وأشار حسن كمال فى بداية الحفل إلى أنه عاصر أحمد مراد خلال فترة عمله الدؤوبة على روايته "1919" وكيف كان يبدو له ولكل المقربين من "مراد" مدى تقمصه ومعايشته لهذه الفترة التاريخية من حياة مصر، وولعه فى البحث الدائم عن كل ما يرتبط بهذه الفترة، حتى وصل به الأمر إلى حصوله على بعض الأشياء التى تعد وثائقية عن هذه الفترة من تذاكر ومقاطع فيديو وصحف تتضمن أخبارًا تتعلق بمصير شخصيات أبطال العمل.
وعبر أحمد مراد فى بداية كلمته لجمهوره من القراء عن مدى سعادته البالغة وشعوره بالفخر الكبير خلال لقائه به، فى كل مناسبة، وانتظاره لكل الآراء حول أعماله، وتطرق "مراد" إلى بداية عمله على روايته "1919"، حيث أشار إلى أنه حينما كان يشرع فى العمل على روايته الثانية "تراب الماس" فوجئ بنبأ عن حادثة وقعت تحديدًا فى 22 من فبراير 1920، ورأى أن هذا الحادث يصلح لأن يكون رواية، ثم أرجئ العمل على هذه الرواية حتى انتهى من "تراب الماس" ثم شرع فى العمل على روايته الثالثة "الفيل الأزرق"، وبعدما انتهى منها وتم صدورها، ثم رأى أن الفترة الأخيرة التى شهدتها مصر، لا تصلح لأن يقدم رواية على نفس النهج الذى سبق وأن قدم رواياته الثلاثة فيه، ثم رأى أنه من لا يمكنه أن يقدم رواية عن هذه الفترة وأن يتحدث عن "الثورة" وخاصةً أن – الثورة – أصبح "تحتها ألف خط ورأى"، فرأى أنه من الواجب أن يعود إلى ثورة منسية، لا وجود لها إلى فى المدارس فى كتب التاريخ، والتى تحددها فى نقاط محددة، وهو الأمر الذى رأى "مراد" أنه شوهنا جدًا، لافتًا إلى أنه من المؤسف جدًا أن كثيرين لا يعرفون أن التمثال الذى يقف أمام دار الأوبرا المصرية هو تمثال لسعد زغلول.
وقال "مراد" إن العمل على هذه الرواية هو أشق رحلة بحث مضنى مقارنة برواياته التى كتبها من قبل، لكن الكتابة بمنطق 1919 وتاريخ هذه الحقبة كان أكبر صعوبة واجهته، تغلب عليها بمساعدة الكثيرين ممن وجه لهم الشكر فى نهاية الرواية، سواء من أقرب الناس إليه مثل والدته وزوجته وحتى أبعد الناس عنه.
وأشار "مراد" إلى راعى جيدًا خلال كتابته لهذه الفترة، أن يؤكد على دلالة هامة، وهى أن هذه الرواية لا تعد تأريخًا لهذه الفترة، وأنه على من يريد قراءة التاريخ أن يعود للكتب التى تناولت هذه الفترة، وهو ما دفعه ليؤكد على ذلك فى الصفحة الأولى من العمل، بأن هذه العمل أدبى فى المقام الأول، إلا أن هذا لا يمنعه من الاستغناء عن المادة التاريخية التى كان يعتمد عليها كما ذكرت فى التاريخ، وأن هذا أيضًا لم يمنعه من أن يقوم بخلق تاريخ درامى لبعض الشخصيات التى لم يكتب عنها إلا سطر أو اثنين فى بعض الصحف أو الكتب التاريخية ولذلك لملئ الفراغات التاريخية فى الرواية.
وقال "مراد" إن رواية "1919" ترصد أحداثًا لفترة هامة فى تاريخ مصر، أهيل عليها الكثير من التراب، وأنها تؤكد على أن التاريخ لا يعيد نفسه، بقدر ما تكشف أننا بعدم قراءتنا وفهمنا للتاريخ وتصديرنا للمفاهيم الخاطئة للأجيال التالية نعيد نفس الأخطاء التى وقعت من قبل، وهى المقولة التى أشار "مراد" إلى أن قائلها هو صديقه الكاتب حسن كمال.
وأكد "مراد" على أن الأحداث التاريخية المذكورة فى الرواية وقعت بالفعل وأنه لم يتدخل فيها، وأنه اعتمد على مراسلات سرية وأحداث يومية ذكرت فى العديد من كتب السير الذاتية، ومنها مذكرات سعد زغلول، لافتًا إلى أنه تلقى فور صدور "1919" انتقادًا من أحد القراء حول ما ذكر فى الرواية بأن سعد زغلول كان يلعب القمار، وعلى "مراد" على هذا النقد بأن سعد زغلول هو من ذكر هذا بنفسه فى مذاكرته، مضيفًا: للأسف نحن لا نقرأ تاريخنا جيدًا.
وشدد "مراد" على أن كل ما كتبه فى روايته هذه من أحداث درامية هى دراما ولا يجب تأويلها بطريقة أخرى، وأن كل ما هو حدث تاريخى فهو كذلك، ولم يتدخل فيه، وأن الهدف الأهم من الرواية هو أن تثير لدى القارئ المزيد من التساؤلات وتحثه على مواصلة البحث وقراءة تاريخه المهمل، وقال لقرائه: لو بحثتم عن أحب الأشخاص إلى قلوبكم فى هذا الوطن ستجدون مذكراتهم على أرفف الكتب، مشيرًا إلى أنه كان يشعر بالقلق الشديد، فهو صدور الرواية، لأنه يعلم جيدًا أن هذه الرواية سيقرأها جيل يكره تاريخه، ولكن علينا أن نصحح أخطاءنا.
وحول عملية البحث التى يعيشها قبل كتابته لكل رواية، اعترف "مراد" بأن لديه حالة من الهوس الشديد أثناء الكتابة، وهى العودة للتاريخ الذى يسبب له حالة لا توصف تدفعه للبحث عن كل شىء يتعلق بهذه الفترة، حيث يرى أن جزءاً من حالة الوحى لدى الكاتب هو أن يلامس الأشياء التى تعامل معها أبطال عمله، وأنه كلما كان يعثر على صورة أو عملة أو صورة يسأل نفسه عمن سبق إليها، وكيف كان يتعامل معها، لافتًا إلى أنه من بين الأشياء التى عثر عليها خلال كتابته لرواية "تراب الماس" كانت مطواة كتب عليها الجيش الإنجليزى، وكشف "مراد" عن المصدر الذى يساعده فى ذلك، وهو صديق لديه محل أنتيكات، وصديق آخر أطلعه على عدد كبير من الصحف عن هذه الفترة، إضافة كتب المذكرات التى تشعر قارئها بأن آلة زمان أرجعته لهذا العصر، ورأى "مراد" أنه الأكثر استفادة من كل ما يكتب، نظرًا لهذه الحالة التى يعيشها قبل كتابة كل عمل أدبى جديد.
وكشف "مراد" لقرائه لأول مرة عن معاناته حينما أصدر روايته الأولى "فيرتيجو"، حيث أشار إلى لم يكن يعرف فى البداية أن ما يكتبه يصلح لأن يكون رواية وتنشر، وأنه خلال متابعته للمكتبات تعرف على الناشر محمد هاشم صاحب دار ميريت للنشر، وعرض عليه الرواية التى صدرت استغرق صدورها شهرين بعدما عبر "هاشم" عن إعجابه بها، إلا أنها بعدما صدرت لم تحظ باهتمام من القراء مثلما تحظى رواياته الآن، لافتًا إلى أنه مارس هو زوجته أحد وسائل الداعية لنفسه، والتى رأى أنه لا يوجد عيبا فى ذلك، حيث قام بعد فترة من متابعة الرواية على الأرفف فى المكتبات هو وزوجته بشراء كل النسخ، ثم قام بالاتصال بعدد من المكتبات وشرع يسأل عنها ككقارئ معجب بها، إلا أن أحد لم يبد اهتمامًا بها، ثم قام بالاتصال بأصدقائه وطالبهم بشرائها، وكذلك فعلت زوجته، وبعد فترة قصيرة تلقى اتصالاً هاتفيًا من الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، أبدى أعجباه بالرواية، إلا أن – مراد كما يقول – لم يكن يصدق أن الذى يحدثه هو صنع الله إبراهيم.
وأشار "مراد" إلى أن صنع الله إبراهيم أبلغه برغبته فى الاحتفاء به وبروايته التى أعجبته، وحدث ذلك، وحضر الحفل كل الكاتب الكبير بهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد، وغيرهم، من أصدقاء صنع الله إبراهيم.
ونصح "مراد" جمهور قراءه من شباب المبدعين بأن يقرؤوا كل ما يقع أمامهم من كتب، وأن يثقوا فى أنفسهم، وألا ينشروا كتاباتهم بـ"فلوس"، مؤكدًا على أن دور النشر التى تؤمن بالموهبة سوف تساعدهم وتبحث عنهم.
وعلق "مراد" على أحد التساؤلات حول رأيه فى المشهد السياسى الحالى، وما قاله فى روايته "1919" أنه لا شىء أسوأ من ثورة مبتورة لا شىء أسوأ من انتفاضة حرية تُصبح بداية عبودية لا تنتهى" قائلاً: أنه لا يرى على الساحة السياسية الآن من يحقق لمصر الاستقرار المنشود.









