تلقيت دعوة من الاتحاد الوطنى للشباب السودانى لحضور تدشين مشروع مبادرة تعاون مشترك بين الشباب المصرى والسودانى! هاتفتنى الصحفية المصرية هناك صباح موسى، سألت: ما معنى هذا؟ قالت إنهم يريدون نوعًا من التعاون بين الشباب المصرى والسودانى فى كل المجالات، بعيدًا عن السياسة التى تفسد كل شىء
ويريدون تدشين المبادرة بحضور عدد من الكتاب والفنانين الكبار. سألت نفسى: هل ذلك ممكن؟ ألا تستطيع السياسة فى لحظة إفساد كل شىء؟ ثم قلت لا بأس، لو كان المشروع جديًا يستطيع الشباب أن يخلق حالة من الحضور المصرى السودانى القوى يصعب هدمها
والتعاون المصرى السودانى ليس جديدًا، فتاريخ مصر والسودان قديم يطول فيه الحديث قبل استقلال السودان فى الخمسينيات من القرن الماضى وبعده، وإلى عهد قريب، وإن كان- طبعًا- صار يضعف كل يوم حتى كاد يتلاشى.. وأنا من المؤمنين منذ زمن بأن المجال الحيوى الأقرب إلينا هو أفريقيا والبحر المتوسط..
الجزيرة العربية مجالنا أيضًا، لكن ما فيها لدينا من زمان ولا جديد غير المال، أقصد بما فيها اللغة والدين، بل حين اتسعنا فى الانفتاح على الجزيرة العربية منذ أعلن السادات أنه الرئيس المسلم جاء إلينا من الدين أكثره تشددا.. وافقت على الدعوة على أن أعود فى اليوم التالى لانشغالى هنا، كنت أريد أن أطل سريعًا على بلد له فى التاريخ معنا صفحات رائعة، ولم أزره أبدًا من قبل، فلتكن زيارة استطلاعية لا أكثر..
عرفت أن من دُعى معى فنانون محترمون، هم لطفى لبيب، وفردوس عبدالحميد، ومحمد رياض.. الأولان سبقانى بيوم، ومحمد رياض كان معى على الطائرة.. أول ما قابلنى مطار الخرطوم الصغير المتواضع، ومن المطار أخذنا الشباب الذى كان فى انتظارنا فى سيارة ملاكى، كنت أعرف أننى سأقابل شعبًا طيبًا إلى أقصى مدى، فالسودانيون ليسوا بعيدين عن حياتى منذ كنت تلميذًا صغيرًا، وليسوا طبعًا بعيدين عن قراءاتى الأدبية والتاريخية..
ركبنا سيارة ملاكى يقودها سائق فى حوالى الخمسين، كان يسرع بقوة، ويتوقف فجأة، وينحنى بعنف وهو متجمد بيديه على المقود، مما أربكنى، وكدت أصطدم أكثر من مرة بالمقعد أمامى الذى يجلس عليه أحد الشباب ممن انتظرونا، طلبت من السائق أن يتريث فى القيادة، فأشار إلى موتوسيكل أمامه يسبقنا ويتبعه أن يفتح له الطريق
ابتسمت وقلت للفنان محمد رياض: «رؤساء الجمهورية حقًا مساكين، لأنه إذا كانت الموتوسيكلات أمامهم تفعل هذا وتهتز سياراتهم الملاكى هكذا فهم يستحقون العطف»، فضحكنا.. نزلنا فى فندق كبير يقال إن الذى بناه هو القذافى، وليس فى الخرطوم غير فندق كبير آخر، بينما الفنادق الأخرى أقل درجة ودرجات.. كان هناك برنامج تليفزيونى بعد الظهر، ذهبت إلى البرنامج معى مدير لقناة جديدة ستفتح وتخصص للدراما السودانية لأول مرة، وفنان سودانى جميل، وأستاذ فى الجامعة.. تحدثت معهم عن تاريخ مصر والسودان
واقترحت لو استطاعوا الاشتراك مع الكتاب وشركات الإنتاج المصرية لعمل مسلسلات عن تاريخ البلدين الملىء بالحكايات والأساطير التى تحدثت عن بعضها.. فجأة تذكرت إحدى شخصيات روايتى «لا أحد ينام فى الإسكندرية» وهو سودانى من حرس الحدود، وجدت مقبرته بين مقابر الكومنولث فى العلمين، أدهشنى اسمه «الصافى النعيم»، وموته فى معركة العلمين التى لم أقرأ أبدًا أن من بين جنودها كان يوجد فيلق سودانى، حين رأيت مقبرته وأنا أعد لروايتى فى بداية التسعينيات أعجبنى الاسم، ورثيت له، فجعلته إحدى شخصيات الفصول التسعة الأخيرة التى تدور كلها تقريبًا فى الصحراء والعلمين..
قلت فلأبعثه حيًا فى الرواية هذا الرجل الطيب صاحب الاسم البديع، ولأنه من أم درمان تذكرته وأنا أتحدث فى مبنى تليفزيون أم درمان، وقلت ربما يظهر له أحفاد الآن يعرفون أن مصريًا كتب عن جدهم.. عدت لألتقى فى فناء الفندق بالفنانين فردوس عبدالحميد، ولطفى لبيب، وكان علينا فى المساء حضور حفل تدشين مشروع المبادرة التى ستفتح الباب للتعاون بين الشباب المصرى والسودانى.. أذهلنى الحضور حفل التدشين من الجمهور وطبعًا حضر السفير المصرى، والملحق الثقافى، والملحق الإعلامى، وعدد من المصريين المقيمين هناك، ومن السودان حضر مساعد رئيس الجمهورية، ووزير الإعلام، ووزير الثقافة
ووزير الشباب والرياضة.. كانت السماحة والبشر على وجوه الجميع، قدمونا وقدموا الحفل بأجمل العبارات، وقدم الفنانون الشباب من السودان عددًَا من العروض الغنائية والتمثيلية القصيرة الجميلة لأكثر من ثلاث ساعات مرت بسرعة غريبة.. طبعًا نحن لسنا المعنيين بالمبادرة، لكن نحن من جئنا ندشنها، والمبادرة للشباب، وأقربنا إليها فقط الفنان محمد رياض الذى تحدث قائلًا إنه يتمنى ألا يكون الأمر مجرد حضور لنا، وتصويرنا
وتنتهى القصة. وبدورى قلت لهم لو انفتح الطريق بين الشباب المصرى والسودانى فى الفنون والثقافة ستنصلح أحوال أشياء كثيرة حقًا، وهأنذا أطلب من وزير الثقافة المصرى الدكتور صابر عرب، ووزير الشباب الدكتور خالد عبدالعزيز، دفع هذه المبادرة التى اختارت أن تكون بعيدة عن السياسة، والحقيقة أنه لم يفسد العلاقات بين الشعوب العربية غير السياسة.
فى اليوم التالى قبل السفر بخمس ساعات كان علىّ حضور ندوة خصصت على عجل باتحاد الكتاب السودانى، ذهبت سعيدًا لألتقى بالكاتب عثمان شنقر، الأمين العام للاتحاد، وتمت الندوة بلطف كبير، تحدثت فيها عن تجربتى مع الرواية، وأجبت عن أسئلة كثيرة عن الأدبين السودانى والمصرى، ولم يكن الوقت متسعًا لحضور كبير، خاصة أن الندوة كانت ظهرًا لسفرى مساء، ووعدت بالعودة يومًا ما، وعلى مهل، لكن بدا لى اتحاد الكتاب فقيرًا جدًا فى كل شىء.. أنهيت الندوة الطيبة متأثرًا ببساطة المكان وتواضعه، كانت هناك ساعة مشيت فيها فى الأسواق، فرأيت بشرًا بسطاء، ولم تختلف السوق عن أسواقنا الشعبية فى المنيرة
أو السيدة عائشة، وجلست بعض الوقت على النيل أنظر لالتقاء النيل الأزرق والنيل الأبيض، حيث تقع بينهما العاصمة المثلثة الخرطوم التى لم يتسع الوقت للتجول فيها كلها، وعدت لا أحمل إلا رغبة طيبة لشباب السودان فى التعاون مع الشباب المصرى، رغبة جادة وحقيقية أتمنى أن تتحقق لنا وللشعب الذى أعرفه منذ طفولتى مجسدًا للطيبة تمشى على الأقدام.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
السوداني الطيب
مرحب بيك يا أستاذ ابراهيم في السودان
مرحب بيك يا أستاذ ابراهيم في السودان
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
الي رقم 1
واهلا بيك وكل اهل السودان في مصر بلدكم التانيه