أبناؤنا يكبرون بسرعة.. وبدون أن ننتبه.. قد يلاحظ أصدقاؤك أو أقاربك التغيرات التى تطرأ على أولادك ولكنك أنت الشخص الوحيد الذى لا يلاحظ هذا نظرا لاحتكاكك الدائم بهم وتواجدهم فى حضنك باستمرار. أدام الله على كل الناس نعمة النظر إلى أبنائهم.
كبرتْ «مريم» ابنتى بسرعة وتخطت حاجز الثمانى سنوات فجأة وأصبح لها مجتمع خاص وبدأنا – أنا وأمها – فى إدخالها تدريجيا فى مجتمع الكبار وتهيئتها لممارسة حياتها الراشدة.
جزء من خطتنا المستقبلية سيكون إبعاد «مريم» تدريجيا عن برامج الأطفال والرسوم المتحركة الموجهة للأطفال لتنتقل فكريا درجة للأمام وتبدأ فى مشاهدة البرامج العلمية والثقافية الموجهة للأكبر سنا حتى ولو لم تستوعب كل ما تشاهده فى البداية ولكنها ستكون رصيدا معلوماتيا كبيرا يصلح فى مرحلة ما – مستقبلا - لربطه ببعض ليكوّن ثقافة كاملة فى مرحلة النضج.. ولكى لا تعانى هى من الكوارث التى يمر بها بعض الأطفال نتيجة الشغف والفضول والبحث عن المعلومات ثم لا يجدون مصادر لهذه المعلومات فيبدأون فى التخمين والتأويل وربما يقعون تحت يد من يغرر بأفكارهم ويستغل فضولهم استغلالا سيئا. وإذا كانت الخطة تتضمن الإبعاد التدريجى عن عالم «الكارتون» والإقبال على المجتمع الواقعى فلابد من استبدال الوقت الذى كانت تقضيه «مريم» أمام شاشات الأطفال بوقت آخر تقضيه أمام شاشات الكبار لكى لا تشعر هى بأنها معاقبة أو محرومة من المشاهدة التلفاز.. وهذا ما بدأنا به. بدأنا بالبحث عن مسلسلات عربية تصلح لمساعدتنا فى تربية «مريم».
ما زلتُ أذكر المسلسلات «المصرية» التى كان يطلق عليها المسلسلات «العربية» عندما كنتُ صغيرا.. حيث كانت القاهرة هى هوليوود العرب وكان الإعلام المصرى هو المحرك الرئيسى للشعوب العربية كلها وكانت اللهجة المصرية هى اللهجة المشتركة عندما يتحدث العرب من أقصى البلاد أو من أدناها.. وكانت المسلسلات العربية - آنذاك – تشكل وجدان الأطفال وتدعم وطنيتهم وقوميتهم وحبهم لدينهم وأصلهم وعروبتهم وتزكى فيهم روح المروءة والشهامة وحب الخير والانتصار له على كل قوى الشر. كانت المسلسلات العربية – آنذاك – تحببنا فى العروبة وفى العمل وفى العطاء.. مازلتُ أذكر مسلسل «المال والبنون» و«رأفت الهجان» و«ليالى الحلمية» وغيرها من المسلسلات التى تقوى روح الانتماء والفداء من أجل الوطن وحب الخير وتدعو إلى العمل ونبذ الخلاف والفُرقة والظلم والسرقة والفساد. هذا هو عهدى عن المسلسلات العربية «المصرية» التى لم يكن هناك غيرها عندما كنتُ صغيرا والتى نشأتُ عليها وربيتُ عليها وعلى قيمها ومبادئها. عندما كبرتُ ودخلتُ الجامعة انقطعتُ تماما عن المسلسلات العربية وانخرطتُ فى مجتمع العمل والمسؤوليات ولم أتابع أى مسلسل عربى وظللتُ هكذا حتى يومنا هذا ولكنى اضطررت للعودة لمتابعة المسلسلات مؤخرا بسبب «مريم» لأننى لن أتركها تتابع مسلسلا تليفزيونيا بدون أن أكون أنا شخصيا قد شاهدتُه ورضيتُ عن توجهاته والرسائل الأخلاقية التى يرسلها للمشاهدين. سأصدقكم القول.. عندما عدتُ مرة أخرى صُدمتُ.. لقد تدنّى المستوى الأخلاقى فى المسلسلات العربية لمستوى لا يصدقه عقل وظهرت ألفاظ صريحة ومباشرة فى حوار الممثلين لم تكن تخطر على بال أى إنسان عاصر مسلسلات الثمانينيات. لقد كنا – ونحن صغار – نقول بعض الألفاظ الخارجة ولكن بسرية تامة ونخشى أن يسمعنا أقاربنا الكبار ومدرسونا وجيراننا.. أما اليوم فالأطفال يمكنهم سماع كل الألفاظ النابية وكل السلوكيات المشينة وكل الأعمال الفوضوية.. ليس هذا فقط بل – للأسف – يسمعون ويرون كل هذه الأشياء تنبع من الأبطال الذين من المفروض أنهم القدوة والمثال.
أنا أواجه الآن مشكلة كبيرة فى البحث عن مسلسل عربى «مصرى» يصلح لكى تشاهده ابنتى الطفلة وتتأثر بأبطاله.. أحتاج مسلسلا عربيا يخلو من البلطجة والدعارة والسرقة والفساد..أحتاج مسلسلا تكون فيه البطلة لا تدخن ولا تشرب الخمر ولا تخون زوجها ولا ترتدى ملابس خليعة.. وأعتقد أن هذا المسلسل يحتاجه المجتمع المصرى بأكمله. سأخبركم سرا.. لقد بدأتُ التدخين فى سن مبكرة وكان سر إعجابى بالسيجارة هو الفنان «محمود عبدالعزيز» فى مسلسل «رأفت الهجان».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة