كتبت أمس عن السفير والمفكر حسين أحمد أمين، الذى رحل عن عالمنا يوم الخميس الماضى، واستعرضت جانبا يسيرا مما كتبه عنه شقيقه المفكر الكبير الدكتور جلال أمين فى كتابه «رحيق العمر»، وهو الجزء الثانى من سيرته، وكان جزؤها الأول «ماذا علمتنى الحياة؟»، وأستكمل.
يستعرض «جلال أمين» الخطابات التى كان يرسلها إليه «حسين» من لندن، وهى قطعة أدبية رفيعة، وتعطى جانبا مهما من حياة المصريين وقت كتابتها.
التحق «حسين» بالعمل فى القسم العربى بهيئة الإذاعة البريطانية «بى. بى. سى»، وعندما أصدر جمال عبدالناصر قرارا بتأميم قناة السويس عام 1956، ووجد نفسه مضطرا بحكم عمله لإعداد نشرات أخبار معادية لبلده وقراءتها، فقدم هو ومعظم المذيعين المصريين فى الإذاعة استقالتهم، وعاد حسين إلى مصر يبحث عن وظيفة، ويقول جلال، إن حسين لم يكن بطبعه شغوفا بالسياسة، لكن تأميم القناة وما تلاه من هجوم عسكرى من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ومقاومة المصريين، لم تكن مجرد أحداث سياسية، بل كانت أشبه بالثورة الوطنية على استغلال طويل وظلم واضح.
يضيف جلال، أن حسين كان كعادته يراسله بانتظام من لندن، فيصف له كيف كان الإنجليز يعاملون المصريين بعد تدهور العلاقة بين مصر وبريطانيا، ومشاعر المصريين الملتهبة هناك، وحماسهم لتأميم قناة السويس، بل وصف له وصفا رائعا بموهبته الأدبية العالية، تأثير ذلك على علاقته الشخصية بصديقته الإنجليزية، وأرسل إليه خطابا يسخط فيه على حال الصحافة المصرية والإعلام المصرى، وطريقة تناولهما لما يحدث فى العالم، ويقول «حسين» فى هذا الخطاب:
«ولننظر الآن إلى أى صحيفة مصرية اليوم أو أى مجلة، وأى مظهر من مظاهر الأدب فى مصر (ما عدا يوسف إدريس)، كل خبر عن أى بقعة من بقاع الأرض، قد أصبح ينظر لا إليه، وإنما إلى انعكاسه فى مرآة التفكير المصرى، قبرص، فورموزا، الأزمة الاقتصادية فى بريطانيا، الجزائر، شيبيلوف، معرض تجارة الصين الشعبية، الماو ماو، جنوب إفريقيا، بل وحتى صحة الرئيس إيزنهاور، قد أصبح ينظر إليها وكأنها تحدث لأن مصر موجودة، لأن مصر تبارك أو تلعن، هناك اضطرابات فى قبرص لأن مصر تعيد توجيه إذاعات راديو أثينا للجزيرة، هناك أزمات اقتصادية فى بريطانيا لأن بريطانيا احتلت مصر 74 سنة، شيانج كاى شيك رجل مضحك لأن مصر اعترفت بالصين الشعبية، والماو ماو قاموا بحركة ضد الإنجليز لأن مصر تناصر فكرة الاستقلال لجميع الدول، وأصبحت النتيجة أنه بالنسبة لقارئ الصحف والمجلات المصرية لا يمكن أن تقوم ثورة فى أى مكان، ولا يمكن أن تحدث أزمة فى أية دولة، ولا يمكن أن يصيب إيزنهاور مرض فى الأمعاء الدقيقة لسبب لا يتعلق بمصر».
فى خطاب آخر لـ«جلال»، يكتب «حسين»، أنه كتب فى خطاب استقالته من الإذاعة البريطانية، أنها «لا لسبب سوى إيمانى بأن هذا هو الوقت الذى أستطيع فيه كثيرا من غيره أن أخدم بلادى»، ويضيف: «قررت ألا أورد فى إذاعتنا شيئا ضد التأميم، إلا مع ذكر مصدر القول قبل كل جملة، وأن أورد التصريحات المؤيدة للتأميم».
السفير والمفكر حسين أحمد أمين
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة