لماذا تأخرنا؟ وكيف لنا كل هؤلاء المبتعثين على مر عشرات السنين ولم نتقدم خطوة للأمام؟ كيف يصل علماء العرب للقمة فى أوروبا ولم نمتلك مشروعًا عربيًا للنهضة؟ كلها أسئلة تمثل إشكالية يصعب الإجابة عليها أو حلها.
ويبدو الأمر كأننا لا ننتمى لكوكب الأرض الذى يملكه الإنسان بالعلم والعقل التقدى.
قارن المفكر الجزائرى مالك بن نبى حالنا بحال اليابان مقارنة ظريفة، فقال: "حين كان الطالب اليابانى يذهب إلى الغرب فى أواخر القرن الماضى كان يذهب ليتعلم التقنية مع الحفاظ المتشدد على أخلاق بلاده، كما سيذهب بعده ذلك التلميذ الصينى المتواضع ليتعلم فى مختبر جوليو كورى بباريس، وليعود لبلاده بالمعلومات النووية التى تدهش العالم اليوم. بينما غالبًا ما يحدث للطالب الذى يذهب من بلادنا أن يعود بشهادة، ولكن بعد أن يترك روحه فى مقاهى أو خمارات الحى اللاتينى، أو فى النوادى الوجودية بسان جرمان» ويصدمنا بقوله: "نحن قد مررنا فى طريقنا مر الكرام، تستوقفنا الزهور التى فى جنباتها مرة، ونتسلى بالطيور أخرى، ونصغى إلى صوت أوروبا أحيانًا، ونشيد البلابل الأوروبية، أما اليابانى فقد فكر فى خطته تفكيرًا علميًا، وخطط لها تخطيطًا فنيًا، وبعث فى الأنفس حقيقة فكرة عامة جعلت كل يابانى يتصل بالمجتمع اليابانى كما تتصل النحلة بخليتها..."
إن اليابان قد بنى مجتمعًا متحضرًا، فهو قد دخل الأشياء من أبوابها، وطلب الأشياء كحاجة، ودرس الحضارة الغربية بالنسبة لحاجاته، وليس بالنسبة لشهواته؛ فلم يصبح من زبائن الحضارة الغربية يدفع لها أمواله وأخلاقه» هكذا تقدموا وتأخرنا تقدموا حين وقفوا من الحضارة الغربية موقف التلميذ، ووقفنا منها موقف الزبون، إنه استورد منها الأفكار بوجه خاص، ونحن استوردنا منها الأشياء بوجه خاص، إنه كان... ينشئ حضارة، وكنا نشترى بضاعة
أخيرًا فقدان الغايات وعدم تحديد الأهداف قضية تعم الحياة العربية كلها، وكذلك العناية بشكليات الأمور ومظاهرها.
وقد كتب طه حسين مقالة، عنوانها (الوسائل والغايات)، تدور حول هذه القضية، يقول فيها: إن مصر تبنى الجامعات لا لتعلم أبناءها وتنور شعبها، ولكن ليقال إن مصر بلد متقدم، والدليل على ذلك أن فيها جامعات، وتبنى المستشفيات لا لتعالج شعبها وتقضى على المرض، لكن ليقال إنها بلد كأوروبا؛ لأن بها مستشفيات.
ومن أجل التقدم خطوة للأمام علينا احتضان علمائنا والباحثين ووضعهم موضع العناية والرعاية وتفرغهم بشكل كامل للبحث العلمى، وإعطاؤهم الصدارة فى العمل والإدارة، مما يعطى مجالا لمن يعلم بالمضى قدما فى طريق العلم، وتقديم حلول علمية لمشاكلنا، بدل من التخبط فى ظلام الجهل.
