجامعات.
وبحسب رئيس الهيئة التأديبية السابق، فعلى المتضرر الذى يشتبه فى وجود خطأ طبى اللجوء إلى ثلاث جهات، النيابة العامة، وإدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، ولجنة التحقيق وآداب المهنة بنقابة الأطباء، حيث تعد الأخيرة، لجنة لتقويم الطبيب.
.
وقال، إن خطوات التحقيق مع الطبيب تبدأ بإرسال الشكوى إلى الطبيب المشكو فى حقه للرد عليها كتابياً، أو استدعائه أمام لجنة التحقيق المكونة من ٤ أعضاء، اثنين منهم من أعضاء مجلس نقابة الأطباء، واثنان من المستشارين للاستماع إلى أقوال المريض والطبيب، وتحتاج اللجنة إلى إرسال التقارير إلى لجنة متخصصة من الأطباء، أما فى حالة وفاة المريض فيمكن اللجوء إلى الطب الشرعى بناء على طلب أسرته.
أما العقوبات الجنائية التى يتعرض لها الطبيب فى حالة إبلاغ المريض للنيابة العامة، فيرى رئيس الهيئة التأديبية السابق، أنها لا تتناسب مع مهنة الطب فلابد من وجهة نظره من إصدار قانون للمسئولية الطبية، فوفقاً لقانون العقوبات، يتحمل الطبيب كل المسئولية، بينما قد يكون الخطأ من التمريض أو أى مهنة مساعدة، كذلك يتعرض الطبيب للحبس الاحتياطى لفترة تصل إلى ستة أشهر، وأحيانا تكون البلاغات كيدية.
وأضاف أن النقابة تسعى إلى وضع نظام للتأمين الشامل ضد مخاطر مزاولة المهنة، ولتعويض المريض فى حالة الخطأ البشرى.
أكد الدكتور عماد بطرس، أستاذ ومستشار التخطيط الصحى بالولايات المتحدة الأمريكية، أن تلافى الأخطاء الطبية واجب الدولة التى تمنح الاعتماد والترخيص للمعاهد العلمية، أو للمؤسسات الطبية، أو مقدمى الخدمة والتى عليها ألا ترخص للمعاهد العلمية لمنح شهادات إلا بمراجعة قدراتها العلمية والتنظيمية والأكاديمية.
وتابع، أما المؤسسات الطبية فلا يسمح لها بممارسة العمل إلا بعد استيفاء شروط محددة مسبقاً للمبنى، والأجهزة والمعدات، وتوفر العمالة المؤهلة، وطرق التشغيل والمراقبة المستمرة للجودة، طبقاً للأصول العالمية وجدية الخدمات التى تجرى للمرضى.
وأضاف "بطرس"، أن محاسبة الطبيب مسئولية الإدارة المعنية، ويتم بمراجعة دورية لملفات المرضى وخاصة الوفيات والمضاعفات وشكاوى المرضى أو ذويهم، ومن خلال لجان متابعة الجودة سواء داخل المستشفى أو خارجها، مشيرا إلى أنها لجان محايدة من المتخصصين، ويكون العقاب إما أداريا بالمنع من ممارسة المهنة أو العمليات لفترة تتناسب مع المخالفة، أو تكون العقوبة شطب نهائى من المهنة.
واستكمل، إذا كان المركز الطبى أو المستشفى مشاركاً فى الإهمال لعدم استيفاء شروط الجودة، أو المراقبة توقع عليه جزاءات مماثلة، هناك أيضاً عقاب جنائى عن طريق المحاكم المختصة إذا كان الإهمال جسيماً، وهناك الجزاء المالى بالقضايا المدنية للتعويض عن الضرر، أو المعاناة للمريض، أو الأسرة.
الإهمال مسئولية تائهة بين "الأطباء" و"الصحة"..و5 أسباب لشيوعه بالمستشفيات.. رئيس آداب المهنة: 413شكوى بـ2013.. وبدل العملية الجراحية من 2 إلى3 جنيهات..ومطالب بنظام تأمين لتعويض المريض حال الخطأ البشرى
الأحد، 27 أبريل 2014 01:12 ص
الدكتور خالد سمير رئيس لجنة التحقيق بنقابة الأطباء
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة