بحث الفلاسفة عن معانى المعرفة المطلقة، وأدركوا أنها هى الحق والخير والجمال، ولن أدخل فى تعريفات معقدة عن الحق والخير والجمال من وجهة نظر الفلاسفة، وهذه المعرفة تختلف باختلاف ثقافات وبيئات البشر المختلفة، فما تراه حقا وخيرا وجمالا فى الغرب قد يختلف عما يراه ممن يعيشون فى الشرق.
ودعونا لا نغوص كثيرا فى قضايا فلسفية تبذل فيها الجهد والوقت، ولكن دعونا نطبق هذه الحدود المعرفية على واقعنا، لا نرى أمة شابة مثل أمتنا العربية، فإن الشباب يشكل حوالى أكثر من 60% من تعداد السكان فى هذه الشعوب العربية، ومع ذلك نجد هذه الدول لا تصنع شيئا ذات أهمية، وتحولت هذه الدول إلى أسواق لاستهلاك ما تنتجه الدول الغربية.
والشباب فى هذه الدول العربية يؤمن بهذه الحدود إيمانا عميقا، وعندما نتكلم عن الحق أتذكر الحوار الذى دار بين شاب عربى وآخر أجنبى، عندما سأله الأجنبى عن ما هى طموحاته، نجد العربى يرد أحلم بعمل مناسب وشقة لأتزوج بها، وتأمينا صحيا عادلا، فيبادره الأجنبى برد يصفع جميع الحكام العرب وهو أنا لا أحدثك عن حقوقك أنا أحدثك عن طموحك.
فمنذ أن عرف الشباب أن هذه هى حقوقه، وقد دأبت الحكومات العربية على التخلى عن دورها الأساسى، وهى توفير هذه الحقوق، وهو ما أدى إلى ظهور كيانات موازية للدولة، تحقق هذه الحقوق لأفرادها فيصبح ولاءهم لها، ونجد هذا جليا عندما نرى ما يفعله شباب الإخوان المسلمين، فهذه الجماعة وفرت لهم ما بخلت به الدولة عليهم.
والشباب العربى يبحث عن الحق فهو يريد الحصول عليه بدون واسطة أو رشوة، يريد أن يحيا فى دوله تحترم الإنسان أكثر ما تحترم المبانى، يعيش فى دولة يملؤها الخير، الخير الذى يبحث عنه المواطن العربى من المحيط إلى الخليج، فلا نجد هذا الخير يحدث إلا إذا حل بالإنسان مصيبة، فنجد بعض الأغنياء وهم يقفون أمام كاميرات التليفزيون وهم يتكلمون عن فعل الخير.
الخير الذى حثت عليه جميع الأديان، الخير الذى يملأ المجتمع ببشر قادرين على العطاء، الخير الذى يجعل فاعله ومن يفعل فيه ممتنين لهذه الأرض التى تربوا عليها، الخير الذى يقتلع جذور الكراهية والحقد من قلوب البشر، الخير الذى يجعلنا غير ناقمين على ظروفنا حاسدين لغيرنا.
أما الجمال فهو ما يبحث عنه الشباب، وليس جمال المرآة، وإن كان شيئا هاما، وإنما الجمال فى البلاد التى نحيا فيها، جمال فى الطرقات بالأشجار والحدائق وأن تكون جميع المناطق والأحياء فى البلاد تعامل معاملة واحدة، بعيدا عن تجميل العاصمة، وكلما ابتعدنا عن العاصمة تدريجيا كلما زاد القبح.
الجمال فى المعاملة بين البشر، الجمال الذى يجعل الشباب مرتبطين بدولهم، وأن تكون دولهم مناطق جذابة لهم لا مناطق طاردة، باحثين عن الجمال فى دولا أخرى، ونجدهم ملتزمين بهذا الجمال وفى بعض الأحيان هم صانعوه، الجمال الذى تتوق إليه النفس البشرية باحثة عنه فى كل مكان، الجمال الذى يملأ النفس بالأمل طاردة اليأس من قلوب الشباب.
أيها الحكام العرب لا تصدروا اليأس إلى الشباب، فيصبحوا إما قنابل موقوتة تنفجر فى المجتمع، أو أن يصبحوا باحثين عن مكان آخر يعطيهم ما بخلت عليها بلدانهم، فيجدون فى هذه البلدان الحق والخير والجمال الذى حرموا منه فى بلدانهم، فتصبح هذه البلدان الجديدة دولهم التى يدينون لها بالولاء، وأن تصبح دولهم التى ولدوا فيها عبارة عن مقبرة لهم، يدفن فيها البعض أحياء بعد أن تكون قد قضت عليهم وعلى أحلامهم أو يدفنون بها أموات بعد أن يكون قد عملوا فى دول جديدة ما قد يكون سببا فى رفعتها ونماها.
محمد على سليمان يكتب: الشباب بين الحقوق والطموح
الإثنين، 21 أبريل 2014 03:21 ص